السبت، 3 أبريل 2010

اسباب توسع ظاهرة الارهاب

شنكاو هشام باحت في العلاقات الدولية والقانون الدولي


إن الارهاب بغض النظر عن المقاصد التي تكمن وراءه يتوسع ويزداد عنفا ويتوزع بين مختلف دول العالم ويسفر عن خسائر بالأرواح والممتلكات دون الاهداف التي يرومونها ولا ريب ان في الارهاب على اختلاف اهدافه ووسائله نتيجة لاسباب مختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية وغيرها.
ومن المتفق عليه ان دراسة هذه الاسباب مهمة صعبة لأنها تستلزم الغور في معظم المشكلات المعقدة التي تواجه الافراد والمجتمع الدولي على حد سواء، والتي تكمن فيها اسباب الارهاب وقد تذرع البعض بهذه الصعوبة ورأى ان من الاصوب التركيز اولا على اتخاذ تدابير عملية عاجلة لمكافحة الارهاب دون الانغمار في محاولة تحديد اسبابه المتعددة والمعقدة . ولكن هناك من رأى ان تحديد اسباب الارهاب وإزالتها يجب ان يسبقا العمل على اتخاذ أية تدابير لمنع الارهاب. وأكد اصحاب هذا الرأي استحالة القضاء على الارهاب ما لم يكن ذلك جزءا من عملية مرسومة لاستئصال جذور الظاهرة الارهابية. وحذروا من ان الاقدام على اجراءات متسرعة لن يؤدي إلا الى تفاقم هذه الظاهرة .
ونحن نرى ان تشخيص اسباب الارهاب ولاسيما بعد توسعه في الفترة الاخيرة، لابد منه قبل الاقدام على أية إجراءات فعالة لاستئصاله في المدى البعيد. ولكم هذا لايعني بان العمل على اتخاذ تدابير لمنع الارهاب يجب ان ينتظر بالضرورة تحديد اسباب الارهاب وازالتها وذلك ان مقاومة حالة
من حالات الارهاب يمكن ان تتزامن والمساعي المبذولة لاستئصال جذورها. ونرى كذلك ان الاصرار على اولوية ما في معالجة مشكلة الارهاب قد يؤدي الى تجزيئية لاتفيد هذه المعالجة في شيء وبصورة عامة يمكننا القول بان تشخيص اسباب الارهاب يساعد على ايضاح مفهوم الارهاب الدولي ذاته وإثارة مزيد من الاهتمام بمكافحته.
ولاينكر ان ثمة اختلافات في تحليل ظاهرة الارهاب أي في تحديد اسبابها. وربما كان مرد هذه الاختلافات تباين التفسيرات للمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تنشأ عنها هذه الظاهرة والتي تواجه الافراد والمجتمع الدولي، وتباين المواقف منها او حلولها. ورغم ذلك اظهرت المناقشات ان هناك اتفاقا واسعا على عدد من اسباب الارهاب الراهن. ولربما كان تعليل سعة هذا الاتفاق هو ان المجتمع الدولي كله واعدادا متزايدة من الاشخاص من مختلف الاقطار عرضة لافعال ارهابية مشتركة في غاياتها ووسائلها وان هناك تماثلا في الاثار والتي تتركها هذه الافعال في المناطق التي تقع فيها.
شخصت الاسباب السياسية للارهاب بالاستعمار والحفاظ على السيطرة الاستعمارية وانكار حق تقدير المصير والعنصرية والتمييز العنصري وسياسة الفصل العنصري وحرب الابادة. كما شخصت هذه الاسباب بالعدوان واستخدام القوة بما يتنافى وميثاق الأمم المتحدة وينتهك استقلال الدول السياسي وسيادتها الوطنية ووحدتها الاقليمية، وباحتلال اراض اجنبية والسيطرة على هذه الاراضي وشعوبها. ومن الاسباب السياسية الاخرى التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى والارهاب الواسع النطاق للشعوب بهدف فرض السيطرة عليها وحمل السكان على النزوح من ديارهم وسياسة التوسع والهيمنة . ولابد لنا ان نضيف هنا سببا مهما
اخر إلى الأسباب السياسية للإرهاب، فقد دلت الوقائع على ان النزاعات القائمة بين دولتين كثيرا ما تؤدي الى تبادل الارهاب بينهما بشكل سري أو مكشوف. وهذه الحقيقة تدفع الى الاستنتاج بان الدول ربما تستخدم الإرهابيين وأساليبهم كوسيلة لحرب مصغرة او بديلة ضد دول اخرى، حيث أصبحت الحرب التقليدية باهضة التكاليف وغير مضمونة النتائج, واضاف البعض الى الأسباب السياسية الاضطهاد الديني وإثارة الفتن الطائفية وإشعال الحروب الاهلية والاستبداد وكبت الحريات ومن الاسباب السياسية الأخرى للارهاب تشجيع او تنظيم قوات غير نظامية مسلحة او مرتزقة للاغارة على إقليم دولة ما أو ارتكاب أفعال تخريبية فيها.وان استخدام المرتزقة اصبح أداة جديدة للارهاب بعد ان كان تقليديا للمشاركة في حرب اجنبية فحسب.
وكان الارهاب الذي مارسته المؤسسة الصهيونية المجسدة في اسرائيل، ضد العرب نموذجا فاق في شدته كل ما سبقه من نماذج فبعض حروب العدوان التي شنتها عليهم عبر ثلاثين عاما، شنت عمليات ارهابية ضد المقاومة والمخيمات الفلسطينية والمدن والقرى اللبنانية حيث استخدمت فيها احدث اسلحة الدمار والفتك وتسببت في قتل الاف الأشخاص او تشويههم وكانت الغارة الاسرائيلية على المؤسسات النووية العراقية نموذجا جديدا في ارهاب شعوب الدول النامية بغية حرمانها من ممارسة حقها في تنمية مواردها وتنويع مصادر طاقاتها. وقد سبقت هذه الغارة حملات اغتيال ارهابية ذهب ضحيتها عدد من العلماء العرب في اوربا.
ومن الطبيعي ان تسهم العوامل الاقتصادية والاجتماعية بدور كبير في قيام الارهاب، حددت هذه العوامل بستة مظاهر هي: استمرار وجود نظام
اقتصادي دولي جائر، والاستغلال الأجنبي للموارد الطبيعية والوطنية وتدمير ما لدى بعض البلدان من سكان واحياء ووسائط نقل وهياكل اقتصادية، والظلم والاستغلال السياسي والاجتماعي والاقتصادي وانتهاك حقوق الانسان والفقر والجوع والشقاء وخيبة الأمل .
واضافة الى هذه العوامل تلعب العوامل الشخصية والنفسية دورا معينا في الارهاب. فالهروب من تنفيذ حكم معين او التزامات معينة وحب الظهور او الشهرة او الدعاية او الاستخفاف بالانظمة والعقوبات الدولية والجنون والاختلال العقلي والحصول على مساعدات مادية لصالح افراد او مجموعات تعيش في ضنك او في ظروف معيشية صعبة وفي الوقت الذي لايمكن فيه تجاهل عامل التكوين الفردي، النفسي او العقلي في ممارسة الارهاب، إلا أن المبالغة فيه او محاولة مساواته بالعوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية قد تؤديان الى عزل بعض الممارسات الارهابية عن أسبابها الفعلية او النظر اليها وكأنها أسباب قائمة بذاتها ويستحيل علاجها .
وينسب ايضا توسع ظاهرة الارهاب الى التطور العلمي والتكنولوجي الحديث. ويمكن القول ان هذا التطور كان عاملا مساعدا في اتساع هذه الظاهرة، حيث وضع بين ايدي مرتكبي الأفعال الارهابية وسائل عصرية اكثر فاعلية في تحقيق الاهداف المتوخاة منها. فقد وفرت الطائرات مثلا للارهابيين القدرة على القيام بعملياتهم من بعيد وعلى الانتقال بسرعة بالغة
من مكان الى اخر ، اضافة الى انها اصبحت هي نفسها باختطافها هدفا مهما يتوجه آلية الارهاب. ووضعت في متناول الارهابيين أسلحة وأجهزة خاصة متطورة كالمسدسات والبنادق الصغيرة ذات المديات البعيدة ووسائل التسديد التلسكوبية والقنابل اليدوية والقنابل الصغيرة والموقوتة والموجهة من مسافات بعيدة. وكل هذه الاسلحة والاجهزة تتصف برخص اسعارها نسبيا وبصغرها وقابلية حملها وسهولة استخدامها وشدة تدميرها .
اضافة الى خدمات شبكية لنت والموبايل وغيرها زادت وشرعت لهم عمليات الاتصال ممن يرومون بداخلهم نوايا سيئة لخدمة الارهاب.
وهناك من لايستبعد ان يؤدي انتشار وسائل انتاج الطاقة النووية في العقود القليلة القادمة ، وحجم التجارة بالمواد الانشطارية والنفايات الاشعاعية الناجمة عنها، الى إمكانات جديدة للابتزاز السياسي واخذ الرهائن على نطاق واسع لم يعرف من قبل . وهنا لابد من استذكار ما قيل في اللجنة الخاصة بموضوع الارهاب الدولي من أن الطابع المنظم الذي يتسم به الاستخدام الشرير المعتمد للضحايا الأبرياء لتحقيق اهداف معينة هو جزء من ثقافة الارهاب المعاصرة التي تتضح مثلا في نظرية توازن الارهاب والارهاب بقصف المدن والمدنيين ، واخيرا استخدام الاسلحة النووية . اضافة الى هذه الاسباب التكنولوجية هناك من يذهب الى ان المجتمع اصبح اكثر عرضة للارهاب من ذي قبل. فقد خلقت اهداف مكشوفة هامة متعددة نتيجة تركز السكان في مدن ضخمة غير مؤمن حراستها ، وتضاعف اعداد السدود والجسور الطويلة والعالية والمراكز

الصناعية والموانئ ومحطات توليد الطاقة الكهربائية ومصافي النفط . وواضح ان هذا التوسع او التعقد في المدن ومؤسساتها ليس سببا مباشرا او غير مباشر لقيام الارهاب بقدر ما هو وسيلة يمكن ان تستغل لممارسته.
ولاشك ان لوسائل الاعلام دورا في تشجيع الارهاب او تجنيده ويرى البعض ان التطورات الحديثة في بث الأخبار من اذاعة وتلفزيون واقمار صناعية للاتصالات كانت فرصة مؤاتية للارهابيين الذين يسعون وراء الدعاية لافعالهم. واستعداد اجهزة الاعلام وقدرتها على بث أخبار حوادث العنف الدرامية في جميع انحاء العالم يوسعان الارهاب بل قد يشجعانه. وهكذا يضمن الارهابيون تغطية مباشرة لافعالهم على نطاق عالمي من خلال الاذاعة والتلفزيون والصحف . ولربما كان هذا هو ما دفع بعض أعضاء اللجنة الخاصة بموضوع الارهاب الدولي الى المطالبة بان تقتصر التغطية الاعلامية للافعال الارهابية الفردية على الحدود الدنيا فحسب .
اخيرا لابد من ان نذكر بان المواقف السلبية بل التشجيعية احيانا التي اتخذتها دول كثيرة حيال ظاهرة الارهاب لعبت دورا كبيرا في اتساع هذه الظاهرة في السنوات الاخيرة. فقد أدى نقص الترتيبات الوقائية الامنية في بعض الدول الى تشجيع بعض مواطنيها على ارتكاب اعمال ارهابية وهذا ما يمكن قوله بشأن غياب القوانين الصارمة لمعاقبة الفاعلين او ضعف عقوباتها. كما شجعت بعض الدول الارهابيين بمساعدتهم او بغض النظر عن انشطتهم المنطلقة من أقاليمها ضد دول أخرى. وتهاونت دول مضيفة لمنظمات دولية في اتخاذ مايلزم من اجراءات ازاء الانشطة الارهابية الموجهة الى هذه المنظمات. وتتوضح هذه المواقف السلبية ايضا في رفض بعض الدول عقد معاهدات ثنائية لمناهضة الارهاب، او الانضمام الى الاتفاقات الدولية القائمة في هذا الميدان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق