الأربعاء، 31 مارس 2010

مفهوم القوة في العلاقات الدولية و علم السياسية

برغم من أن الفلاسفة والعلماء الإجتماعيين والإستراتيجيين العسكريين قد أفاضوا منذ القدم حول تناول مفهوم القوة واختلفوا في تعريفه إلا أن الإختلافات القائمة بينهم لم تكن جوهرية بالقدر الكبير، وذلك بالنسبة للأغراض العلمية التي تختلف كثيراً في طبيعتها عن المداولات الأكاديمية؛ على قدر أهمية الأخيرة .
والقوة ( Power ) هي ببساطة القدرة على التأثير على الآخرين وإخضاعهم لإرادة القوي الفاعل، لذلك فالأقوياء في أي موقف اجتماعي كان أم سياسي أم اقتصادي أم ثقافي هم الذين يفرضون إرادتهم وكلمتهم ويسيرون الأمور كما يرونها ووفقاً لمصالحهم الخاصة.
تعتبر قوة الدولة من العوامل التي يعلق عليها أهمية خاصة في ميدان العلاقات الدولية، وذلك بالنظر إلى أن هذه القوة هي التي ترسم أبعاد الدور، الذي تقوم به الدولة في المجتمع الدولي وتحدد إطار علاقاتها بالقوى الخارجية في البيئة الدولية (1) وبطبيعة الحال لا يعني ذلك أن الدولة القوية والتي تسير الأمور وفقاً لمصالحها ورغباتها دولة سيئة أو أنانية أو مفسدة في الأرض، فالسوء والأنانية والإفساد؛ أمور مستقلة عن القوة، ودليل على ذلك قول الرسول محمد صلي الله عليه وسلم " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير" ومن ثمَ فإن العامل المحدد لأخلاقية القوة هو استخدامها في الخير والإعمار دون إلحاق الضرر بمصالح الآخرين .
مفهوم القوة تجاوز في مضمونه الفكري المعنى العسكري الشائع إلى مضمون حضاري أوسع ليشمل القوة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والتقنية ... الخ. ولكن أياً من مصادر القوة مهما تعددت لا يكتسب وزناً وتأثيراً بمجرد وجوده، وإنما يرتبط هذا الوزن والتأثير بالقدرة على التدخل الواعي لتحويل مصادر القوة المتاحة إلى طاقة مؤثرة وسلاح فعال، فالقوة ( Strength ) هي مجرد إمتلاك مصادر القوة كالموارد والقدرات الاقتصادية والعسكرية والسكان وغيرها، أما القدرة (Power) فتنصرف إلى إمكانية تحويل هذه المصادر إلى عنصر ضغط وتأثير في إرادات الآخرين .

تعريف القوة لغةً:
ورد في المعجم الوسيط أن القوة هي ضد الضعف وهي الطاقة، وهي تمكن الإنسان من أداء الأعمال الشاقة، وهي المؤثر الذي يغير أو يحيل حالة سكون الجسم، وهي مبعث النشاط والحركة والنمو وجمعها قوى، ورجل شديد القوى أي شديد وقوي في نفسه وقوَّى دعم ووطَّد، كما نجد أن القوي والقادر والمقتدر من أسماء الله الحسنى، تأتي القوة بمعنى الجد في الأمر وصدق العزيمة، وقد وردت القوة في القرآن الكريم في كثير من الآيات، وعلى سبيل المثال " وأعدوا لهم ما أستطعتم من قوة "(2)أي أعدوا لهم جميع أنواع القوة المادية والمعنوية (3) " خذوا ما أتيناكم بقوة (4) أي بحـزم وعزم (5) "لو أن لي بكم قوة أو أوي إلى ركن شديد " (6) أي لو كان لي قوة أستطيع أن أدفع أذاكم بها أو الجأ إلى عشيرة وأنصار تنصرني عليكم (7) .
والقوة هي لغة كل العصور وهي أحد المفردات الهامة التي يتوقف عندها المفكرون في كافة أنحاء الأرض وبمختلف لغاتهم، حيث تبين أن معناها يكاد يكون واحد في كل اللغات حيث يدور في إطار مفهوم القدرة على الفعل والإستطاعة والطاقة وهي ضد الضعف وتعني أيضاً التأثير والنفوذ والسلطة .
تعريف القوة إصطلاحاً:
يعرف علم الإجتماع القوة "بالقدرة على إحداث أمر معين" و"تأثير فرد أو جماعة عن طريق ما على سلوك الآخرين"، يعتبر موضوع القوة من المواضيع التي يهتم بها علم الجغرافية السياسية والعلاقات الدولية لذا جاء تعريف وتفسير مفهوم القوة للكثير من الكتاب والمفكرين في هذا الإطار.
وفي رأي كارل فريدريك فإن أفضل تعريف للقوة هي القدرة على إنشاء علاقة تبعية فعند القول أن لإنسان ما قوة سياسية تفوق قوى الآخرين، فهذا يعني أن الآخرين يتبعون نظام أفضلياته، والقوة ليست مجرد التسلط ولكنها تتضمن أيضاً القدرة على الإستمالة والنفوذ لدى الآخرين، ويرى أنه بالاسـتخدام الماهر والذكي للقوة يمكن للطـرف (أ) أن يجعل الطـرف (ب) يفعل ما يريد دون قهـر أو إرغام بمعنى يمكن تحويل القهـر إلى إتفاق وتزامن كنفـوذ جماعات الضـغط في المجتمعات المتحضرة(8).
ويرى سبيكمان أن القوة تعني البقاء على قيد الحياة والقدرة على فرض إرادة الشخص على الآخرين والمقدرة أيضاً على إملاء هذه الإرادة على أولئك الذين لا قوة لهم وإمكانية إجبار الآخرين ذوي القوة الأقل على تقديم تنازلات(9) .
ويرى كل من ميكافيلي وهوبز ومورغنثوه على أن القوة هي الوسيلة والغاية النهاية التي تعمل الدولة للوصول إليها في مجال العلاقات الدولية .
ولقد بلور علماء الجيوبولتيكا مفهوم القوة وكأنه مرادف لمفهوم السيطرة فلقد بين راتزل بأن الدولة كائن حي يحتاج إلى النمو والتطور حتى لو كان عن طريق القوة. ويعتبر علماء السياسة أن مفهوم القوى هو المفهوم الرئيسي في علم السياسة بل ومن المفاهيم الرئيسية في العلوم الإجتماعية كلها ومن ناحية أخرى فإن السياسة ترتبط بشكل وثيق مع القوى . كما أن البحث عن القوة يميز السياسة عن الأنواع الأخرى من النشاط الإنساني(10) .


في عالم السياسة توجد ثلاثة إتجاهات لتعريف القوة :
الإتجاه الأول: يعرف القوة بأنها القدرة على التأثير في الغير وهي القدرة على حمل الآخرين للتصرف بطريقة تضيف إلى مصالح مالك القوة .
الإتجاه الثاني: يعرف القوة بأنها المشاركة الفعالة في صنع القرارات المهمة في المجتمع.
الإتجاه الثالث: يحاول أن يجمع بين الإتجاهين السابقين ويعـرف القوة بأنها التحكم والسيطرة المباشرة أو غير المباشرة لشخص معين أو جماعة معينة على أوجه إثارة القضايا السياسية أو عملية توزيع القيم وما يترتب عليه من مقدرة في تقرير أو تأثير في الموقف في الإتجاه الذي يفضله صاحب القوة(11) .
أما كلية الحرب الأمريكية فتعرف مفهوم القوة القومية للدولة بأنها الإمكانية أو القدرة التي يمكن أن تستخدمها الدولة للوصول إلى أهدافها القومية في الصراع الدولي، إذن فالقوة هي الطاقة العامة للدولة لكي تسيطر وتتحكم في تصرفات الآخرين (12) .
في الفكر الإستراتيجي يقصد بقوة الدولة فاعلية الدولة ووزنها في المجال الدولي الناتجان عن قدرتها على توظيف مصادر القوة المتاحة لديها في فرض إرادتها وتحقيق أهدافها ومصالحها القومية والتأثير في إرادة الدول الأخرى ومصالحها وأهدافها. وقوة الدولة بهذا المعنى تتحدد في ضوء عنصرين مصادر القوة ثم عملية إدارة وتوظيف تلك المصادر، لذا فإن أياً من مصادر القوة لا يكتسب وزناً وتأثيراً بمجرد وجوده وإنما يرتبط هذا الوزن والتأثير بالتدخل الواعي لتحويل مصادر القوة المتاحة إلى طاقة مؤثرة وسلاح فعال.

المفاهيم المرتبطة بمفهوم القوة
يتداخل مفهوم القوة مع عدة مفاهيم أخرى مثل السلطة والنفوذ والقهر والتأثير والإرغام والردع والإرهاب والإغراء، وهي تستخدم كمترادفات وكعناصر لتحليل القوة .
السلطة: هي الوجه الأول للقوة السياسية والسلطة بصفة عامة هي قوة ذات طابع نظامي حيث تكون القوة مرتبطة بمنصب أو وظيفة معينة معترف بها داخل المجتمع ويعطي لشاغلها حق إصدار القرارات ذات صفة الإلزام الشرعي بالنسبة للآخرين، وتنقسم إلى ثلاثة أنواع: سلطة قانونية وتقليدية وكاريزماتية .
النفوذ السياسي: هو الوجه الثاني للقوة السياسية وهي ممارسة عن طريق تفاعل إجتماعي تستخدم فيه وسائل الإغراء والترهيب والإقناع والسيطرة والهيمنة والإرغام والإكراه، وتوجد أشكال متعددة من النفوذ تتراوح ما بين الترغيب والإستمالة والإقتناع إلى السيطرة والهيمنة والردع والإكراه((13) .

القهــر: هو أي قوة أو تهديد يقلل من حرية الحركة، بما يجعل التصرفات تتم بحرية أقل مما كان يمكن أنَّ تكون عليه، وهناك بعض المفكـرين يميزون بين التأثير والقـوة والقهـر، والقهر شكل من أشـكال القوة التي تواجه المجبر بالقـدرة على إلحاق الضرر به بغض النظر عن الموقف الذي يتخذه .

التأثير: يعد مفهوم التأثير مفهوماً محورياً في الدراسات السياسية حيث يميز بعض المحللين بينه وبين مفهوم القوة عن طريق تضيقه بحيث لا يشمل إلا الوسائل غير المباشرة أو غير الملموسة لتغيير السلوك. أما البعض الآخر فيعتبر أن القوة ما هي إلا شكل من أشكال التأثير (14)، وقد يكون التأثير قسرياً أو غير قسري .

الهيمنة: يدل مفهوم الهيمنة على تأثير دولة على دولة أو دول أخرى ويصف سياسات القوة التي تردع بها جيرانها المعتمدين عليها بالتهديد من أجل إجبارهم على الاستسلام .

السيطرة: يدل مفهوم السيطرة على ممارسة دولة لها نفوذ وقوة لنفوذ فعلي على دولة أخرى أو إقليم معين، وهذا النفوذ قد يأخذ شكل تحالف أو علاقة تبعية، وهو ينتج عن التفاوت في القوة بين الدول وبعضها البعض .

الردع: يتميز الردع بوجود إستراتيجية للتهديد بالعقاب، أي إقناع الخصم بأن التصرف غير المرغوب فيه سوف يكبده من الخسائر أكثر بكثير مما قد يترتب عليه من مكاسب، ويجب أن يكون الردع مصداقياً، وأحياناً تكمن القوة في إغراء طرف أخر بالمكافأة .

الإكراه: شكل من أشكال التأثير وللإكراه صور متعددة إقتصادية وإجتماعية، سياسية وإن التهديد بإستخدام القوة أو الإستخدام الفعلي للقوة العسكرية هو شكل من أشكال القوة ويرتبط بمفاهيم القوة والتأثير والسلطة.

وهناك تميز بين القدرة والقوة فالقدرة هي معطي موضوعي وهي موارد متاحة أما القوة فهي ممارسة عملية وهي التوظيف السياسي لتلك الموارد، وإن النقلة من إمتلاك الموارد إلى إستخدامها أي من القدرة إلى القوة، يتطلب إرادة سياسية ودور للعقل البشري، وفي كثير من الحالات التاريخية نجد أن الحروب قد تحددت ليس بميزان القدرات والإمكان وحسب ولكن أيضاً بإرادة التصميم والعزم والمثابرة وتلعب القيادة السياسية الحاكمة والثقافة السياسية السائدة دوراً حاسماً وهاماً في هذا المجال .

مصادر القوة(2)
إذا قلنا أن القوة هي القدرة على التأثير على الآخرين، وأن المجتمع أو الدولة القوية هما القادران على التأثير على الآخرين ويعمل الآخرون من الدول والمجتمعات لها حساباً. فلابد أن تكون لهذه الدولة مقومات تضطر المجتمعات والدول الأخرى للخضوع لها فما هي مصادر القوة عند هذه الدولة القوية أو ذلك المجتمع المؤثر؟
هناك شبه إجماع بين مفكري الجغرافيا السياسية أن مصادر القوة والتي تحدد قيمة الدولة من الناحية السياسية يمكن إبرازها في ثلاثة عوامل هي :
1ـ العوامل الطبيعية .
2ـ العوامل الاقتصادية .
3ـ العوامل البشرية .
ويرجع آخرون قوة الدولة إلى خمسة عوامل تشكل منهجاً يقوم بتحليل هذه العوامل باعتبارها معادلة القوة الشاملة للدولة وهي :
1ـ العامل الجغرافي .
2ـ العامل الاقتصادي .
3ـ العامل السياسي .
4ـ العامل النفسي .
5ـ العامل العسكري.
كما يرى بعض مفكري العلاقات الدولية وعلى رأسهم هانز مورجانثو أن القوة الشاملة للدولة يعبر عنها من خلال تسعة عناصر هي :
1ـ العامل الجغرافي .
2ـ الموارد الطبيعية.
3ـ الطاقة الصناعية.
4ـ الاستعداد العسكري.
5ـ السكان .
6ـ الشخصية القومية .
7ـ الروح المعنوية .
8ـ نوعية الدبلوماسية .
9ـ نوعية الحكم .
هكذا تطور الفكر العالمي بالنسبة لمفهوم القوة الشاملة للدولة وإن كانت قد استقرت أخيراً على وجهة نظر شرقية وأخرى غربية .
وجهة النظر الأولى
التي يعبر عنها بوجهة النظر الشرقية (نسبة للاتحاد السوفيتي السابق) والتي تشير إلى مفردات القوة الشاملة في إطار خمسة قدرات هي :
1ـ القدرة السياسية (القدرة الداخلية) .
2ـ القدرة الدبلوماسية (القدرة الخارجية).
3ـ القدرة الاقتصادية .
4ـ القدرة العسكرية .
5ـ القدرة المعنوية .

وجهة النظر الثانية
وهي تعبر عن وجهة نظر أخرى أخذت من مصادر غربية (أمريكية) والتي تشير إلى خمسة عناصر رئيسية يمكن منها استخلاص قوة الدولة الشاملة وهي :
1ـ الكتلة الحيوية / الحرجة للدولة (الأرض - والسكان). critical mass
2ـ القوة الاقتصادية economic capability
3ـ القوة العسكرية capability military
4ـ الهدف الإستراتيجي strategic purpose
5ـ الإرادة الوطنية will pursue national purpose

خصائص القوة
القوة مفهوم حركي ديناميكي غير ثابت يدخل في تكوينها عدد كبير من العناصر المتغيرة المادية وغير المادية التي ترتبط مع بعضها، والقوة بطبيعتها شيء نسبي لأن قوة الدولة تقاس بمقارنتها بقوة الدول الأخرى، كما تظهر القوة بشكل تدريجي وهذا يعني أن بعض الدول الضعيفة نسبياً يمكن أن تلعب دوراً فعالاً في أزمة معينة بشكل سريع وغير متوقع بحيث يصبح بإمكانها التأثير على دولة أخرى أقوى منها وحتى إجبارها على تغيير سياستها، فقد تلاشت قوة الولايات المتحدة الأمريكية أمام شعب فيتنام مع أنها تملك أسلحة دمار شامل، ولكن خشيت من إستخدامها خوفاً من رد فعل الصين الشعبية والإتحاد السوفيتي (السابق) مما دفع صانع القرار الأمريكي إلى حصر المجهود الحربي في أسلحة تقليدية .
وتتدرج ممارسة القوة بين التأثير بالطرق الدبلوماسية من جهة وبين أسلوب الإجبار والقسر من جهة ثانية، وإن اللجوء إلى القوة هو في الحقيقة الوصول إلى مرحلة العجز عن الحل بالطرق السلمية ويعتمد السعي وراء القوة على الموارد المتاحة من أجل تنفيذ سياسة الدولة (15) . وليس هناك حصر مانع وجامع لمصادر قوة الدولة خاصة في المجال الدولي إذ يختلف تأثير هذه المصادر من دولة لأخرى ومن فترة زمنية إلى أخرى في الدولة نفسها، إرتباطاً بطبيعة الإطار الدولي وبمصادر قوة الطرف الأخر في العلاقة، وبالقدرة على إدارة مصدر القوة من جانب القيادات السياسية أو إستغلاله .
والحقيقة أن مفهوم القوة وبالمعنى والذي سبق وحددناه يتضمن كلا الجانبين، جانب إمتلاك أسباب القوة وجانب توظيف هذه الأسباب في التحكم في إرادة الآخرين وأفعالهم، في ضوء ما تقدم نستطيع أن نحدد خصائص القوة في المجال الدولي فيما يأتي:
أولاً : أن القوة هي جوهر العلاقات الدولية، كما أن السلطة هي جوهر السياسة القومية والفارق بين القوة والسلطة أن هذه الأخيرة تتضمن الأولى، ولكنها ترتبط بغاية وهي تحقيق وحدة الجماعة، وبوسيلة هي الإحتكار الشرعي لأدوات القمع . وبعبارة أخرى فإن السلطة التي يدور حولها الصراع في السياسة الداخلية هي سلطة مستأنسة ومتمركزة في الحكومة التي تحتكرها لفرض تحقيق الوحدة والإستقرار، أما القوة التي يدور حولها الصراع بين الدول فليست مستأنسة ولا متمركزة ولا منظمة، والهدف منها تحقيق المصالح القومية لكل دولة وهي مصالح متعددة ومتعارضة بطبيعتها الأمر الذي يفسر طابع العداوة والحرب الذي يغلب على العلاقات الدولية، والناتج عن سعي كل الدول إلى فرض إرادتها وتحقيق مصالحها في غياب السلطة العليا التي تحتكر أدوات القمع .
ثانياً : أن القوة ليست هدف في نفسها ولكنها وسيلة لممارسة النفوذ والتأثير الذي يتضمن تحقيق أهداف الدولة والتي لا تخرج عن تحقيق المصالح القومية أو الوظيفة الحضارية فضلاً على حماية الأمن القومي وصيانة الاستقلال السياسي أو الردع .
ثالثاً : أن قوة الدولة دائماً نسبية ويتوقف تقديرها على أمرين أولهما القدرة على تحويل مصادر القوة المتاحة أو الكامنة إلى قوة فعالة وثانيهما محصلة قوة الطرف الأخر، قد تتساوى دولتان في إمتلاك مصادر القوة نفسها إلا أن قدرة إحداهما وعدم قدرة الأخرى على توظيف أحد أو بعض مصادر قوتها يجعل القادر على توظيف مصادر قوتها أقوى نسبياً من الأخرى على الرغم عن تساوي مصادر القوة في الدولتين .
من ناحية أخرى فإن وزن قوة الدولة في تغير مستمر نتيجة للتغيير في أهمية مصادر القوة المتاحة لديها، أو لدى الطرف الآخر أو لما قد يطرأ على العلاقات بين الدول من تبادلات تؤثر في أوزان قوتها كالحروب أو المعاهدات أو التحالفات أو الإنقسامات أو غير ذلك .
رابعاً : أن القوة صناعة وإرادة فرضتها طبيعة العلاقات الدولية التي تتسم بالفوضى وغياب السلطة، الأمر الذي فرض على الدول السعي بشتى الوسائل والطرق إلى صنع مصادر القوة والعوامل المهنية لتفعيلها، بوصفها الضمان الحقيقي لأمنها وإستقرارها وتحقيق مصالحها، ولعل ما يثبت أن القوة صناعة وإرادة هي قوة كل من اليابان وألمانيا الآن مقارنة بأوضاعها في نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد تمتلك بعض الدول العديد من مصادر القوة كالسكان والموارد والإقليم والعامل المعنوي، إلا أنها تفتقد القدرة على إنتاج القوة وإدارتها على الرغم من عراقتها التاريخية وسمو تقاليدها الحضارية .
خامساً : تتصف القوة بندرتها مما يترتب على ذلك أن الدول مهما ملكت من قوة فأنها تحرص على ما تمتلكه وتحاول عدم تشتيت جهودها وإن القوة بطبيعتها شي نسبي لأن قوة الدولة تقاس بمقارنتها بقوة الدول الأخرى . كما تظهر القوة بشكل تدريجي وهذا يعني أن بعض الدول الضعيفة نسبياً يمكن أن تلعب دوراً فعالاً في أزمة معينة بشكل سريع وغير متوقع والقوة مفهوم حركي ديناميكي غير ثابت يدخل في تكوينها عدد كبير من العناصر المتغيرة المادية وغير المادية التي ترتبط مع بعضها والبعض الآخر، لذلك فإن أي إستنتاج يتعلق بقوة الدولة أو ترتيبها بين الدول الأخرى وأن كان مبنياً على معلومات حديثة هو في الواقع مرهون بوقت ظهوره، وهذا يتطلب إعادة تقييم الدولة بصورة مستمرة (16)
سادساً : تتدرج ممارسة القوة بين التأثير بالطرق الدبلوماسية من جهة وبين أسلوب الإجبار والقسر من جهة ثانية، وأن اللجوء إلى القوة وهو في الحقيقة الوصول إلى مرحلة العجز عن الحل بالطرق السلمية، ويعتمد السعي وراء القوة على المـوارد المتاحة من أجل تنفيذ سياسة الدولة معتمدين على دفع هذه القوة إلى حدها الأقصى من خلال نوعية الدبلوماسية التي تترجم الموارد القومية إلى قوة قومية (17).

أدوات القـوة
تمارس الدولة قوتها في النطاق الخارجي من خلال أداتين هما : الدبلوماسية والحرب، وفي ضوء مصادر القوة التي أشرنا إليها آنفاً والتي تحدد الدولة على أساسها أهدافها، وتقرر الاختيار بين هذه الأداة أو تلك من أدوات القوة، والدولة الأقوى هي التي تفوز دائماً في الدبلوماسية وفي الحرب، وفي إطار يغلب عليه الصراع، وتغيب عنه السلطة العليا الحاكمة، ولا تعرف لغة المنطق، ولا قيم العدالة والمساواة، و لا معيار الموضوعية، وإنما ثمة هدف واحد هو المصلحة، وأداتان هما الدبلوماسية والحرب .

والدبلوماسية تسبق الحرب وتلازمها وتعقبها، والأولى أن تحقق الدول غايتها وتفرض إرادتها من خلال الأساليب والمهارات الدبلوماسية التي ترتكز إلى قوة فعلية، يمكن التلويح بها أو التهديد باستخدامها دون التورط في الحرب، لما تتطلبه من نفقات وموارد، وما تخلفه من خسائر ومخاطر على كلا الجانبين، وبصفة خاصة بعد شيوع استخدام أسلحة الدمار الشامل بمختلف أنواعها، وحرص كثير من الدول على امتلاكها .

وعندما تخفق الدبلوماسية في إجبار الطرف الآخر على الإذعان لإرادة الدولة تصبح ضرورة لإثبات القدرة وفرض الاحترام وإجبار الطرف الآخر على الخضوع لإرادة الأقوى . وأثناء ذاـك تواصل الدبلوماسية مهامها لإقناع الخصم بضرورة التسليم، وصياغة شروط التسليم، ومعاهدات لعقد الهدنة أو الصلح مع أطراف أخرى تكسبها إلى جانبها أو تحييدها في الصراع الدائر، أو غير ذلك من الجهود الدبلوماسية التي تلازم الحرب، وتساعد على تحقيق أهدافها بأقل الخسائر الممكنة .
وعقب انتهاء الحرب تنشط الدبلوماسية من جديد لصياغة الاتفاقات، وإبرام المعاهدات التي تتضمن اعتراف الطرف الآخر بالهزيمة، وقبوله الخضوع الإرادي لشروط الدولة المنتصرة، وعلى مقتضى مصلحتها القومية .

وهكذا تتكامل الدبلوماسية والحرب بوصفهما أداتين للقوة أو وسيلتين لإقناع أو إكراه الطرف الآخر على الامتثال لإرادة الدولة . ولعل هذا التكامل يفسر عدة مظاهر، مثل مشاركة الدبلوماسيين والعسكريين في مجالس الأمن القومي وفي تشكيل سياساته، وظهور ما يعرف بالدبلوماسية العسكرية أو دبلوماسية القوة، نتيجة لتعيين العسكريين - بعد انتهاء مد ة خدمتهم بالجيش – في السلك الدبلوماسي، وغير ذلك من مظاهر التقارب والتعاون بين الدبلوماسيين والعسكريين، وبصفة خاصة عقب الحرب العالمية الثانية التي جسدت هذه العلاقة الوثيقة بين الدبلوماسية والحرب بوصفهما أداتين للقوة، ودعامتين لمفهوم الأمن القومي (18) .

استخدامات القوة
سبق وذكرنا أن القوة ليست هدفاً في ذاتها، ولكنها وسيلة لتحقيق أهداف أخرى من خلال النفوذ أو التأثير الناتج عن ممارسة القوة، فما هي تلك الأهداف التي تُستخدم القوة لتحقيقها ؟
تختزل أغلب الدراسات الغربية أهداف القوة في هدف واحد : هو تحقيق المصلحة القومية فالعلاقات الدولية ليست سوى علاقات قوى تخضع لقانون واحد : هو قانون المصالح القومية . ويضيف بعض الباحثين استخدامات أخرى للقوة لا تبتعد كثيراً عن هدف المصلحة القومية، مثل حماية الحدود وضمان الأمن وصيانة المعاهدات وتحقيق الرفاهية .

والحقيقة أن إعلان بعض الدول عن استخدامات أخرى للقوة لا ترتبط بعامل المصلحة القومية، قد يكون مجرد قناع لإخفاء السبب الحقيقي الذي يحكم حركتها في النطاق الدولي، والذي لا يعدو أن يكون المصلحة القومية نفسها .

سبق وذكرنا أن إدعاء رسالة فرنسا الثقافية الذي أسُتخدم لتوسيع الحروب والفتوحات النابليونية في القارة الأوربية، ولتوسيع الاستعمار الفرنسي لدول العالم الثالث لم يكن في الحقيقة سوى قناع للأطماع الفرنسية خارج حدودها وبالطريقة نفسها يمكن تفسير ادعاءات الولايات المتحدة الواردة بوثيقة البيت الأبيض عن ( إستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة )، والتي تربط استخدام القوة في النطاق الخارجي بنشر قيم الحرية والمساواة والقضاء على الإرهاب، بأنها مجرد ستار تستتر خلفه الأسباب الحقيقية التي ترتبط بالسيطرة على منابع البترول، وضرب القوى الإسلامية، وتكوين إمبراطورية أمريكية (19)
وإذا كانت الدولة القومية العلمانية ذات التقاليد الرأسمالية والقائمة على مبدأ الدولة الحارسة، تأبى إلا أن تجعل من لغة المصالح أساس حركتها في النطاق الخارجي، حتى لو غلفت تلك المصالح بغطاء من القيم والمثاليات، فإن النموذج الآخر للدولة القومية – أي الدولة القومية العقدية التي تعتمد على العامل العقدي في عملية بناء الدولة، وتأسيس شرعية السلطة السياسية، ورسم سياستها الداخلية والخارجية – يقوم على الربط بين حركتها السياسية في النطاق الخارجي، ووظيفة حضارية لا تنبع من منطـق المصالح، وهو النمـوذج الذي تتحول فيه القوة إلى إرادة حضارية، أي أداة تحقيق الوظيفة الحضارية، تلك التي تدور حول نشر قيم عالمية واحدة تضمن التقدم الروحي والمعنوي لسائر البشر .
ثمة تطبيقان لهذه الدولة التي تستخدم القوة بوصفها إرادة حضارية:(الدولة الأيديولوجية، والدول الدينية)، الأولى تضع قوتها في خدمة عقيدتها السياسية، وتربط حركتها في المجال الخارجي بفكرها الأيديولوجي، أما الثانية فتجعل محور تعاملها الخارجي يدور حول نشر عقيدتها الدينية .
وذلك من منطلق القناعة بأن كلاً منهما – أي الفكر الأيديولوجي والعقيدة الدينية – يمثل إضافة جديدة إلى معالم التقدم الإنساني تفرض عليهما – أي الدولة الأيديولوجية، والدولة الدينية – الالتزام بنشر هذه المنجزات وتعميمها من أجل الارتقاء بالوجود البشري، وتسخير قوتهما للدفاع عن هذه الوظيفة الحضارية .

القوة والتوازن
لاشك أن هناك اختلافات في القوى النسبية للدول، ومرد هذا الاختلاف يعود إلى تباين ما هو متاح لكل دولة من المصادر والمكونات والمـوارد المادية وغير المادية التي تدخل في تركيب هذه القوة، وتدرك كل دولة في ظل البيئة الدولية الحالية والتي يحكمها منطق الصراع أن حماية حدودها ومكتسباتها الوطنية فضلاً عن تحقيق مصالحها القومية رهن بامتلاك القوة والسعي الدائم إلى زيادة هذه القوة إلى أبعد مدة ممكن وذلك بإضافة مصادر أو طرق أو وحـدات إنتاج جديدة للقوة (تحالف، تعاهد تفوق علمي وعسـكري وغيرها) أو بالعمل على إضـعاف قوى الآخـرين بشتى الطـرق (الحرب، الحرب النفسية، التفريق، التقسيم .. وغيرها ) لخلق التوازن المطلوب لضمان أمنها وصيانة استقلالها (20)
التوازن ليس حالة جامدة، بل عملية متغيرة ومتطورة، وعملية حركية متغيرة تندفع من سعي الأطراف ذات العلاقة إلى الحفاظ على أوضاعها ومصالحها النسبية التي تعكس القدرات والإمكانات والموارد المتاحة لها، وعند تغير القدرات بشكل حاسم من طرف يسعى الطرف الآخر إلى إعادة التوازن من جديد، ومفهوم توازن القوى الشامل مركب ومتعدد الأبعاد وهو من حيث القدرات يتجاوز مفهوم التوازن العسكري الذي يدخل كأحد أبعاد توازن القوى الذي يضم علاوة على ذلك القدرات الاقتصادية والبشرية والسياسية .
تستعمل عبارة توازن القوى أحياناً كوصف لكيفية توزيع القوى ويجري استعمال هذه التعبير للإشارة إلى توزيع عادل للقوة مثل كفتي ميزان متساويتين، والمشكلة في هذا الاستعمال هو أن الغموض في قياس القوة يجعل من الصعب تحديد متى يكون هذا التوازن متساوٍ، والتوزيع المتساوي للقوة بين الأمم أمر نادر، وفي أغلب الأحيان فإن عمليات النمو المتفاوت والتي تعتبر قاعدة أساسية في السياسة الدولية تعني صعود دول وانحدار دول أخرى وتعمل هذه التحولات في توزيع القوة على حفز رجال الدولة إلى تكوين التحالفات وبناء الجيوش والقيام بمخاطرات تؤدي إلى موازنة أو كبح القوى الصاعدة، ولكن موازنة القوة لا تحول دائماً دون بروز دولة مسيطرة، وتحاول نظريات الهيمنة وانتقال القوة تفسير السبب الذي يجعل بعض الدول التي أصابت النجاح والتفوق تفقد هذا النجاح وهذا التفوق فيما بعد .

تراوحت أساليب التوازن التي مورست عبر التاريخ ما بين التحالفات والتحالفات المضادة والتدخل المباشر وغير المباشر ونزع السلاح والتفرقة بين الخصوم والتعويضات والتهدئة بل والحرب بمستوياتها، وتلجأ الدول إلى إتباع ما يناسبها فيها في إطار النظام الدولي في مرحلة معينة بما يتضمنه من شروط وعلاقات متغيرة، ولا توجد قاعدة ثابتة ومحددة تحكم توازن القوى (21) وقد ظهرت في الأعوام القليلة الماضية شعارات دولية حول الاعتماد المتبادل ورفض استخدام القوة وتوازن المصالح، وتطور النظام من توازن المصالح إلى اختلال توازن القوى، إذا حدث تحول غير ملحوظ من مثالية توازن المصالح على إلى التسليم بتفوق الغرب وشبه الإنفراد الأمريكي بمكانة القوى العظمى.

ومن ناحية أخرى يوجد اتجاه يؤكد بشكل مستمر على أنماط التفاعل التكاملية والتنمية الاقتصادية والتجارة الدولية والتقدم التكنولوجي تمثل احد الأركان الرئيسية لما يسمى بالنظام العالمي، طبقاً لذلك فإن العالم يبدو وكأنه يمثل مجتمع من الدول تتفاعل فيما بينها على مستوى عال من ديناميكية الذاتية في مجالات التبادل الدبلوماسي والاقتصادي والاجتماعي، وخلال هذه التفاعلات فإن الدول ترتبط فيما بينها بعملية مستمرة للموازنة الحساسة لتصرفات كل منها (22).

دور القوة في العلاقات الدولية
يتحدد دور ووزن أي دولة من الدول في المجال الدولي بحجم مواردها المادية أو البشرية التي تضعها في خدمة عملها الدبلوماسي الإستراتيجي، ومن واجب الدول أن لا ترسم لنفسها أهدافاً لا تستطيع مواردها تحقيقها، ولقد تبدل دور القوة الآن، لأن أهداف الدولة تبدلت بدورها، على سبيل المثال فإن هدف الدولة كان في وقت مضى يتمثل في الحصول على موقع قوة يتفوق نسبياً على الدول المجاورة وعلى مكاسب اقتصادية بالمقارنة مع المكاسب السابقة، ولكن الدولة اليوم هي أكثر اهتماماً بموضوع المكاسب الاقتصادية المطلقة التي تمكن مواطنيها من التمتع بمستوى أعلى من الحياة، وهذا التقدم الاقتصادي يتطلب عالماً مستقراً يكون التعاون الاقتصادي الدولي فيه ممكناً والدول تعتمد على بعضها إلى حد كبير، والمشكلات الأكثر صعوبة في عالم اليوم لا يمكن حلها إلا عبر الجهود المشتركة، والطرق الحالية المستخدمة في حل النزاعات والـخلافات علـى المصالح تعتمد أكثر فأكـثر علـى الدبلوماسية الماهرة، والمساومات الهادئة الهادفة إلى تحقيق مستويات مقبولة من الجميع، كما يجب التفريق بين استخدام القوة والتهديد باستخدامها وهو الأكثر شيوعاً في العلاقات الدولية والذي يبدو جلياً في عمليات الردع (23) DETERRENCE، ونشاهد حالياً تغيير عالمي لمفهوم القوة إذ في ظل التعادل النووي لموازين القوى على المستوى العالمي يستحيل على القوى العظمى تغيير هذه الموازين المركزية، لأن مثل هذه لمحاولات محاطة بالخطورة الكبرى، وهذه الحقيقة لا تترك إلا مجالاً واحداً للعب في هذه الموازين في الدول الهامشية وهي القوى الإقليمية .
ولقد نادي جورباتشوف باستبعاد استخدام القوة في حل الصراعات العالمية وأضاف إليها الصراعات الإقليمية أيضاً (24) ورغم ذلك فإن القوة ستظل تلعب دوراً حاسماً كوسيلة لتحقيق مصالح الدول وكقياس لمكانها ووضعها في النظام الدولي .



1. إبراهيم صبري مقلد ، العلاقات السياسية الدولية ، ط 5 ، ذات السلاسل للطباعة والنشر ، الكويت ، 1987 ، ص 163
2. راشد محسن عبدالله ، نظرية القوة في الصراع العربي الإسرائيلي ، رسالة زمالة (غير منشورة) ، كلية الحرب العليا ، الأكاديمية العسكرية العليا ، 2002م ، ص 9
3.قرآن كريم ، سورة الأنفال ، الآية (60) .
4.محمد علي الصابوني ، صفوة التفاسير .
5.قرآن كريم ، سورة البقرة ، الآية (63) .
6.محمد علي الصابوني ، صفوة التفاسير .
7.قرآن كريم ، سورة هود ، الآية (80) .
8.محمد علي الصابوني ، صفوة التفاسير .
9.هيئة البحوث العسكرية ، حساب القوة الشاملة ، القاهرة ، إدارة المطبوعات والنشر للقوات المسلحة ، 1990م ، ص 1 .
10.جوليان لايدر ، حول طبيعة الحرب ، مركز الدراسات العسكرية ، ط 1 ، دمشق ، 1981م ، ص 75 .
11. جوليان لايدر ، مرجع سابق ، ص 92 .
12. محمد ربيع وإسماعيل صبري مقلد ، موسوعة العلوم السياسية ، الكويت ، جامعة الكويت ، 1993م ، ص 174
13 Army war collage , war National policy and strategy , volume III , Pennsylvania , USA : 1992 . P.3 .
14.محمد ربيع وإسماعيل صبري مقلد ، مرجع سابق ، ص 496 .
15.نيفين سعد ، معجم المصطلحات السياسية ، القاهرة ، مركز البحوث الدراسات السياسية ، ط 1 ، 1994م ، ص 244 .
15. هيئة البحوث العسكرية ، مذكرة القوة الشاملة للدولة وأسلوب حسابها ، القاهرة ، إدارة المطبوعات والنشر للقوات المسلحة ، 1990م ص 9-10.
16. نعيم إبراهيم الظاهر ، سياسة بناء القوة في الأردن ، ط 2 ، الأردن ، عمان ، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع ، 2003م ، ص 27 .
17.عبد الرازق حسين ، الجغرافيـة السياسيـة مع التركيز على المفاهيـم الجيوبولتيكية ، بغداد ، مطبعة أسور ، 1976م ، ص 235– 236.
18. Hans J. Morgenthall , politics Among Nations , 5 thed , New York , Altred A. Kreptp , P 140

19. حامد عبد الله الربيع ، سلوك الممالك في تدمير الممالك ، لشهاب الدين بن أبي الربيع ، ج 1 ، ج ، القاهرة ، دار السكب ، 1983م ، ص 66 .
20. حامد ربيع ، الأبعاد الإستراتيجية لصراع القوى الكبرى حول حرب الخليج العربي ، القاهرة ، معهد البحوث والدراسات العربية ، 1983م ، ص ص 54 ، 61 .
21. تامر كامل الخزرجي ، العلاقات السياسية الدولية وإستراتيجية إدارة الأزمات ، ط 1 ، عمان ، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع ، 2005م ، ص 276.
22. عمر الفاروق سيد رجب ، قوة الدولة ، القاهرة ، مكتبة مدبولي ، 1992م ، ص 53.
23.عبد المنعم سعيد،التقرير الإستراتيجي العربي لعام 93، القاهرة، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية/الأهرام، 1993م،ص 23.
24. هيئة البحوث العسكرية ، حسابات القوة الشاملة ، المرجع السابق ، ص 11.
25.أمين هريدي ، العسكرة والأمن في الشرق الأوسط ، ط1 ، القاهرة ، دار الشروق ، 1991م ، ص 24 .

احتكار استعمال القوة في العلاقات الدولية

كتبها شنكاو هشام باحت في العلاقات الدولية


يكمن ذلك من خلال استفراد الولايات المتحدة بالقرار الدولي وتهميش الأمم المتحدة والقانون الدولي :



1- احتكار الولايات المتحدة بالقرار الدولي :

تقف الولايات المتحدة الأمريكية في العالم اليوم لكافة مقاييس القوة التقليدية متفرجة ومنفرجة الساقين عبر الكرة الأرضية كما يلاحظ بروكس وولفورت لا توجد قوة أو كتلة في الكفة الأخرى من الميزان يمكنها أن تجبر الولايات المتحدة أن تفعل ما تريد أن تفعله في المضمار الدولي.[1]

وتستمد الولايات المتحدة أسباب قوتها وهيمنتها على عالم اليوم من مكونات عدة :

فعلى الصعيد العسكري : نجد أن من المتوقع أن تنفق الولايات المتحدة على الدفاع في العام 2003 أكثر من إنفاق الدول الخمس عشر إلى العشرين التالية لها الأكثر إنفاقا على الدفاع مجتمعة والولايات المتحدة تتمتع بتفوق مذهل، ولديها أقوى سلاح جوي في العالم، وأقوى قوات بحرية، وقدرة فائقة على ممارسة النفوذ العسكري حول العالم.

ويمكننا القول كذلك إن تفوقها العسكري سيظهر بشكل أوضح إذا نظرنا إليه بمعايير كيفية، وليست كمية فحسب. فالولايات المتحدة تتطوق في هذا الإطار على العالم أجمع في استغلال التطبيقات العسكرية للتقنيات المتقدمة في مجال الاتصالات والمعلومات كما أنها أظهرت قدرة لا مثيل لها على التنسيق ومعالجة المعلومات المتاحة عن ساحة المعركة، وعلى تدمير أهداف محددة بدرجة فائقة من الدقة واشنطن تعمل كذلك على تصعيب مهمة الآخرين باللحاق بها، الأمر الذي يتضح بالنظر إلى الفجوة الهائلة بين ما تنفقه هي على أنشطة البحث والتطوير. وبين ما ينفقه الآخرون عليها حيث إنها تنفق في هذا الصدد ثلاثة أضعاف ما تنفقه عليها القوى الكبرى الست التالية لها مجتمعة.

والغريب في الأمر أن الولايات المتحدة تحقق هذا التفوق العسكري بنحو 3,5 فقط من دخلها المحلي.

ويقول المؤرخ Paul Kenndy "إن احتلال القمة بتكاليف باهظة هو أمر معقول، ولكن أن تكون القوة العظمى الوحيدة في العالم بتكاليف زهيدة فهو أمر مذهل".[2]

وفي الوقت ذاته نجد أن التفوق الاقتصادي الأمريكي سواء بالنسبة إلى الدول التالية لها الأكثر ثراء، أو بالنسبة إلى العالم ككل يفوق أي مثيل له حققته أية قوة عظمى في التاريخ الحديث.

كالاقتصاد الأمريكي اليوم ضعف حجم منافسه الأقرب أي الاقتصاد الياباني، بل عن اقتصاد كاليفورنيا فحسب قد حقق نموا مذهلا جعله الخامس في العالم، متفوق في ذلك على الاقتصاد الفرنسي، وثانيا مباشرة الاقتصاد المملكة المتحدة.

وأخيرا، فإن تفوق الولايات المتحدة في المجالين العسكري والاقتصادي له حدود مؤكدة تتمثل في موقعها كأكبر قوة تقنية على مستوى العالم.[3]

بناء على ما سبق، فإن الولايات المتحدة اليوم تتبوأ مكانة القوة الإمبراطورية الأقوى في العالم دون أي منافس حقيقي لها في أي بعد رئيسي من أبعاد القوة المشار إليها، وهو موقع فريد حيث لم يسبق أبدا أن كان هناك نظام دولي يحتوي على دولة واحدة تتمتع بكل هذه الدرجة من الهيمنة، إن حيازة أمريكا وبجدارة لمكانة القطب الأوحد في العالم يترتب عليها وبحسب الباحثين العديد من النتائج ومن ضمن هذه النتائج المترتبة على الأحادية القطبية ذلك أن الكثير من متخذي القرارات حول العالم يعملون في ظل مشاعر من التقيد، حيث إن جميع المشاركين في المناظرات الجدلية حول السياسات يدافعون عن خياراتهم المفصلة بالإشارة إلى العواقب المأساوية التي يمكن أن تترتب على عدم العمل بنصائحهم ولكن مصادر القوة الأمريكية هي مصادر متنوعة وممتدة الأثر للغاية لدرجة أن السياسة الخارجية الأمريكية أصبحت تعمل اليوم في مجال الاختيار وليس الإجبار، أو الضرورة أكثر من أي قوة عظمى في التاريخ الحديث.

وسواء اعترف المشاركون في المناظرات بهذه الحقيقة أم لا، فإن حرية الاختيار الجديد هذه غيرت بشدة من طبيعة الجدل حول ما يجب أن يكون الدور الأمريكي عليه.[4]

بناء على ذلك يدخل التعاطي الأمريكي مع المنظومة الدولية لما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تبدو الولايات المتحدة اليوم غير مهتمة بالأمم المتحدة ولا بالعمل الجماعي إلا بقدر ما يخدم مصالحها وحسب.

أما إذا تعارضت مصالحها مع الأشياء، فإنها تعمل منفردة دون الإحساس بأي حرج أو خشية من العواقب.

2- تهميش الأمم المتحدة والقانون الدولي :

يسعى تيار المحافظين الجدد ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي إلى التأكيد على هيمنة الولايات المتحدة في السياسة العالمية، باعتبارها القطب الوحيد، وللقيام بهذه المهمة يجب أن لا تقيد الولايات المتحدة أو تجدها المؤسسات والأعراف الدولية، بل هناك من يرى أن أمريكا تفعل بناء ما بدأت به عند نهاية الحرب العالمية الثانية حيث شغلها عن هذه المهمة الصراع مع الشيوعية العالمية.

وقد جاء عدم الاهتمام بالأمم المتحدة واضحا في كتابات وتصريحات كل من ريتشارد وجون بولتون الذي يعتبر الرجل الثاني في وزارة الخارجية، أيام كولن باول يقول بولتون "لا يوجد شيء مثل الأمم المتحدة هناك الجماعة العالمية التي تقودها القوة الوحيدة في العالم وهي الولايات المتحدة وذلك عندما تتوافق الحاجة إليها مع مصالحنا، وعندما نجد أخريين ينخرطون معنا في الركب".[5]

هذا التوجه المتمثل في عدم الاكتراث بالمؤسسات والأعراف الدولية والتركيز على البعد الأحادي في السياسة الخارجية في عهد بوش الإبن، كان سببا في توترات في العلاقات الأمريكية الأوروبية ففيما نرى أن الولايات المتحدة قوية وتركز في الوقت نفسه على مجموعة متميزة من التهديدات الأمنية، مما جعلها تسعى في السنوات الأخيرة إلى زيادة حريتها في العمل إلى الحد الأقصى وتقليل القيود على تصرفها، من أجل احتواء هذه التهديدات ودحرها، وحدها عند الضرورة.

ونرى أنها تميل إلى الانعزال والتصرف الأحادي الجانب، ذلك أن ذوي النزعة الأحادية الجانب يحتلون الآن مناصب مرموقة في الإدارة. وخاصة في كونغرس، وهم يركزون على تعزيز القوة الأمريكية والحفاظ على السيادة الأمريكية. فهم يفضلون الاعتماد على الذات، ويرفضون النزوع إلى العمل الجماعي، والمعاهدات الدولية باعتبارها قيودا غير ملائمة على قدرة أمريكا على تنفيذ إرادتها، فهم يفضلون القوة الصلبة والجبروت العسكري والعضلات الاقتصادية والزعامة الدبلوماسية على القوة اللينة[6] للمعاهدات والأعراف الدولية، ومنابر التفاوض.

وعند الكثير منهم لا يمكن أن ترفع نفقات الدفاع الأمريكية على نحو كاف أبدا. كما أن المساعدة والدعم الخارجيين اللذين تقدمهما الولايات المتحدة للمنظمات الدولية لا يمكن إنقاصها بما فيه الكفاية على الإطلاق.

أما المشاورات فهي من أجل التحدث، وليس الاستماع، والمساواة تنطوي على أخذ لأعلى عطاء، إنها السياسة الخارجية الواقعية العنيدة القائمة على فكرة قديمة وهي الفكرة القائلة إن القوي يفعل ما يشاء، أما الضعيف فيفعل ما هو مضطر إليه، وليست هذه الطريقة الأوروبية في القرن الحادي والعشرين على الأقل، فالأوروبيون يتبعون تقاليد الاندماج الأوروبي المتعدد الأطراف، ومرغمون بسبب نقص القوة على التحرك على أساس التعاون، هكذا يرون أن السياسة الخارجية ينبغي أن تهدف وبشكل رئيسي إلى بناء أنظمة دولية. وصياغة تعاون موسع، ويتبع جراء من الإيمان بالحلول التعددية عند الأوروبيين من الاعتقاد بأن كثيرا من التحديات العالمية من الاحتباس الحراري، والهجرة إلى موقف انتشار الأسلحة والتدخل في الدول ومصالحها ليست قابلة لحلول أحادية الجانب حتى لو اضطلع بها بلد مثل الولايات المتحدة. ورغم أن التركيز على الأحادية الأمريكية لم يبدأ بشكل كبير إلا منذ مجيء جورج بوش، فإن الفوارق بشأن كيفية معالجة القضايا الكبرى بين الولايات المتحدة وبقية العالم لم تكن ظاهرة حديثة. فإدارة كلينتون بعد فترة رئاسته الأولى كثيرا ما كانت تهتم بإتباع طريق أحادي الجانب، وقائمة الشكاوى طويلة رفض أمريكا التوقيع على حظر الألغام الأرضية، ورفضها أن تكون طرفا في محكمة الجرائم الدولية.[7]

لقد طرح بعض المحللين سؤالا يفرض نفسه وهو لماذا تغشى الولايات المتحدة أن يطول قضاء المحكمة رعاياها ؟ ولماذا التخوف على أفراد جيشها من الذين قاموا بمهمات التدخل العسكري في أقطار أجنبية إذا لم يكن لهم ما يؤاخذون عليه ؟ لاشك أن خوف الولايات المتحدة من المحكمة ما يبرره لذلك فإن معارضة الولايات المتحدة لهذه المحكمة لازالت مستشرية وقوية حيث ظهر من تدخلاتها المتعاقبة رفض مبدأ خلق المحكمة وعدم قبول الاحتكام إلى العدالة الدولية.

ورفضها تسديد ديونها بالكامل للأمم المتحدة ورفض مجلس الشيوخ الأمريكي لمعاهدة منع التجارب النووية، وطريقة إدارتها الدبلوماسية والعسكرية لأزمة كوسوفو وحربها.[8]

ثم رفضها إيجاد حل وسط بشأن تطبيق بروتوكول كيوتو حول التغيير العالمي في المناخ، ومتابعتها لنشر دفاعات ضرورية صاروخية محظورة بموجب معاهدة عام 1972 التي تحظر القدائف الصاروخية ذاتية الدفع.

وقد اكتسب هذه القضايا أهمية بارزة في عهد كلينتون ومعظمها باق كمصدر للنزاع اليوم، ومع ذلك فإن رد الفعل الأوروبي إلى الأحادية الأمريكية كان خافت الصوت، طيلة سنوات حكم كلينتون أكثر مما هو عليه اليوم في الأشهر التي تلت مجيء بوش للسلطة.

ويعود جزء من سبب هذا التغير في اللهجة إلى أن الرئيس كلينتون كان كثيرا ما يعطى لنفسه مظهر شخص مرغم على اتخاذ مواقف أحادية ضد رغبته الذاتية الصريحة، فقد كان كرئيس يتحدث بلغة التعددية، حتى ولو لم يغشى مشية التعددية.[9]

وعلى العكس من ذلك فقد أعطت إدارة بوش كل إشارة إلى أنها صالحة تماما في كثير من هذه السياسات الأحادية الجانب. فالرئيس الأمريكي ومستشاروه يعتبرون وبشكل صريح، أن الاتفاقيات الدولية أداة متجاوزة لهذا قررت الإدارة الأمريكية مراجعة اتفاقاتها الدولية. مما يعكس حالة من العداء الإيديولوجي من طرف الأمريكيين للقانون الدولي، وهو شعور بدأ يتنامى منذ مدة بين ما يعرف باليمين المتطرف وأصبح عاما في الحزب الجمهوري، تحت إدارة بوش.

ويرجع هذا إلى قناعة راسخة، بأن المعاهدات الدولية والقانون الدولي يشكلان خطرا على الولايات المتحدة الأمريكية لأنهما يحدان من حريتهما وسيادتهما.[10]

هذا التوجه الأحادي النزوع، كان سببا في الكثير من الاحتجاجات الصارمة، والتي لم تقتصر على قرار بوش بإعلان وفاة الاتفاق المتعددة الأطراف حول التغير المناخي الذي وقعه أكثر من مائة بلد، ومن ضمنها الولايات المتحدة برئاسة كلينتون بل شملت التعليل الذي برر هذا القرار أيضا، فمعارضة بوش لكيوتو لم تقم أساس التدرع بأن الاتفاقية غير فعالة. أو حتى على أساس أن المشكلة التي تسعى الاتفاقية لمعالجتها قد بولغ فيها. ولكن على عدم الاستعداد لدفع شحن معالجة مشكلة عالمية تتحمل الولايات المتحدة عنها مسؤولية غير متناسبة.

وأوضح بوش أنه نظرا لكون الولايات المتحدة تواجه أزمة طاقة، ولأن اقتصادها قد تباطأ فإن تقليص انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون ليست واردا في جدول الأعمال، وهكذا فإن ما أزعج أوروبا وبقية العالم هو تدرع بوش بحجة أمريكا أولا وعدم اهتمامه الظاهر بالكيفية التي تؤثر بها أعمال أمريكا على الآخرين.

وبالمثل فيما يخص الدفاع الصاروخي، لم يكن الموضوع هو رغبة إدارة بوش في الدفاع ضد تهديدات جديدة في عالم ما بعد الحرب الباردة، بقدر ما هو عزم أمريكا الواضح على متابعة هذا الطريق مع العلم الكامل بأن ذلك ينطوي على خرق معاهدة حظر القذائف ذاتية الدفع أو الانسحاب منها وهي تحظر تطوير وتجربة، ونشر هذه الدفاعات نفسها التي تسعى الإدارة لنشرها.[11]

هذا البعد الأحادي في السياسة الخارجية الأمريكية في عهد بوش الابن قاد بعض الدارسين إلى الاهتمام بالنزعة الإمبريالية للإدارة، وقد جاء أشمل توصيف لهذه النزعة فيما أورده إيكنبيري في تقييمه للسياسة الخارجية لإدارة بوش، فهو يرى أن لأمريكا طموحات إمبراطورية، فقد تخلت الإدارة عن مرتكزات السياسة الخارجية في إطارها العام. التي تقوم على الواقعية والتوجه الليبرالي ويعتقد أن إدارة بوش رسمت إستراتيجية جديدة تقوم على ستة مقومات وهي باختصار :

1- المحافظة على نظام القطب الواحد.

2- تحليل جديد للأخطار العالمية.

3- زوال إستراتيجية الردع، وظهور إستراتيجية الهجوم الوقائي.

4- إعادة تعريف مفهوم السيادة، بملاحقة الإرهابيين.

5- التقليل من أهمية القواعد والمعاهدات الدولية.[12]



[1] أنظر نصير عاروري : "جدور الحملة الأمريكية لمحاربة الإرهاب"، مجلة المستقبل العربي رقم 392 شهر 6/2003، ص : 8.

[2] أنظر وليام سي وولفورت : "تأملات في أبعاد القوة الأمريكية الراهنة"، ترجمة محمد عالي ثابت، مجلة الثقافة العالمية، العدد 115، السنة الحادية والعشرون نوفمبر/ديسمبر 2002، ص : 9.

[3] نصير عاروري : المرجع السابق، ص : 9.

[4] وليام سي وولفورت : المرجع السابق، ص : 18.

[5] أنظر سميح فرسون : "جذور الحملة الأمريكية على الإرهاب"، مجلة مجلس المستقبل العربي، 292 شهر 6/2003، ص : 78.

[6] القوة اللينة عند "جوزيف ناي" هي القوة التي تجسدها أمريكا كنموذج، يحتدى به وثقافة وسلوك محط إعجاب وقدرات على التواصل والتعاون مع الآخرين في إطار التعددية والشراكة ومراعاة وجود هؤلاء الآخرين.

أنظر بهذا الخصوص: البيان الإماراتية، 25/09/2002، الموقع على الانترنيت : www.albayan.net.

[7] لقد كانت الولايات المتحدة حائرة ومتعسفة في معارضة إقامة محكمة للجنايات الدولية أكثر من أية دولة أخرى، وتعلل إدارة بوش في شرحها لأسباب التراجع عن توقيع المعاهدة أن هذه المحكمة المنقوصة البناء والتي تتمتع بصلاحية اعتبار ما تراه بأنه يندرج ضمن مفاهيم كجرائم الحرب أو أعمال عدوانية قد تشكل خطر على قوات حفظ السلام والمقاتلين من أفراد الجيش الأمريكي خاصة أولئك الذين اشتركوا في الحرب الغامضة ضد الإرهاب كما أن المشكلة ليست متمثلة في أن المحكمة فوق القانون ولكن أيضا في حقيقة أنه لا يوجد قانون جني وواضح يعدو عليها.

[8] للاطلاع على ملابسات الموقف الأمريكي من حرب كوسوفو ووجهة النظر القانونية من هذه الحرب أنظر كتاب عبد الواحد الناصر : "حرب كوسفو الوجه الآخر للعولمة"، منشورات جريدة الزمن أكتوبر 1999.

[9]أنظر ايفورد دالدر : "هل تتجه الولايات المتحدة وأوروبا إلى الطلاق"، ترجمة د.محمد توفيق البيجرمي، مجلة الثقافة العالمية، العدد 114، سبتمبر 2002، ص : 83.

[10] انظر محمد الأمين الركالة : "أحداث 11 سبتمبر محاولة لفهم ما يجري"، مجلة وجهة نظر، العدد 12/13-2001، ص : 23.

[11] أنظر إيفورد دالدر : مرجع سابق، ص : 84.

[12] سميح فرسون : مرجع سابق، ص : 74.

عوامل قوة الدولة

ن لعوامل القوة المتاحة للدولة دور كبير في تحديد مكانتها على الساحة الدولية لكن قبل التعرض لهذه العوامل يجب علينا ان نعرج على بعض المفاهيم
إن القوة ـ كما أوضحت تعريفاتها ـ ليست التأثير ، وإنما القدرة على التأثير . وتستند هذه القدرة على امتلاك الدولة إمكانيات (خصائص ، موارد ، قدرات ، مؤسسات) معينة تشكل مقومات القوة القومية Elements of National Power التى تمكنها من التأثير على سلوكيات الدول الأخرى فى الاتجاهات التى تحقق مصالحها، كالمساحة الجغرافية ، وعدد السكان ، والموارد الطبيعية ، والقدرات الإقتصادية ، والقوة العسكرية ، والبنية التكنولوجية ، والفعاليات الثقافية، والمؤسسات السياسية ، والحالة المعنوية للشعب ، وغيرها .
لكن ، على الرغم من أن هذه الإمكانيات المتداخلة تشكل فى مجموعها عوامل القوة الشاملة لأى دولة ، فإن هناك اختلافات أساسية فيما بينها ، ترتبط باعتبارات عملية ، تتصل بالقدرة على استخدامها فى عملية التأثير ، خاصة خلال المواقف التى يتعرض فيها أمن الدولة أو مصالحها الحيوية لتهديدات أو ضغوط حادة من الخارج . واستناداً على تلك الاختلافات ، يتم التمييز فى تحليل مقومات قوة أى دولة ـ أى الإمكانيات العامة التى تستخدمها فى عملية التأثير ـ بين مستويين (يوضحهما الشكل التالى ) هما :
عناصر القوة القومية


مصادر القوة قدرات القوة
(أسس القوة) (أدوات القوة)
الأول : مصادر القوة Power Resources ، وهى عناصر القوة التى تمثل موارد عامة ، يمكن أن تستخدمها الدولة على المدى الطويل لامتلاك أو تطوير قدرات معينة تستخدم فى التأثير ، مثل الموقع الجغرافى ، وعدد السكان ، والموارد الإقتصادية ، والقاعدة الصناعية ، والإمكانات العلمية ـ التكنولوجية ، والقيم الثقافية . فالسكان ـ على سبيل المثال- لا يستخدمون مباشرة فى الحروب ، وإنما العناصر المنظمة القادرة على حمل السلاح منهم ، والتى تسمى عادة جيشا . وتمثل هذه المصادر عموما أسس لقوة الدولة .
الثانى : قدرات القوة Power Capabilities ، وهى عناصر القوة التى تمثل قدرات محددة يمكن أن تستخدمها الدولة مباشرة فى عملية ممارسة التأثير على المدى القصير ، كالقوات المسلحة ، والإحتياطيات النقدية ، والأدوات الدبلوماسية ، وأجهزة الاستخبارات ، فالجيوش عادة ما تكون فى وضع استعداد لاستخدام القوة المسلحة فى أى وقت تتعرض فيه الدول للتهديد . وتمثل هذه القدرات عموما (والتى سيتم تناولها فى الفصل التالى) أدوات لقوة الدولة.
وبداية ، فإنه فيما يتصل بأسس القوة (التى يركز عليها هذا الفصل) ، تبدو الصورة معقدة إلى حد كبير . فعلى الرغم من أنه يصعب استخدامها فى ممارسة التأثير بشكل مباشر على المدى القصير ، كقاعدة ، توجد بعض الإستثناءات بشأنها ، إلا أنها تعتبر ذات أهمية قصوى لقوة الدولة بصفة عامة ، لعدة اعتبارات، أهمها ما يلى :
1 - أنها تمثل العامل الأساسى فى تحديد وزن الدولة ضمن هيكل القوة العالمى . فعلى الرغم من الدور الحيوى الذى تلعبه القدرات المحددة (العسكرية ، المالية .. الخ) فى تشكيل موقع الدولة على خريطة النظام السياسى الدولى ، إلا أن عدم استناد تلك القدرات على موارد كبيرة يحد من تأثيراتها على هذا المستوى . فتصنيف دول العالم الى قوى عظمى ، وقوة كبرى، ودول متوسطة القوة (قوى اقليمية كبيرة) ، ودول صغيرة ، يرتكز عادة على أسس القوة ذات الطبيعة الثابتة نسبيا . فإنهيار أسس قوة الإتحاد السوفيتى هبط بالدولة الوريثة (روسيا الإتحادية) من مصاف القوى العظمى الى مواقع الدول الكبرى رغم امتلاكها قوة عسكرية تعادل القوة العسكرية الأمريكية . وامتلاك كل من الهند وباكستان لأسلحة نووية ، لم يحولهما من دول متوسطة القوة إلى قوى كبرى ، وحيازة بعض دول جنوب شرق آسيا ، أو الخليج العربى قدرات إقتصادية أو مالية كبيرة لم يؤد إلى تعديل أوضاعها فى هيكل القوة العالمى .
2 - أن طبيعة (كم وكيف) الموارد المتوافرة لأى دولة هى التى تحدد طبيعة القدرات التى يمكنها امتلاكها ، أو بعبارة أخرى نوعية أدوات القوة المتاحة لها ، لكى تستخدمها فى إدارة علاقاتها مع الآخرين ، فدول مثل السلفادور أو موريتانيا ، التى تمتلك إمكانيات محدودة ، أو غير متطورة بدرجة معينة ، لا يمكنها ـ حتى لو أرادت ـ أن تنتج أسلحة نووية تؤثر بها فى الآخرين ، أو أن تكون لديها شبكة إعلامية تغطى العالم ، أو أن تبعثر عدة ملايين من الدولارات سنويا كمعونات خارجية لسبب أو آخر ، بعكس دول أخرى كفرنسا أو بريطانيا ، تمتلك إمكانيات كبيرة تتيح لها بناء جيوش قوية ، وقواعد عسكرية خارج أراضيها، وامتلاك وسائل إعلام وبرامج معونات خارجية ذات تأثير ، وإن كان توافر الموارد لا يتيح أوتوماتيكيا امتلاك القدرات ، وهناك محددات مختلفة تحيط بذلك . فالعلاقة هنا غير مباشرة ، لكنها واضحة .
3 - أن تأثيرات أسس القوة على علاقات القوة بين أى طرفين قد تكون حاسمة على المدى الطويل ، بشروط معينة ترتبط بالكيفية التى يتم توظيفها بها . فقد كانت القوات الألمانية قد تمكنت عام 1942 ، خلال الحرب العالمية الثانية ، من إلحاق الهزيمة بالقوات الروسية ، والتوغل فى أراضى روسيا، إلا أن اتساع وعمق مساحة روسيا ، ومناخها قارس البرودة ، قد أدى الى إرهاق القوات الألمانية ، التى اضطرت للانسحاب تحت وطأة الضربات غير النظامية للقوات الروسية ، كما كانت اليابان قد قامت بعملية مفاجئة ضد الولايات المتحدة عام 1941، حطمت فيها الأسطول الأمريكى فى بيرل هاربور ، بحيث تمكنت من السيطرة الكاملة فى منطقة الهادى ، واضطرت القوات الأمريكية إلى إخلاء الفلبين ، لكن خلال سنوات قليلة ، تمكنت الولايات المتحدة من إعادة بناء قوتها العسكرية ، لتقوم باجتياح القوات اليابانية فى آسيا ـ الهادى ، وهزيمة اليابان واحتلالها عام 1945 .
إضافة إلى كل ذلك ، فإن بعض موارد القوة يمكن أن تستخدم مباشرة فى التأثير على سلوك الأطراف الأخرى كقدرات قوة ، والمثال الشهير على ذلك هو استخدام الدول العربية للبترول كسلاح ، يحظر تصديره إلى الدول الداعمة لإسرائيل خلال حرب أكتوبر 1973 ، فى ظل ملامح معينة لأسواق البترول ومصادر الطاقة خلال السبعينات ، كما أن الدول يمكن أن تستخدم إمكانياتها المالية مباشرة فى منح المساعدات الإقتصادية للدول الأخرى ، فبعض الموارد الاقتصادية / المالية تمثل أسس قوة و أدوات قوة فى الوقت نفسه .
فى هذا السياق ، فإن محاولة الحصر الدقيق للعناصر التى تشكل أسس القوة لأية دولة تبدو أحيانا وكأنها مهمة مستحيلة . فالدول تتكون من أرض وشعب وحكومة ، ثم عنصر السيادة التى يفترض على أساسه قدرة الدولة على السيطرة على ثرواتها ومواردها ، وتعبئتها فى الاتجاهات التى تحقق مصالحها دون مؤثرات خارجية هيكلية . وتتشكل أسس القوة القومية للدولة استناداً على تفاعل تلك العناصر الرئيسية الثلاثة (الأرض ، الشعب ، الحكومة) ، وهى العناصر التى تحدد ـ مبدئيا ـ حجم الدولة من حيث الصغر والكبر . فهناك دول صغيرة الحجم كغانا وسويسرا ، ودول كبيرة الحجم كالولايات المتحدة والهند ، بصرف النظر عن مستوى تقدم (تحديث) كل دولة، إلا أن لكل عنصر تعقيداته الخاصة ، التى يمكن الإشارة إليها كالتالى :

أولا : الأرض:
ويعبر عنها عادة بالعامل الجغرافى الذى اعتبر من جانب الإستراتيجيين الأوائل أهم عوامل قوة الدول ، فى ظل ظروف عصورهم بالطبع ، ويشتمل العامل الجغرافى على عدة عناصر أساسية ذات أهمية واضحة بين كل عناصر (أو موارد) قوة أى دولة ، منها:
1 - الموقع الجغرافى . فهناك دول تحتل مواقع استراتيجية متميزة على خريطة العالم مثل مصر ، بينما تقع دول أخرى فى مناطق متطرفة معزولة كأيسلندا ، أو حبيسة كتشاد . وتبعا للمقولات السائدة فإن مواقع الدول (مثل مواقع العقارات أو الشقق) تمثل عنصر قوة أساسى فى تقييم وزنها (ثمنها) ، خاصة إذا كانت تسيطر على ممرات مائية دولية رئيسية كقناة السويس ، أو باب المندب ، أو الدردنيل . ويرتبط بذلك أيضا موقع الدولة بالنسبة للبحار والمحيطات ، والذى يحدد طول سواحلها ومنافذها البحرية التى تتيح لها انفتاحا على العالم وثروات بحرية إضافية ، وكذلك موقعها الفلكى على خطوط الطول والعرض ، الذى يؤثر على مناخ الدولة الذى سادت بشأنه نظرية مثيرة فى الماضى تربط بين المناخ الحار والتخلف، وبين المناخ البارد والتقدم . يضاف الى ذلك شكل وطبيعة حدود الدولة وعدد وخصائص الدول المجاورة لها، وهو عنصر يؤثر بشدة فى سياساتها وأمنها.
2 - المساحة الجغرافية ، فهناك دول مترامية المساحة كروسيا الإتحادية والبرازيل ، ودول صغيرة المساحة كالبحرين وبلجيكا. وتفترض التحليلات التقليدية أن اتساع المساحة يعنى قدرة الدولة على استيعاب أعداد أكبر من السكان ، مع تزايد احتمالات وجود الثروات الطبيعية، وتمتع الدولة بعمق استراتيجى طبيعى ، بما يدعم قوتها ، لكن ذلك ليس حتميا فى كل الأحوال ، فوقوع كندا فى مناطق باردة يقلص من أهمية مساحتها ، وقد تتمتع دول صغيرة بموارد كبيرة كالكويت . كما أن شكل الدولة من حيث التضاريس الطبيعية (جبلية ، سهلية) ، أو الحدود الخارجية ، أو كونها جزراً أو أقاليم قارية ، يؤثر بشدة على أهمية المساحة ، ويطرح تداعيات معقدة بالنسب لقوة الدولة .
3 - الموارد الاقتصادية . فإقليم (أرض) الدولة يشمل ما تحت الأرض من موارد إقتصادية طبيعية ، كمصادر الطاقة (البترول ، الفحم ، الغاز ، المواد النووية) ، أو ثروات معدنية (كالحديد ، والقصدير ، والذهب) ، إضافة إلى ما يوجد على سطح الأرض من تربة (ومصادر مياه) تتيح إنتاج الموارد الغذائية (كالقمح) أو الموارد الزراعية (كالقطن). ويشمل إقليم الدولة كذلك ما حول الأرض من مياه إقليمية فى البحار والمحيطات ، وإمتداداتها تحت البحر (الجروف القارية) . وتتمثل أهمية الموارد الإقتصادية فيما تتيحه للدولة من قدرات مالية تمثل عنصر قوة مزدوج (مورد + قدرة) ، كما أنها تمثل الأساس المادى للنمو الإقتصادى، والتبادل التجارى فى إطار الإقتصاد الدولى . وتتفاوت الدول بشدة من حيث امتلاك أو عدم إمتلاك مثل هذه الثروات ، وتأثيراتها على قوتها فى حالة وجودها أو عدم وجودها .

ثانيا : الشعب:
ويعبر عنه عادة بالعامل الديموجرافى (أو البشرى) ، أو السكان ، الذى يمثل وزنا جوهريا بين أسس قوة الدولة ، إذ أنه يتيح لها قوة العمل اللازمة لإدارة شئونها ، وتطوير اقتصادها ، كما يتيح لها القوة البشرية اللازمة لإمداد القوات المسلحة باحتياجاتها من الأفراد، وقد يمارس نمط القيم والثقافة السائدة فيه، وإرادته القومية، أدوارا مباشرة كأدوات قوة تؤثر فى الشعوب الأخرى. لكن ذلك كله يتم فى ظل تباينات شديدة فى تقييم العلاقة بين العامل البشرى وقوة الدولة، بفعل المتغيرات الوسيطة لتلك العلاقة. ويشتمل هذا العامل ، على عناصر فرعية عديدة، أهمها :
1 - عدد السكان ، وهو العامل الأكثر بروزاً ضمن عناصر القوة البشرية . فهناك دول يزيد تعدادها عن مليار نسمة كالصين والهند ، ودول تعانى من نقص حاد فى عدد السكان ، كدولة الإمارات العربية المتحدة ، مع تفاوت نسب نمو هذا العدد من دولة لأخرى ، بين حالات ينمو سكانها بأسرع من قدرتها على الإستيعاب، وأخرى تتوازى فيها أعداد المواليد مع معدلات الوفيات، وفى بعض الحالات المثيرة يتجه عدد السكان الى النقصان . وتتضح معالم هذا المؤشر أكثر بإضافة كثافة السكان إليه ، أى نسبة عدد السكان الى مساحة الدولة القابلة للحياه فيها، وتكمن أهمية ذلك فى أنه يوضح حجم الضغط على الموارد ، وشكل (نمط) الحياة فى الدولة ، وتشكل دول مثل بنجلاديش والهند والسويد والدانمارك حالات صارخة لتفاوتات الكثافة، وإشكالياتها المختلفة . وتبعا للمقولات التقليدية ـ التى تقلصت أهميتها فى العصر الحديث ـ فإنه كلما زاد حجم السكان (وقلت كثافتهم) كلما كان ذلك يدعم قوة الدولة عموما .
2 - توزيع السكان ، وهو عنصر رئيسى تتحدد بناء عليه (بمفهومه الواسع) القيمة الحقيقية لعدد السكان كمورد قوة أساسى للدولة . ويتضمن عددا لا حصر له من المؤشرات منها التوزيع العمرى للسكان ، الذى يبين قوة العمل والوعاء التجنيدى فى الدولة ، ومعدلات الإعالة الإقتصادية فى المجتمع ، ويشير إلى بعض المشكلات السياسية المحتملة . ومؤشر التوزيع الجغرافى للسكان على أقاليم ، أو مدن وأرياف ، الدولة ، الذى يبين مستويات التحضر، وأوضاع المدن، وتحركات السكان . ومؤشر التنوع العرقى ـ الدينى لسكان الدولة، فوجود مشكلات عرقية، أو حساسيات دينية يؤثر بشدة على التجانس الإجتماعى ، وقد يعرض الدول لمشكلات حادة ، كما هو قائم فى العراق ، أو الجزائر ، أو السودان ، أو رواندا وبوروندى ، أو منطقة البلقان، أو إندونيسيا ، أوبريطانيا وكندا ، يضاف إلى ذلك التوزيعات الأخرى المتصلة بمؤشرات التنمية البشرية المختلفة ، من تعليم وصحة وخدمات ، فهى التى توضح حالة السكان فى الدولة .
إن الربط بين عدد السكان وقوة الدولة ، ربط مجرد، كما هو واضح لا يفيد الكثير ، والتأثير المحتمل للعامل السكانى كمورد قوة فعال ، يرتبط باعتبارات معقدة (أهمها مستوى التنمية البشرية) إلى درجة يصعب معها إصدار أحكام محددة ، بعيدا عن ظروف كل دولة ، أو مجموعة من الدول المتشابهة ، على حدة .

ثالثا : الحكومة:
ويرتبط هذا العامل بالإطار السياسى المؤسسى الذى تتفاعل فيه أسس (موارد) القوة الأخرى للدولة ، على نحو يمكن أن يفرز أو لا يفرز قدرات (أدوات) قوة مؤثرة، إذ أنه هو الذى يخلق النظام System الذى يمكن فى إطاره تحويل الموارد إلى قدرات، أو إهدار الموارد المادية والبشرية وتبديدها . فدولة مثل روسيا الإتحادية تمتلك أسس قوة هائلة (مساحة ، سكان ، موارد ، خبرات ، ثقافة) تمكنها من أن تكون قوة عظمى متكاملة ، إلا أن سلبيات النظام السياسى قد أدت إلى تحولها لدولة تعانى من مشكلات واختلالات مزمنة، إضافة إلى ما يمثله جهاز الدولة ذاته (بمؤسساته الدبلوماسية ، والثقافية ، والأمنية) من أدوات قوة تمارس تأثيراتها مباشرة على الساحات الإقليمية والدولية ، لتحقيق مصالح الدولة .
وقد قدمت دراسات تحليل القوة مؤشرات مختلفة بشأن العناصر المرتبطة بقدرة النظام السياسى ، سواء أكان يتم النظر إليها ، كمتغيرات وسيطة تحكم عملية تحويل الموارد إلى أشكال وأنماط جديدة لعناصر قوة الدولة ، أو كعناصر قدرة مستقلة تضاف (كأدوات) إلى إمكانيات الدولة . لكن يمكن الاقتصار على رصد ما يلى :
أ - استقرار النظم السياسية ، فهناك نظم سياسية غير مستقرة، بمستويات أدت إلي انهيار هيكل السلطة المركزية ، وتفكك الدولة فى بعض الأحيان ( يوغوسلافيا ، الصومال) ، أو تفجر العنف المسلح داخل الدولة لفترة طويلة (أفغانستان) ، ونظم سياسية تمتلك مؤسسات مستقرة تكفل إدارة العملية السياسية داخل الدولة دون مشكلات قائمة أو محتملة ، وتتيح إتخاذ القرارات القومية على أسس تتسم بالعقلانية وفق قواعد محددة ، كمعظم النظم السياسية فى أوروبا الغربية .
ب - أداء النظم السياسية . ويرتبط هذا العنصر بكفاءة النظام السياسى فى إدارة شئون الدولة ، وامتلاكه الكوادر التنظيمية والمهارة الفنية اللازمة لتعبئة واستخدام الموارد الأساسية لصالح المجتمع ، بدءا بجمع الضرائب ، مرورا بتطوير الاقتصاد وتحديث القوات المسلحة ، وصولا الى إدارة السياسة الخارجية ، فهناك دول تفتقر إلى الموارد كاليابان تمكنت من تعويض النقص عبر تطوير المهارات التنظيمية والفنية ، والحالات العكسية تشمل معظم دول جنوب العالم .
وتركز تحليلات عديدة على عنصر تعتبره شديد الأهمية ، هو التأييد الشعبى للنظام الذى يمثل سبب ونتيجة (مع اختلاف النسب) فى علاقته بالاستقرار والأداء السياسيين، ويمثل كذلك مورد قوة فى الوقت نفسه ، فالنظم السياسية بدون غطاء شعبى تصبح فى مهب الريح .
وهكذا، فإن موارد القوة تمثل عنصرا رئيسيا للقوة القومية ، لكن مشكلتها هى أن تأثيراتها لا تسير فى اتجاه واحد ، كما أن تحولها إلى أدوات قوة يتوقف على عوامل مختلفة ، وبالتالى فإنها تمثل فى الغالب قاعدة لقوة الدولة ، حيث يتم النظر إليها كأساس يمكن استنادا عليه تحويل القوة الكامنة ـ بدرجة أكبر أو أقل ـ إلي قوة فعلية ، إضافة إلى ما تقدمه أحيانا من تفسيرات جزئية لعملية التأثير فى حالات عديدة .
المصدر مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية

Les implications de l’utilisation de la force sur la réalité internationale

Le recours fréquent à la force militaire, le niveau des relations entre les nations est une réflexion claire sur la scène internationale afin de ne pas quitter la scène de conflit et de guerre et la violence croissante à cause des interventions militaires répétées et les causes de cette guerre limitée sur une variété de raisons, si économique, politique et aussi une volonté des principales causes pour étendre les sphères d’influence et de possession de la puissance économique, militaire, et dans l’intérêt des grandes puissances qu’il estime avoir le droit d’arranger la situation internationale pour servir leurs intérêts et atteindre ses objectifs dans la commande et de contrôle afin d’étendre leur influence sur les personnes vulnérables, et la plupart régissant les pouvoirs de cette époque, on trouve les États-Unis d’Amérique est un état qui a réussi à violer le droit international et ne principe de l’interdiction de recourir à la force militaire et donc en mesure vers les États-Unis qui sont fabriqués selon les mêmes politiques publiques fondées sur un ensemble d’objectifs, y compris le contrôle du pays ou de la plupart des Arabes des pays, de veiller à ce que leurs intérêts et à l’acquisition de pétrole et de contrôle de l’huile Mnaava et de la production et les revenus de même que le contrôle du reste du monde et faire de l’Amérique dans une position de mettre fin à une attaque et menace les États-Unis voulaient faire une scène internationale en rapport avec sa commercialisation alors les projets qui s’appuient sur la puissance et la guerre et la destruction, sous prétexte de réforme et de changement, tout cela est par la force militaire et économique et politique, donc ce Alandfaip et de la violation continue par les États-Unis pour les dispositions du droit international et en refusant de se conformer aux engagements de l’Organisation des Nations Unis vont produire une série de conflits et de guerres qui auront un impact majeur sur la réalité humaine et culturelle du pouvoir de l’homme est utilisée aujourd’hui est la plus meurtrière et destructrice, de sorte que a été détruit Les États et hors du contexte de l’histoire et les ruines de l’Afghanistan, par la destruction de l’Irak n’est pas loin de nous et ensuite tenter de saboter le Liban comme les armes qui ont été utilisées dans cette guerre fait des pays une primitive et sous-développés, de sorte que l’Amérique et ses alliés ont réussi à briser la situation du monde arabe et à créer une série de conflits croissants en suspens et beaucoup de sectaires et racistes Comme dans le Liban, l’Irak et le phénomène croissant de conflits religieux dans certains pays et la création des crises économiques dans le monde arabe et ensuite publier la culture occidentale à masquer l’identité arabe, tout cela est fait en créant des conflits, des guerres et comptent sur la logique de la force militaire, qui est la phase initiale de destruction et de sabotage et d’entraver tous les plans progrès et de développement dans les communautés arabes. Ces raisons et d’autres qui ont contribué à l’émergence des conflits et des guerres n’est pas équilibré dans le monde arabe manque l’élément de l’équilibre militaire et stratégique. Alors que ces pays ne pouvaient pas répondre à la puissance militaire de l’Amérique et ses alliés, il était difficile pour eux de faire face à l’agression qui se reflétera sur les réalités de la vie internationale et jeté les bases du domaine de la violence et les troubles ont continué, ce qui donnera naissance à la plupart des difficultés pour les solutions pacifiques pour réduire ces conflits et de guerres futures qui mai entraîner une déstabilisation de la sécurité mondiale à la lumière de l’utilisation fréquente de la force militaire et la menace d’utilisation, ce qui créerait des conséquences indésirables seront reflétés soulevées par la communauté internationale, qui sera sans sécurité et la stabilité qui a été perdu à cause de manque de respect pour le principe d’interdire l’usage de la force dans les relations internationales ,

L’utilisation de la force dans les relations internationales

La force est l’un des moyens et des outils utilisés par l’Etat pour atteindre ses objectifs, fondés sur une conception globale du pouvoir à un éventail de facteurs, y compris des facteurs économiques, l’impact politique, militaire et humain à l’autre et travaillent à la réalisation de la politique d’État dans les relations internationales et la communauté des États et il ya un certain nombre de manifestations de la politique régissant l’utilisation de la force dans les relations internationales Les plus importantes sont: l’intervention directe comme la guerre et l’utilisation de la force militaire directement et indirectement par l’intermédiaire de complot et de la guérilla et des alliances, collectifs et des alliances politiques et militaires Kalaf Atlantique et des alliances politiques et économiques tels que l’Union européenne.
Il ya ensuite la Charte des mesures indirectes telles que les sanctions économiques, politiques ou soi-disant guerre de manière non déclarée.
Une des qualités les plus élémentaires caractéristiques du phénomène de l’usage de la force dans les relations internationales est d’utiliser la force collective de toute organisation collective du phénomène de l’usage de la force, qui se fait jour après la Seconde Guerre mondiale et surtout pendant la guerre froide qui a conduit à la formation de divers organismes communautaires pour organiser le phénomène de la force et la régulation de ce phénomène a Elle a montré la diversité des organisations militaires et de développement politique et économique.
Également qu’une telle force, il est devenu un rôle important dans la politique internationale est devenue tellement démontrer clairement l’interaction entre les États et, partant, sont devenus des sujets de la force dans les relations internationales entre les questions litigieuses concernant les activités et les exigences du droit international et parfois sur le fait que l’existence de l’objectif derrière cela est Essayez de vous lever et réglementer l’utilisation de la force militaire et le recours à elle et en ajustant l’utilisation telle, cependant, il ya toujours un manque de textes et de conventions et déclarations qui se passe autour de certaines questions liées à l’utilisation de la force, entraînant une série de différences et les divisions dans ce domaine et a probablement contribué de manière significative à l’utilisation de la force dans de nombreux cas et de manière arbitraire et injustifiée, et que les interprétations de l’utilisation de la force dont ils ont besoin pour étudier avec leur compatibilité avec le droit international afin d’en apprendre l’utilisation de la force dans les relations internationales et connaître les limites d’une telle utilisation sous toutes ses formes et les contradictions de telle sorte que nous pouvons accéder au fait que les relations internationales est la relation ou les relations entre les ennemis de Aigmha Toutefois, la logique de la force et que la paix n’est pas le sens moral du monde des relations internationales, que le recours à la force militaire sans l’autre fera un monde d’un seul empire et les concepts et théories dans les quantités et recommande que la force parce qu’elle est nécessaire pour la réalisation du droit et de supprimer les obstacles et toutes les guerres de domination et de guerres d’expansion et les guerres injustes sont coloniale, les guerres d’agression et illégale et injuste que la guerre et de confrontation au cœur des relations internationales, il est nécessaire à la possession et l’utilisation de la force pour repousser une agression.
Ainsi, elle mai ne sont pas parties à la communauté internationale devrait utiliser le Sultan et l’utilisation illégale de la force militaire dans les relations internationales, qui place la paix et la sécurité internationales en danger réel, d’autant plus que là-bas qui est au-dessus de la loi et à l’humain et violent les droits de l’homme et agir sur cette base, afin d’imposer l’hégémonie et de contrôle politique internationale, sans rival

انعدام التوازن بين الدول

شنكاو هشام باحت في العلاقات الدولية,

تختلف الدول عن بعضها البعض من حيث عناصر القوة التي تملكها وإذا كان من الصعب إجراء تقييم دقيق للعناصر المادية التي تساهم في تكوين قوة الدولة بالمقارنة مع دولة أو دولة أخرى، فإنه يمكن التأكيد على أن قوة الدولة لا ترتكز على عامل واحد فقط، فالاتساع الجغرافي مثلا لا يمكن الادعاء بأنه يشكل العنصر الحاسم في قوة الدولة وإن كان عدد السكان أو التطور الاقتصادي والتكنولوجي أو غير ذلك من عوامل القوة لا يمكن اعتبار أي منها الأساسي الوحيد لقوة الدولة.

فالواقع أن قوة الدولة لا تنبني على عامل واحد فقط وإنما ترتكز على عوامل متنوعة منها ما هو طبيعي ومنها ما هو مكتسب.[9]

وهناك أيضا ما يسمى بالعناصر المكتسبة والتي تشكل عناصر القوة للدولة والتي تزيد وتنقص تبعا لمستوى التقدم الاقتصادي والتكنولوجي ودرجة الاستعداد العسكري وكفاءة القيادة السياسية والروح المعنوية، فهذه العناصر تساهم في تكوين قوة الدولة بشكل مباشر ومؤثر.

1- مستوى التقدم الاقتصادي والتكنولوجي :

ويمكن التمييز بين ثلاث عناصر أساسية تبرز دول العالم الاقتصادي كعامل من عوامل القوة في المجال الدولي، وهذه العناصر هي التقدم الصناعي ومدى التطور التكنولوجي والمصالح الاقتصادية، وامتلاك الدولة للموارد الطبيعية لا يعتبر في حد ذاته مصدرا من مصادر القوة إذا لم تكن تملك إلى جانب ذلك الوسائل الكافية لاستعمال هذه الموارد في الأهداف العسكرية والصناعية ولذلك فإن التقدم الصناعي الذي تعكسه الطاقة الإنتاجية والآلات الحديثة وخبرة العمال ومهارة المهندسين والعبقرية الابتكارية، وحسن الإدارة هو من العوامل الهامة التي تؤدى بدون شك إلى التأثير في الشؤون الدولية، ومن الملاحظ أي التغيير في درجة التقدم الصناعي كان مصحوبا في العادة يتبدل ميزان القوة، فقد ظلت بريطانيا أقوى دولة في العالم طيلة المدة التي لم يوجد فيها من ينافسها كدولة صناعية كما أن تدهور مركز فرنسا كدولة عظمى بالنسبة إلى ألمانيا تزامن مع تأخر فرنسا وتفوق ألمانيا صناعيا بحيث أصبحت هذه الأخيرة الدولة الصناعية الأولى في القارة الأوروبية في فترة ما بين الحربين العالميتين، وعندما يقال اليوم بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي أقوى دولة في العالم فإن المقصود بذلك هي الدولة الصناعية الأمريكية، وليس هناك أدنى شك أن تفوق الولايات المتحدة واحتكارها للأسلحة النووية في السنوات الأولى بعد الحرب العالمية الثانية كان ثمرة لتفوقها الصناعي، وإن كان الاتحاد السوفياتي استطاع أن يبرزها في بعض الميادين كميدان الفضاء، ويحقق توازنا إستراتيجيا منذ نهاية الخمسينات فإن كفة التقدم الصناعي مازالت إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية مقارنة مع روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي ويمكن القول بأن التقدم الصناعي تختلف درجته من دولة إلى أخرى، ولكن التقدم الصناعي والتحسن الكبير لوسائل الإنتاج الذي حصل في أوروبا والولايات المتحدة وكندا واليابان، أدى إلى قيام تفاوت بين الدول وانقسام العالم إلى دول صناعية متقدمة تحظى بالرفاهية دول تعاني من التخلف الاقتصادي، ولذلك فإن الأمل معقود على تصنيع دول العالم الثالث المتخلفة للقضاء على هذا التخلف الناتج عن تخصص المركز المتقدم في الإنتاج الصناعي والإنتاج الصناعي الأكثر تطورا، وتخصص الأطراف أو المحيط في الإنتاج الأولي والإنتاج الصناعي الهامشي.[10]

ومؤدى ذلك أن جوهر التقدم الصناعي يتمثل في إقامة الصناعات التحويلية لا الصناعات الاستفراضية وحدها والمقصود بالصناعات التحويلية الصناعة التي تنصب على تحويل المواد الخام والمواد الأولية إلى سلع مصنعة ونصف مصنعة بينما تنصب الصناعات الاستخراجية على استخراج المواد الخام ومعنى ذلك أن التقدم الصناعي يعني قيام قطاع تحويلي هام متقدم تقنيا بحيث يصبح هو القطاع القائد في الهيكل الاقتصادي المحلي، ويصير الاقتصاد الوطني كله بالنتيجة اقتصادا صناعيا وهذا ما ينطبق على أوربا والولايات المتحدة واليابان والاتحاد الروسي، والواقع أن هناك علاقة بين التقدم الصناعي والتكنولوجي، فالدول المتقدمة صناعيا هي في ذات الوقت دول متقدمة تكنولوجيا وعلى العكس من ذلك فالدول المتخلفة صناعيا هي دول متخلفة تكنولوجيا.

التقدم الصناعي والتكنولوجي يتجلى في مستوى النمو الذي وصلت إليه الدولة من حيث الصناعة والكفاية الاقتصادية والتنظيم، فمهما توافرت الموارد الطبيعية والمادية فإن هذه الموارد تظل من قبل الإمكانيات المعطلة أو المهدورة إذ لم يتم استغلالها بكفاءة من الناحيتين الاقتصادية والتكنولوجية ويمكن من واقع المقارنات بين الدول الصناعية والدول التي لازالت تحارب التخلف الاقتصادي والاجتماعي، تلمس الفارق في مستوى القوة الاقتصادية التي تتمتع بها كل من هاتين الفئتين من الدول، فحينما يرتفع حجم الدخل القومي ومتوسط الدخل الفردي، وتتسع قاعدة الإنتاج وتزداد معدلات الاستهلاك عند الفئة الأولى، فإنه يلاحظ بالنسبة للفئة الثانية هبوط الدخل القومي وانخفاض مستوى المعيشة وتزايد الاعتماد الاقتصادي على الخارج وليس من قبيل الصدفة أن نجد أقوى دول العالم اليوم هي أقواها اقتصاديا وأرقاها في مستويات التطور الإنتاجي والتكنولوجي.[11]

وفي تاريخ العلاقات الدولية أمثلة عديدة للمنازعات والصراعات التي حدثت بسبب المصالح الاقتصادية، ويدخل في هذا الإطار الصراع الذي أعقب الثورة الصناعية في أوروبا خلال القرن التاسع عشر من أجل التحكم في المواد الأولية والسيطرة على منافذ التجارة الدولية، أو الحصول على الأسواق اللازمة لتصدير المنتوجات المختلفة لقد أدت الحاجة إلى الأسواق الجديدة بسبب الإنتاج المتعاظم للمصانع الكبيرة إلى تزايد التنافس الاستعماري ونتيجة لذلك اشتد الصراع من أجل السيطرة على إفريقيا وآسيا وأوربا فإنها إلى جانب ذلك تتميز بوجود مخزونات ضخمة من البترول.[12]

كما أنها من الأسواق الكبرى لاستهلاك سلع ومنتجات الدول الصناعية وخاصة الأسلحة، فقد تضاعفت قيمة الأسلحة المستوردة من قبل الدول العربية في الشرق الأوسط من سنة 1973 إلى سنة 1976، كما أن ثلاث دول بترولية هي السعودية والعراق وإيران استوردت سنة 1979 ما يعادل 64% من واردات السلاح. وكل ذلك يعني أن المصالح الاقتصادية جعلت الدول الكبرى تتنافس من أجل الحصول على امتيازات ومكاسب في هذه المنطقة، وقد كان ذلك هو السبب الذي دفع ببريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا إلى أتباع ما سمي بدبلوماسية البترول في الشرق العربي، أي إقامة مناطق النفوذ التي تمكنها من الوصول وحدها إلى مخزونات البترول في هذه المنطقة والملاحظ أن هناك ارتباطا تاريخيا بين المصالح الاقتصادية للدولة ومصالح الرعايا التابعين لها.[13]

هذا الارتباط كان نتيجة منطقية للأخذ بمفهوم الدولة الليبرالية التي لم يكن لها مصالح مباشرة في الخارج غير مصالح رعاياها، وبواسطتهم وكانت وظائفها تقتصر على الدفاع الوطني والأمن الداخلي والقضاء والتمثيل الدبلوماسي مع ترك النشاطات الأخرى للمبادرة الفردية وعدم التدخل في العلاقات بين الأفراد والاكتفاء بدور الحكم.

لذلك كان من الطبيعي أن يقوم الاتفاق والتلاقي بين مصالح الخواص والمصالح الحيوية للدول، فالقوة الاقتصادية للدول في الخارج تدعم نفوذها السياسي وعلى أساس هذه الوحدة بين مصالح الدولة ومصالح الخواص التابعين لها، سيطرت الدول الأوروبية والولايات المتحدة على النشاط الاقتصادي في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية خلال القرن الماضي واتبعت حكومات هذه الدول أسلوبين لتدعيم قوتها الاقتصادية في الخارج وهما أسلوب التغلغل الاقتصادي وأسلوب الضغط العسكري، في الوقت الحاضر يمكن القول بأن المصالح الاقتصادية للدول الغربية لها ثلاث مجالات رئيسية في الاستثمارات والتجارة والمواد الأولية، فما من شك في أن ضخامة الاستثمارات العربية في دول العالم الثالث تجعل مصلحة الدول الغربية في المحافظة على هذه الاستثمارات وضمان مردوديتها.

ومن حيث التجارة فمن مصلحة هذه الدول المحافظة على الأسواق وعلى طرق الوصول إليها وربما أنها تزود بنسب متزايدة من المواد الدولية، فمن المهم اقتصاديا إستراتيجيا لها أن تستمر هذه المواد في تغذية الأسواق الغربية مع حد أدنى من التقلبات سواء في الأسعار أو الكميات.

لكنه لا يمكن إغفال عامل مهم يؤثر على المصالح الاقتصادية للدول العربية في العالم الثالث وهو أثر الصراعات الداخلية المسلحة، على هذه المصالح فعند تصعيد العنف المسلح تصبح التكاليف الاقتصادية أكثر ارتفاعا وتصبح الاستثمارات والأموال الغربية مهددة مباشرة، فالاقتصاد الذي تضر به الحرب يصبح غير مربح كما في الماضي وعبء الحرب يثقل اقتصاد الدولة ويكون له أثر سيء وضار على الصادرات الغربية لاسيما إذا لم تستطع الدول الغربية بين الأسلحة للدولة التي يوجد فيها ذلك الصراع العنيف لكن الآثار تكون أخطر وأسوأ فيما يتعلق بإمدادات المواد الأولوية إذا كانت هذه الإمدادات غير منتظمة وغير متحكم فيها فإن ذلك سيحدث أثار اقتصادية وسياسية ضارة بالنسبة للغرب ومنها ارتفاع الأسعار وهذا ما يفسر قيام معظم الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة بإرسال أساطيلها الحربية إلى منطقة الخليج سنة 1987 نتيجة لتصعيد حرب الناقلات من جهة وزرع الأنغام في مياه الخليج من جهة أخرى ومشاركتها في حرب الخليج ضد العراق في يناير 1991.

أما بالنسبة للمصالح الاقتصادية لدول العالم الثالث فيمكن القول بأن هذه الدول رغبة منها في الحصول على منافع أكبر تلجأ إلى إتباع سياسات مشتركة في مجال إنتاج وتسويق المواد الأولية وذلك عن طريق التكتلات الاقتصادية مثل منظمة الدول المصدرة للبترول أوبك التي تسمح لها بالدفاع عن مصالحها المشتركة وتنسيق مواقفها ويمكن اعتبار الأوبك من أهم التكتلات الاقتصادية للدول النامية وأكثرها دفاعا عن مصالح هذه الدول منذ منتصب السبعينات كما أنها من أكثر القنوات تأثيرا ونفوذا لدى الدول الصناعية.

والواقع أن المصالح الاقتصادية للدول كثيرا ما تنعكس على مواقفها السياسية وتعاملها الدولي وتدفعها بالتالي إلى تمتين روابط التعاون الاقتصادي المشترك فيما بينها ويتجلى ذلك بصورة أوضح في التعاون الاقتصادي المشترك بين الدول الأوروبية، فالرغبة هي عقوبة التعاون بين الدول الأوروبية التي تربطها مصالح متبادلة هي التي شجعتها على إقامة تكتلات اقتصادية بين دول أوروبا الشرقية سابقا والسوق المشتركة بين دول أوروبا الغربية، وإلى جانب عامل الاقتصادي توجد عوامل أخرى مكتسبة من أهمها درجة الاستعداد العسكري والتي تفرق بين قوة الدول إلى جانب الروح المعنوية.

2- جاهزية الاستعداد العسكري :

يمثل الاستعداد العسكري المظهر الرئيسي للقوة في المجال الدولي فمن البديهي أن تكون أقوى الدول هي أقواها من الناحية العسكرية وهذا ما يجعل الولايات المتحدة وروسيا القوتين الرئيسيتين في العالم بحيث أن التوازن الإستراتيجي يقتصر عليهما ولا يمكن للدول الأخرى ولو كانت مجتمعة أو تعادل من حيث القوة العسكرية ما تمتلكه إحداهما من هذه القوة وهذا ما يؤكد أن الاستعداد العسكري يضفي الأهمية الفعلية على عوامل القوة الأخرى وبالتالي يكون أساسيا وضروريا لدعم وتنفيذ الدولة لسياستها الخارجية، وتتجلى درجة الاستعداد العسكري في تقنية الحرب والقيادة ونوعية وضم القوات المسلحة فالتفاوت في تقنية الحرب جعل الدول الاستعمارية في أوروبا تفوق على البلاد الأخرى في إفريقيا وأسيا وتسيطر على العالم الجديد في النصف الغربي من الكرة الأرضية ذلك أن إدخال سلاح الإشارة والمدفعية على أسلحة الحرب التقليدية في القرنين الرابع عشر والخامس عشر أدى إلى تحول ضخم في توزيع القوة لفائدة الدول الأوروبية التي تمتلك هذه الأسلحة الجديدة قبل غيرها.

وقد شهد القرن العشرون ابتكارات جديدة في تقنية الحرب، وأعطت ميزة مؤقتة للجانب الذي استخدمها قبل خصمه أو قبل أن يتمكن هذا الخصم من وقاية نفسها منها. وكانت الغواصة هي الابتكار الأول في الحرب العالمية الأولى إذ استخدمتها ألمانيا ضد السفن البريطانية، وظهرت في وقت ما كافية لتقرير نتيجة الحرب لصالح ألمانيا إلى أن وجدت بريطانيا في نظام القوافل، الرد على هذا التهديد الشديد الخطورة وكانت الدبابة السلاح المبتكر الثاني إذ استخدمتها بريطانيا بأعداد كبيرة ومركزة ضد ألمانيا التي لم تعرفها إلا في المرحلة النهائية في الحرب العالمية الأولى، ولاشك أن الدبابة كانت عامل من عوامل انتصار الحلفاء في هذه الحرب وكان الابتكار الثالث هو التنسيق والتعاون بين القوات الجوية والبرية والبحرية مما أسهم إلى حد كبير فيما حققته ألمانيا واليابان من تفوق في المرحلة الأولى من الحرب العالمية الثانية، وقد أخذت الهزائم الذريعة التي ألحقها اليابانيون بالأمريكان والبريطانيين والهولنديين برا وبحرا في 1941 و1942 أهمية تفوق اليابان في تقنية الحرب وأساليبها.[14]

وإلى جانب ذلك ظهر في الحرب العالمية الثانية، إبتكار جديد في تقنية الحرب أثر في مجرى الحرب وهو استخدام المطارات العائمة المنتقلة المتمثلة في حاملات الطائرات من قبل الولايات المتحدة واليابان.

ولكن أهم ابتكارات تقنية الحرب تتمثل في إنتاج واستخدام السلاح النووي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ضد اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية. بل إن احتكارات الولايات المتحدة للسلاح النووي ببضعة أعوام بعد الحرب العالمية الثانية منحها ميزة تقنية ضخمة في مجال القوة العسكرية ولم يتبدل هذا الوضع إلا في نهاية الخمسينات حينما بدا واضحا أن الاتحاد السوفياتي حقق توازنا إستراتيجيا في الأسلحة النووية مع الولايات المتحدة وأصبح في إمكانه إصابة الأهداف الأمريكية بواسطة الصواريخ العابرة للقارات.

والواقع أن ظهور تقنية الحرب النووية كان بداية لجيل جديد من الابتكارات العسكرية التي لم تعد تقتصر على الحرب في الأرض وفي أعماق البحار والمحيطات وإنما أصبحت تتعدى ذلك إلى الفضاء الخارجي بسبب اختراع الأسلحة الفضائية والإشعاعية التي قد لا يستدعي استخدامها سوى بعض ثوان ومؤدى ذلك كله أن الدول المتقدمة تكنولوجيا من الناحية العسكرية تستطيع أن تحرز ميزات حاسمة على أعدائها الذين لم يحرزوا مثل هذا التقدم التكنولوجي رغم قدرتهم على حشد قوات ضخمة غير مدعمة بأساليب الحرب الحديثة، وهذا ما تجلى واضحا في حرب المالوين بين بريطانيا والأرجنتين عام 1982 وحرب الخليج عام 1991 وحرب كوسوفو عام 1999.

وإلى جانب التقنيات الجديدة في مجال الحرب تلعب القيادة العسكرية دائما دورا حاسما في مجال القوة العسكرية فقوة بروسيا في القرن الثامن عشر كانت إلى حد كبير تشكل انعكاسا للعبقرية العسكرية التي امتاز بها فريدريك الأكبر ولكن فن الحرب تبدل تبدلا كبيرا بعد موت فريدريك الأكبر عام 1786 عندما استطاع نابليون في معركة فيينا عام 1806 تحطيم الجيش البروسي الذي كان من ناحية مستواه العسكري وقوته معادلا تماما لما كان عليه قبل عشرين عاما ذلك أن قادة الجيش البروس أصبحوا يفتقرون إلى العبقرية العسكرية التي امتازوا بها في معارك فريدريك الأكبر في أوربا بأسرها، إذ انتقلت هذه العبقرية إلى الجانب الآخر ممثلة في نابليون الذي طبق أفكاره الجديدة في فن القيادة التي قررت دون شك مصير المعركة لفائدة فرنسا.[15]

وقد أصبحت نفسية خط ماجينوا التي سيطرت على القيادة العليا الفرنسية في فترة ما بين الحربين العالميتين مثالا للتفكير العسكري الخاطئ، ففي الوقت الذي مالت فيه اتجاهات التقنية الحديثة نحو حرب الحركة السريعة واستعمال الآليات في النقل والمواصلات ظلت القيادة العامة الفرنسية تفكر في إطار حرب الخنادق التي سادت الحرب العالمية الأولى، أما القيادة العامة الألمانية فقد أدركت من ناحية أخرى المزايا العسكرية للحرب الآلية لذلك وضعت خططها على أساس حركية لم يسبق لها مثال وقد أدى التصادم بين هذين المفهومين وليس في معركة فرنسا وحدها ولكن في معارك بولونيا والاتحاد السوفياتي أيضا إلى أن حققت حرب الصاعقة الألمانية تفوقها، كاد يصل بها إلى حد النصر النهائي لولا أن الدول المغلوبة على أمرها وجدت سندها في التقنية المتفوقة للولايات المتحدة وفي القوة البشرية الهائلة للاتحاد السوفياتي من أجل إحباط إبتكارات هتلر وإلحاق الهزيمة بجيوشه.[16]

ولكن عناصر القوة في المجال العسكري لا تقتصر على الأخذ بتقنيات الحرب الحديثة وكفاءة وعبقرية القيادة العسكرية وإنما تشمل أيضا نوعية وكم القوات المسلحة، فقد يتيسر للدول الحصول على تقنيات الحرب الحديثة وقد يتفوق قادتها العسكريين في مجال فنون الحرب ولكنها مع ذلك تظل ضعيفة من الناحية العسكرية. وبالتالي من الناحية السياسية إذ لم يتوافر لها الجهاز العسكري اللازم لأداء المهام الموكولة إليه سواء من حيث الكم أو حيث الكف.

ولاشك في أن متطلبات القوة العسكرية الكافية كما وكيفا تختلف من دولة إلى أخرى لعدم وجود تجانس بين الدول من الناحية المادية فهل يتحتم على الدولة أن تحتفظ بقوات عسكرية كثيرة العدد أو من الناحية المادية، فهل يتحتم على الدولة أن تحتفظ بقوات عسكرية كثيرة العدد أو من الأفضل لها أن يكون لها جيشها مكونا من وحدات صغيرة عالمية التدريب والتجهيز ؟ وهل من المفيد للدولة عسكريا أن تتسلح بالأسلحة الدفاعية أو بالأسلحة الهجومية ؟ وهل يمكن الوصول بالحرب إلى نتيجة حاسمة عن طريق سلاح جديد كالمدفعية في بداية القرن الخامس عشر والغواصة والدبابة في الحرب العالمية الأولى والطائرة بالنسبة لفترة ما بين الحربين العالميتين والأسلحة النووية والفضائية بعد الحرب العالمية الثانية ؟

إن الإجابة الخاطئة على مثل هذه الأسئلة أوصلت كل من بريطانيا وفرنسا إلى حافة الهزيمة في الحرب العالمية الثانية التي تطلبت أساليبها التقنية العسكرية ردودا مغايرة لتلك الأسئلة وما من شك في أن الإجابة على هذه الأسئلة بصورة صحيحة أو خاطئة تؤثر تأثيرا مباشرا على قوة الدولة فحجم القوات المسلحة وحده لا يكفي وإنما يلزم أيضا التركيز على الجوانب الكافية في إعداد القوات وتجهيزها للقيام بمختلف المهام التي ستسند إليها ورفع مستوى قدرتها القتالية.

وإلى جانب ذلك فالاستعداد العسكري يتطلب من الدولة القدرة على حشد طاقاتها وإمكانياتها بأكبر ما يمكن من السرعة لأن الدول التي تفشل في التعبئة الشاملة والسريعة لقواتها في الوقت المناسب تفقد ميزات في مواجهة أعدائها كما أنه يستدعي إلى جانب ذلك إعداد الجبهة الداخلية لخدمة الجهود العسكرية، فحشد إمكانيات وطاقات الدولة للحرب لا يمكن أن ينحصر في الإطار العسكري وحده وإنما يجب أن يمتد إلى الجبهة العسكرية والمدنية في نفس الوقت

الإرهاب الدولي

شنكاو هشام باحت في العلاقات الدولية


- العنف المضاد الإرهاب الدولي
كانت إستراتجية الولايات المتحدة الأمريكية العسكرية تتبنى سياسة الردع والاحتواء مع الاتحاد السوفياتي والدول المعادية الأخرى وتقوم هذه السياسة على نوع من تجنب الحرب والعمل على تسوية المنازعات بالطرق السلمية.

لكن بعد أحداث 11 سبتمبر تحولت هذه الإستراتيجية نحو إعطاء أولوية للحرب على الإرهاب وتبنى سياسة الحرب الوقائية لظهور تهديدات من جانب مجموعة مسلحة والعمل على توسيع دائرة الحرب لتشمل دول أخرى غير أفغانستان مع السعي لتشكيل تحالفات عسكرية متعددة الأطراف والتخلي عن سياسة العزلة.

وفي الوقت نفسه احتفظت السياسة الأمريكية لنفسها بحق استخدام الأسلحة النووية بشكل غير محدود ضد الدول التي تعتبرها الولايات المتحدة دولا مارقة ترعى الإرهاب وتهدد السلم العالمي لامتلاكها أسلحة الدمار الشامل مثل العراق وكوريا وإيران، ولقد أدت هذه التغيرات في مفهوم سياسة الأمن الأمريكية إلى إعادة تحديد مهمة جهاز المخابرات وإمكانية استخدام مصادر المعلومات جديد وفتحت لإسهام القطاع الخاص للمشاركة في هذا المجال عن طريق تطوير التكنولوجية الأمنية مثل أجهزة كشف الأسلحة والمتغيرات، كشف عن الممارسات الفعلية عقب أحداث 11 شتنبر عن استخدام مفرط للقوة العسكرية وتهديد الأمن القومي لعدة دول بحجة مقاومة الإرهاب لأن أمريكا اكتشفت أنها أمام عدو من نوع جديد يتمثل في شركة واسعة من التنظيمات الفرعية التي لا تحكمها هياكل تنظيمية محددة ولا تعمل في إطار خطة عسكرية لا يمكن توقعها. لذلك عمدت أمريكا إلى سياسة الانتشار العسكري لمواجهة الإرهاب.[2]

- الحرب على الإرهاب :

الأهداف المتوخاة من الحرب على الإرهاب حسب التبريرات المعللة هو القضاء النهائي على الإرهاب العالمي، ولكن هذه الأهداف اختلفت بحسب مرحلتين، ففي المرحلة الأولى كانت الأهداف المتوخاة من هذه الحرب مرتبطة بتشخيص العدو في أسامة ابن لادن وأتباعه في تنظيم القاعدة بالإضافة إلى حركة طالبان التي اتهمت بتقديم الملاذ إلى الإرهابيين في أفغانستان، أما في المرحلة الثانية فقد تم توسيع الأهداف المتوخاة من الحرب على الإرهاب لتشمل أطراف جديدة من بينها العديد من الحركات والتنظيمات وحكومات الحول التي أصبحت توصف بأنها دول محور البشر بسبب سعيها لامتلاك أسلحة الدمار الشامل وعلاقتها المحتملة مع الإرهاب، لذلك يتعين التمييز بين مرحلة التشخيص الأولى للأهداف المتوخاة من الحرب على الإرهاب وبين مرحلة توسيع الأهداف المتوخاة من هذه الحرب.

لقد تميز الخطاب الرسمي الأمريكي عقب هجمات 11 سبتمبر بتشخيص العدو في الإرهاب متمثلا بشخص أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة الذي تم وصفه بأنه تنظيم عالمي. ولكن تشخيص العدو سرعان ما شمل حركة الطالبان التي كانت حكومتها تسيطر عليها عمليا على أكثر من تسعين في المائة من أفغانستان ليتم وصفها بأنها حكومة مستبدة تقوم على التطرف ورعاية الإرهاب بتقديم الملاذ الأمني لإرهابي القاعدة الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر 2009 وقد ينفذون هجمات أخرى مماثلة ضد الولايات المتحدة أو حلفائها الأوروبيين.

وفي هذا الاتجاه حرص الخطاب الرسمي الأمريكي على التميز بين الإسلام وبين الإرهاب وذلك باعتبار أن الإرهابيين لا يمتدون الإسلام ويحاولون مصادرة الإسلام على حد تعبير الرئيس الأمريكي جورج بوش، وقد برز هذا التمييز إثر الضجة التي أثارها استخدام الرئيس الأمريكي لمصطلح الحملة الصليبية في وصفه للمعركة القادمة مع الإرهاب من جهة ولتنامي الاعتداءات على العرب والمسلمين القائمين في الولايات المتحدة الأمريكية.

ولطمأنة الرأي العام الإسلامي تم التنويه بعلاقات الصداقة التي تجمع بين الولايات المتحدة والكثير من الدول الإسلامية، وتم التأكيد من كبار المسؤولين الأمريكيين والغربيين على أن الحرب على الإرهاب ليست حربا دينية ضد الإسلام وإنما هي حرب على الإرهاب مع الإبقاء الغموض الواضح بشأن التمييز بين الأصولية الإسلامية وبين الإرهاب.

لكن توسيع صفة العدو لتشمل أفغانستان على عهد حكومة الطالبان تم ربطه بحق الولايات المتحدة في الدفاع عن نفسها وعن حرية العالم بأسره، فبعد مقتل ثمانية جنود أمريكان في معركة شاهي كوت 2 مارس 2002 في شرق أفغانستان صرح الرئيس الأمريكي بأن الولايات المتحدة ستدافع عن نفسها بأي ثمن في الحرب الدائرة في أفغانستان وأن الدفاع عن الحرية قضية عادلة في مواجهة من يردون حرب الولايات المتحدة وحرمانها من الحرية.[3]

فالحرب على الإرهاب حسب التصريحات الأولى للرئيس الأمريكي ووزير دفاعه رامسفيلد ستستمر سنوات أو عقود ولن تنتهي باحتلال منطقة أو بانهزام قوة عسكرية معادية وإنما ستشمل عملية ضبط سياسي وأمني واستخباري على المدى الطويل وتحقيق الشفافية في الأنشطة السياسية والاقتصادية والمالية في جميع الدول من أجل القضاء على الإرهاب مثل هذه الحرب المفتوحة لا يمكن تبريرها فقط بتهديد مصدر دولة نائية من محاور التدخل الأمريكي المباشر والمراكز الحيوية للمصالح الأمريكية في منطقتي الشرق الأوسط والشرق الأقصى، فأفغانستان التي اتهمت برعاية الإرهاب دولة بعيدة كل البعد عن امتلاك أي قوة عسكرية حقيقية فإنها معزولة دوليا ومدمرة بفعل حروب استمرت أكثر من عشرين عاما وضعيفة التأثير في محيط بيئتها الدولية والإقليمية.

وكل ذلك يعني بأن العدو الجديد لا يتمثل في دول معينة أو في جيش محدد أو في جماعة محددة ولا يقتصر على قوة ظاهرة وواضحة المعالم يمكن تحديدها جغرافيا وإنما هو عدو شرس قادر على ضرب الولايات المتحدة من جديد لا ينحصر في تنظيم القاعدة ولا في حركة الطالبان وإنما يشمل مجموعة كبيرة من الحركات والتنظيمات والعديد من الدول التي تعتبر شريرة في نظر الولايات المتحدة وتهمتها الإرهاب أو رعايته ودعمه أو إقامة علاقة محتملة معه.

وهذا يعني أن الخطاب الرسمي الأمريكي لم يتغير من حيث جوهر فالولايات المتحدة وحلفاؤها ومن ضمنهم إسرائيل يمتدون الخير في الصراع مع الشر مع اختلاف في طبيعة العدو فقد حلت الأصولية الإسلامية محل الشيوعية وحلت بعض الدول الإسلامية بصفة خاصة محل الفاشستية والدول الشيوعية وكما الشأن بالنسبة للحرب العالمية الثانية أو فترة الحرب الباردة أو فترة ما بعد حرب الخليج، فإن الولايات المتحدة تواجه كعادتها دولا سماها الرئيس الأمريكي بدول محور الشر.

وهكذا فالحرب على الإرهاب وهي حرب حظيت بإجماع عالمي بما في ذلك إجماع الدول العظمى والقوى الإقليمية الكبرى وهي حرب بين الخير والشر وصراع بين العالم الحر والتطرف الإرهابي وبين الحضارة والهمجية وهي بالإضافة إلى ذلك حرب أصبح من الواضح أنها تستهدف أساسا استئصال الأصولية الإسلامية عبر القضاء على المنظمات والجمعيات والحركات الأصولية والإسلاميين المتشددين على امتداد العالم الإسلامي في مصر اليمن باكستان كشمير إندونيسيا والفلبين وغيرهما، كما أنها تستهدف من ناحية ثانية الدول المارقة أو المتمردة على إرادة الولايات المتحدة وهي دول توصف بأنها راعية للإرهاب أو المستقبل ويجوز العمل على قلب نظام الحكم فيها أو إضعافه بجميع الوسائل بما في ذلك الوسائل العسكرية كما حدت مع حكومة طالبان في أفغانستان.

هذا التوجه الجديد نحو توسيع الأهداف المتوخاة من الحرب على الإرهاب تأكد بخطاب الرئيس الأمريكي حول حالة الاتحاد يوم 29 يناير 2002 وبلغ دورته في إعلان الرئيس الأمريكي في ذكرى مرور ستة أشهر على هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2002 بأن الحرب على الإرهاب ستمتد بعيدا عن أفغانستان.

ففي خطاب ألقاه بالبيت الأبيض بمناسبة إحياء ذكرى مرور ستة أشهر على الهجمات المذكورة تعهد الرئيس الأمريكي بأن تستمر الولايات المتحدة في قيادة الحرب ضد الإرهاب العالمي حتى يتم القضاء عليه وتحقيق النصر ودعا كل دول العالم إلى أن تدرك أن الحرب ضد الإرهاب لها هدف مزدوج هو حماية حرية وأمن الولايات المتحدة والعالم المتحضر، مضيفا بأن الدول المتمدنة تدافع اليوم على أمنها المشترك وحث الرئيس بوش دول العالم على المساهمة والمشاركة في هذه الحرب قائلا إن الولايات المتحدة تتوقع من كل حكومة أن تساعد في القضاء على الإرهاب الذي يهدد جميع الدول والسلام في العالم.[4]

وهكذا فخطاب 11 مارس 2002 كان الغرض الأساس فيه هو تصعيد التعبئة وسط الشعب الأمريكي من أجل مواصلة الحرب على الإرهاب في أفغانستان وخارجها فقد أوضح بأن إدارته مستعدة لمواصلة الحرب على الإرهاب لأطول فترة ممكنة طالما ظل هذا الأمر ضروريا هذا يعني أن التدخل العسكري والعمل السياسي والدبلوماسي سوف يستغرق وقتا طويلا وسيشمل أعداء آخرين للولايات المتحدة الأمريكية.

وبعد أيام قليلة من هذا الخطاب صرخ الرئيس الأمريكي بأن بلاده دخلت مرحلة ثانية من الحرب على الإرهاب ستكون طويلة ولن تتعب منها وحدد إستراتيجية المرحلة الثانية من هذه الحرب بقوله إن إستراتيجية هذه المرحلة الجيدة تكمن في جعل كل إرهابي يعيش مطاردا عالميا وهارب ولا مكان يمكن أن ترتاح ويستقر فيه ولا مكان لإعادة تنظيم قواه ولا مكان يختبئ فيه ولا حكومة يختبئ وراءها، ثم دعا دول العالم والمجتمع الدولي إلى النظر بجدية بالغة إلى نظر الإرهاب ولذلك علينا منع انتشار أسلحة الدمار الشامل لأنه لا مجال للخطأ الهامش، ويجب ألا ندع فرصة متعلم من الخطأ أي عدم الانتظار حتى يضع هجوم إرهابي بسلاح كيماوي أو بيولوجي أو نووي.[5]

- الإستراتيجية الأمريكية لمحاربة الإرهاب الدولي :

إن أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001 شكلت لقطة تحول فاصلة في النظام الدولي بعد اجتماع قمة مالطا، حيث أصبح الإرهاب الدولي وفي حلته الجديدة الشكل الرئيسي للصراع المسلح على الساحة الدولية والبديل الراهن للحروب التقليدية، والمحفز الحقيقي في إدارة السياسة الخارجية الأمريكية، التي لم تكتف فقط في شن حملة دولية واسعة ضده، بل ستتبنى موقفا تصاعديا في وقفه ومحاسبة الدول التي ترعاه.[6]

ولعل الإستراتيجية التي تبنتها الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب الدولي بعد 11 عشر من شتنبر انبثت على الاستخدام المكتف للقوات العسكرية حيث سارعت وبمجرد وقوع تفجيرات نيويورك وواشنطن بالتلويح بالقيام برد عسكري على هذه الأعمال الإرهابية ضد الأطراف التي تقف وراءها ومر المجتمع الدولي للاصطفاف وراءها في تحالف غير مسبوق في التحالفات الدولية يغلب عليه الجانب السياسي بالدرجة الأولى، كما يرتكز على التعاون والتنسيق في المجالات الأمنية والاستخبارية والمالية من أجل تعقب وضرب الجماعات والأطراف الدولية التي ترعاه وتأويه وتجفيف موارده المالية من أجل شل حركته.

ومن أجل تطبيق هذه الإستراتيجية سعت الولايات المتحدة الأمريكية وكما هو دأبها في إدارة الأزمات الدولية التي تدخل ضمن مصالحها وإستراتيجيتها على استثمار الشرعية الدولية من خلال الارتكاز على قرارات الأمم المتحدة لتتدخل بموجبها زجريا وبشكل عسكري أو غير عسكري في هذه الأزمات، أما الأمر يتعلق بإدارة أزمة كانت مستهدفة فقد نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في قيادة التحالف الأوروبي والدولي لمكافحة الإرهاب ودشنته في أفغانستان بناء على قرار مجلس الأمن رقم 1368 الذي صدر بالإجماع يوما واحدا بعد وقوع عمليات الحادي عشر من شتنبر واستتبعته بإصدار قرار ثاني من مجلس الأمن القرار رقم 1373 بتاريخ 28 شتنبر 2001 بضرورة مواجهة مخاطر الإرهاب الدولي بكل الوسائل السياسية والعقابية. في تناعم تام مع السياسة الإسرائيلية الصهيونية في الأراضي المحتلة التي تعاملت مع القرار بالتفسير والفهم الأمريكي في ضرب البنيات التحتية للإرهاب دون تمييز بين الإرهاب الدولي وحق النضال والكفاح المشروعين ضد الاحتلال الغاضب من طرف الشعب الفلسطيني المناضل.

وباسم تطبيق الشرعية الدولية والتي تجسدها قرارات مجلس في موضوع العقوبات المفروضة على العراق وذات العلاقة بنزع أسلحة الدمار الشامل المزعومة توافرها لديه، سعت الولايات المتحدة الأمريكية للإضافة بنظام صدام حسين وخرق سافر للشرعية الدولية التي تحثها على إتباع الوسائل السلمية لحل الأزمات الدولية وعدم استعمال القوة في العلاقات الدولية أو التهديد باستعمالها وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها، وكان تدخلها في العراق ساخرا من حيث خرقها قواعد الشرعية الدولية لعدم احترامها انتظار صدور قرار من مجلس الأمن يجيز استخدام التدابير العسكرية ضد العراق.

وعلى المستوى الداخلي ركزت الولايات المتحدة الأمريكية ومها حليفتها التقليدية بريطانيا على تطوير تشريعات صارمة لمكافحة الإرهاب وتشديد الإجراءات الأمنية على التدخل إلى الولايات المتحدة والإقامة بها كما تبنت الإستراتيجية الأمريكية في مكافحة الإرهاب على إصدار قانون جديد يجهز على الكثير من الحقوق الحريات الفردية. ويشدد من الإجراءات الداخلية اللازمة لمحاربة الإرهاب مثل الاعتقالات بدون إذن قضائي والمحاكمات العسكرية واعتراض البريد الإلكتروني ومواقع الانترنيت وغيرها، وكلها إجراءات تتعارض مع قيم الديمقراطية الكونية والعربية، هذا بالإضافة إلى التحرش ببعض الأنظمة السياسية لبعض الدول العربية والإسلامية للقيام بإصلاحات جدرية على نظمها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحتى نظم القيم والثقافة السائدة بها.

وبذلك انطلقت الخطوات العملية الموالية في محاربة الإرهاب الدولي على أكثر من واجهة استثمرتها الولايات المتحدة الأمريكية لغرب أفغانستان في المرحلة الأولى، ثم ضرب العراق ونظر لسياسة الإستراتيجية وتدابيرها الأمنية التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي واتجاه مختلف حلفائها التقليديين والجدد وكذا اغتصابهما للولايات المتحدة الأمريكية.

كما أن عزم الولايات المتحدة الأمريكية على شن حرب على العراق لم يحملها التريث طويل لاستصدار قرار مجلس الأمن يسمح لها أو يسبغ شرعية على تدخلها وهو مطلب على الأقل كانت تطلب به الدول الممثلة في الأمم المتحدة باستثناء بريطانيا ولما فشلت في الحصول على هذا القرار سارعت إلى خوض الحرب دون قرار ودون شرعية دولية تمنعها من شن مثل تلك الحرب.[7]

لقد بدأت الولايات المتحدة الحرب على كل من أفغانستان والعراق وصنعت نهايتها في المستنقع العراقي والأفغاني في تحد سافر منها لكل المبادئ العامة التعارف عليها دوليا، وأعطت لنفسها الحرية لشرعنة تدخلاتها من أجل إسقاط النظم السياسية والحرب الاستباقية هي من بين المبادئ التي أصبحت تستعمل في العلاقات الدولية بدعوى مكافحة الإرهاب والإعداد للخطر، وبذلك استطاعت الولايات المتحدة ممارسة القوة وخرق القانون تحت مبرر واحد وهو الحفاظ على الأمن الأمريكي والدولي لصلاحيات الأمم المتحدة خصوصا ما يخص شرعية اتخاذ التدابير القمعية من طرف مجلس الأمن الذي أحكمت السيطرة عليه وبدأت في تطبيق السيناريوهات المتعددة لمواجهة تبعات الحادي عشر من شتنبر ومحاربة الإرهاب الدولي.

وكانت الخطورة الأولى في هذا الاتجاه عملية الانتشار الاستراتيجي والتي تقضي برفع درجات الاستعداد العسكري[8] للقوات الجوية والإستراتيجية داخل الولايات المتحدة الأمريكية وتحريك الأسطول الأمريكي من قاعدته في نورفولك نهاية الشواطئ الأمريكية وبالخصوص مدنية نيويورك ونشر القوات العسكرية وشبه العسكرية على المواقع والأهداف الإستراتيجية داخل الولايات المتحدة الأمريكية مع تطبيق الإجراءات الأمنية المشددة على المطارات.

كما أن الولايات المتحدة عملت إلى جانب هذه الإستراتيجية في مكافحة الإرهاب إلى القيام بخطوة أخرى كان لها تداعيات وتأثير بحيث أعدت الخطة لإسقاط النظام العراقي، وتدرعت بمجموعة من الأسباب حسب رؤية المحافظين الجدد على اعتبار العراق أحد دول محور الشر، ثم التزام العراق بالقرارات الدولية للتخلص من أسلحة الدمار الشامل ثم هناك قول بأن هناك روابط بين العراق ومنظمة القاعدة أخطر المنظمات الإرهابية والمسؤولة عن أحداث 11 من سبتمبر فضلا عن اعتبار النظام العراقي نظام استبدادي يحكم شعبه بالحديد والنار الأمر الذي استوجب إسقاطه واستبداله بنظام ديمقراطي عميل.

السبت، 27 مارس 2010

القوة في العلاقات الدولية

مـــا هـــى الــــقــــوة ؟

لا توجد خلافات ذات أهمية حول تحديد المقصود بمصطلح القوة (Power)، فمعظم التعريفات تقرر باختصار شديد، أن القوة هى القدرة على التأثير فى سلوك الآخرين ، أو القدرة على التحكم فى سلوك الآخرين ، لكن لأن مثل هذه التعريفات لا تؤكد سوى أن محور مفهوم القوة هو التأثير ، فإن بعض محللى العلاقات الدولية قد قدموا تعريفات تحاول أن تحدد بشكل أكثر وضوحا ماهية القوة ، كالإشارة الى أنها علاقة بين دولتين ، تسمح (أى العلاقة) بقيام حكومة إحداهما بحمل حكومة الدولة الأخرى على أن تتبع سلوكاً معينا ، لم تقم تلك الحكومة (الثانية) باختياره بمحض إرادتها ، كأن تجعلها تقدم على القيام بأعمال لا ترغب فى القيام بها، أو تمنعها من القيام بأفعال ترغب فى القيام بها . وبصورة رمزية ، فإن القوة هى قدرة (أ) على دفع (ب) لأن يفعل (س) ، أو لا يفعل (ص) .
وتتمثل إحدى مشكلات هذا التعريف فى أن من الصعب ـ فى معظم الحالات ـ أن يتم التأكد من احتمالات قيام الطرف الثانى بالفعل (س) أو عدم قيامه بالفعل (ص) ، إذا لم تكن تأثيرات قوة الطرف الأول قائمة ، فلا يمكن التأكد من أن كل قائد سيارة لا يتجاوز السرعة المقررة ـ حسب قانون المرور ـ على الطرق السريعة ، يفعل ذلك خشية التعرض لسحب رخصة القيادة والغرامة المالية ، وبالمثل تشير بعض الدراسات الى أن اليابان لم تستسلم للولايات المتحدة فى نهاية الحرب العالمية الثانية لأنها ضربت بالقنابل الذرية ، فربما عجل هذا بحدوث ذلك فقط ، إذ أنها كانت أنهكت ، وكانت حكوماتها قد بدأت تبحث عن طريقة للاستسلام . لذا ظهر تعريف شهير يقرر أن القوة = قدرة (أ) على دفع (ب) للقيام بالعمل (س) ـ احتمال قيام (ب) بالعمل (س) بغض النظر عما فعله (أ) .
على أية حال ، فإن جوهر أى تعريف للقوة هو أنها علاقة سلوكية ين طرفين يقوم أحدهما بالتأثير فى سلوك الطرف الآخر ، فى الإتجاهات التى تحقق أهدافه ، أو بما يتفق مع رغباته ، فى وقت معين أو عبر فترة زمنية ممتدة ، أو فى مجال ما أو عدة مجالات ، استنادا على توافر قدرات تتيح له (للطرف الأول) القيام بذلك . وفى هذا السياق يمكن ـ استناداً على الشكل التالى ـ رصد عدة عناصر لمفهوم القوة:

1 - أن القوة وسيلة لتحقيق غاية ، وليست غاية فى حد ذاتها ، فالدول تستخدم قوتها لتحقيق أهداف محددة فى النهاية ، فمن الصعب تصور أن الدول يمكن أن تستخدم قوتها ببساطة لمجرد استعراض القوة ، فعندما تقوم الحكومات بتنظيم استعراضات عسكرية لقواتها وأسلحتها فى ميادين العواصم ، يكون الهدف هو اكتساب أو تأكيد مكانة سياسية دولية / إقليمية معينة ، أو رفع الحالة المعنوية للشعوب ، إن لم يكن تدعيم الردع ، أو إرسال رسائل فى اتجاه أو آخر ، وعندما تنشر البنوك موازناتها المالية السنوية فى الصحف ، أو تتبرع لمشروعات خيرية ، أو تنفق على العلاقات العامة ، فإنها تستهدف كسب ثقة العملاء بتأكيد قوة مركزها المالى .
المشكلة أن هناك بعض الأسس لفكرة أن القوة قد تكون هدف فى حد ذاتها ، فقد أكدت الكتابات الأولى للمدرسة الواقعية (مثل كتابات توماس هوبز وهانز جى مورجانثو) على أن القوة فى حد ذاتها قد تمثل قيمة مرغوب فيها ، فكما أن رجال الأعمال يستثمرون أموالهم بهدف نهائى هو الحصول على مزيد من الربح المالى ، وكما أن أى ممارس للسياسة يعمل على تدعيم قوته أو الحفاظ عليها ، فإن الدول يجب أن تسعى إلى زيادة قوتها وتدعيم تأثيرها، وإلا فإن مركزها سوف يتدهور مع الوقت ، إلا أن القضية هنا هى أن علاقة الوسائل بالأهداف تتسم بالتعقيد والديناميكية ، فالغايات تدعم الوسائل المتاحة لتحقيق أهداف أوسع وأبعد مدى .
2 - أن القوة علاقة بين طرفين ، وليست فعل ساكن ، أو ممارسة فى فراغ ، فأعمال التأثير تتضمن بالضرورة وجود علاقة بين طرفين (الدولة أ والدولة ب على سبيل المثال) تتفاعل فى إطارها وسائل وأساليب التأثير على الإرادات والسلوكيات ، عبر فترة من الزمن تشكل فى التحليل النهائى حوار / صدام إرادات يتحدد بناء على ملامحه نمط العلاقة القائمة بين الطرفين . وقد تتخذ هذه العلاقة شكل الإتصال الصريح الذى تستخدم أدوات وأساليب القوة فيه بوضوح ، كما قد تتخذ أشكالا إيحائية أو خافتة تتحرك عبرها رسائل مختلفة ، إلا أن المهم هنا هو ما يلى :
- أن التأثير لا يسير فى إتجاه واحد طوال الوقت ، فقد تكون الدولة (أ) هى الطرف الفاعل Actor ، وقد تكون الدولة (ب) هى الهدف Target ، أو العكس ، فمهما بلغت قوة أحد الطرفين ، فإنه معرض لردود أفعال ، ومهما بلغ ضعف الطرف الآخر ، تكون لديه قدرة على القيام ببعض الأفعال المؤثرة ، كما هو واضح من تطورات مرحلة ما بعد 11 سبتمبر عام 2001.
ـ أن علاقات القوة قد لا تكون ثنائية فى كثير من الحالات ، فمعظم أنماط التفاعلات الدولية فى العصر الحديث متعددة الأطراف ، على نحو يفرز أنماط تأثير شديدة التعقيد ، وحتى فى إطار بعض أشكال علاقات القوة التى يكون من الواضح أنها ثنائية ، ربما يكون ثمة طرف ثالث يتدخل بشكل مؤثر ، كالولايات المتحدة على المسار الفلسطينى ـ الإسرائيلى فى إطار الصراع/التسوية بين العرب وإسرائيل .
3 - أن القوة نسبية ، وليست قيمة مطلقة ، فمن غير الممكن وصف طرف ما بأنه قوى أو ضعيف إلا فى إطار مقارنته بطرف أو أطراف أخرى ، فتلك المقارنة هى التى تحدد موقعه فى هيكل القوة على المستوى الإقليمى أو الدولى، فالهند قد تكون قوية عسكريا بالنسبة لباكستان ، لكن الصين قد تكون أقوى منها، والأخيرة أقل قوة بالنسبة للولايات المتحدة، فالفكرة العامة هى أن الدولة تكون قوية بمدى قدرتها على التأثير فى سلوك الآخرين بأكثر مما يؤثر به الآخرون فى سلوكها ، أى عندما تكون (أ) قادرة على دفع (ب) إلى القيام بعمل معين ، أو منعها من القيام دون أن تستطيع (ب) دفع (أ) يفعل / لا يفعل شيئا مشابها لما اضطرت إلى القيام أو عدم القيام به، بما يطرحه ذلك كله من افتراضات بالنسبة لكم ونوع أدوات القوة المملوكة لكل منهما .
ولا تخل مسألة نسبية القوة من تعقيدات أيضا ، بفعل تطورات هامة شهدها العصر الحديث ، كعدم توازن عناصر القوة المملوكة للدول، فاليابان قوية اقتصاديا مقارنة بروسيا الاتحادية ، إلا أنها لا تقارن بها عسكريا ، كما أن مسألة امتلاك الأسلحة النووية قد أدت الى انقلابات غامضة فى مفاهيم القوة، يضاف إلى ذلك تحولات عناصر القوة تدريجيا نحو القدرات المعرفية والتكنولوجية التى يصعب قياسها بعيداً عن تطبيقاتها، أو إدراك ما تتضمنه سياسيا ، وكذلك وجود انقسامات عالمية حادة ، استنادا على معايير قياسية ، أصبحت تتيح وصف مجموعات من الدول بأنها متقدمة وأخرى متخلفة ، دون حاجة لإجراء مقارنات مركبة، لكن تظل أهمية نسبية القوة فى أنها تحدد ماهو متاح للتحقيق من جانب كل دولة إزاء الدول الأخرى .
4 - أن نماذج التأثير تتسم بالتعقيد الشديد ، فالقوة عملية Process ، تتضمن أكثر من مجرد قدرة الدولة (أ) على التأثير على سلوك الدولة (ب) فى حالة معينة ، إذ أن عملية التأثير لا تتوقف عند رد فعل الدولة (ب) على الفعل الموجه إليها من الدولة الأولى ، خاصة وأن رد الفعل للدولة (ب) المشار إليه قد يكون الإذعان ، بما يتطلب من الدولة (أ) فعل تعاونى ما ، لتدعيم الاتجاه الذى اتخذته (ب) ، أو قد يكون عدم الرضوخ بما يضطر (أ) إلى رد فعل مضاد ، فعادة ما تكون هناك سلسلة من الأفعال وردود الأفعال التالية التى يختلط فيها الفعل برد الفعل ، بحيث يصبح كل طرف فاعل وهدف فى نفس الوقت :
إن النموذج الواضح لذلك هو إنتفاضة الأقصى التى انفجرت عام 2000 ، فقد قام إرييل شارون بدخول المسجد الأقصى ، فرد الفلسطينيون على ذلك باحتجاج عنيف ، لترد القوات الإسرائيلية بعنف عدوانى ، مما أدى الى تصاعد العنف الفلسطينى ، أعقبته عمليات إنتقام إسرائيلية ، فردود أفعال فلسطينية ، لتستمر العملية فى طريقها ، مكتسبة عناصر قوة ذاتية بدا أحيانا أنها متحكمة فى سلوك الطرفين .
وعادة ما تطرح كل حالة نموذجا خاصا بها ، كما حدث عام 1956 بين مصر وكل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل ، بدءا من سحب عرض تمويل السد العالى ، مرورا بتأميم قناة السويس ، إلى العدوان الثلاثى ، والمقاومة المصرية ، وكذلك ما شهدته المنطقة عام 1967 ، بداية بأزمة مايو التى شهدت أفعال رئيسية (إغلاق مضيق العقبة ، طلب سحب قوات الطوارئ) حتى انفجار الحرب ، لكن المهم أنه فى معظم الأحوال، لا تتوقف عملية التأثير عند حدود الأفعال وردود الأفعال ، وإنما تتسع لتشمل الأفعال التالية وردود الأفعال المضادة) .
5 - أن لكل عملية تأثير محددات خاصة تتفاعل الأفعال وردود الأفعال المتصلة بها فى إطار مجال أو نطاق معين ، وفق قواعد لعبة معينة تحكم كل عملية، وهو عنصر شديد الأهمية فى فهم معنى القوة سيتم تناوله تفصيلا فى الفصول التالية، فالفيل (المهاجم) يمكنه أن يحطم أى عائق يقف أمامه ، لكنه لا يستطيع التخلص من حشرة تقف على ظهره ، أو حسب تشبيه شائع لا يمكنه إدخال خيط فى ثقب إبرة، بل إن شخصا قوى بدنيا (كأن يكون بطل كمال أجسام على سبيل المثال) يمكنه أن يلقى هزيمة ساحقة فى مباراة ملاكمة أو كاراتيه ضد أشخاص أقل قوة، ناهيك عن مباراة شطرنج أو تنس طاولة ، كما أن القوة المطلوبة لمحاصرة مدينة معينة، أو قصفها ، خلال حرب ، لا تتيح للطرف القائم بالحصار أو القصف نفس درجة (أو كمية) القوة المطلوبة لكسب ولاء سكان تلك المدينة ، ولا يمكن تحويلها ببساطة الى نوعية القوة اللازمة للقيام بالمهمة الأخيرة ، والتطبيقات العملية استراتيجيا لكل ذلك شديدة التنوع .
إن وصف دولة ما ـ فى سياق تلك النقطة ـ بأنها قوية ، لا يعنى أنها قادرة على التأثير فى سلوك الآخرين فى كل المجالات ، وبشأن كل القضايا ، أى أنها قادرة على هزيمتهم عسكريا ومنحهم ماليا والسيطرة عليهم ثقافيا وإختراقهم سياسيا ، فكوريا الشمالية يمكنها أن تؤثر فى سلوك كوريا الجنوبية بتهديدها عسكريا ، لكن ليس لديها ما تؤثر به اقتصاديا أو ثقافيا ، كما أن حيازة دولة ما لعنصر قوة محدد لا يعنى أنها قادرة على استخدامه للتأثير على كل أنماط السلوك المحيطة بها ، بما فى ذلك سلوكيات ترتبط بالهدف الواسع من امتلاك هذا العنصر ذاته ، فامتلاك اسرائيل سلاحا نوويا يكسبها حصانة إزاء تهديدات الدول العربية لوجودها ، لكنه لا يمكنها من ردع الاستخدامات منخفضة الشدة للقوة المسلحة أو العنف المسلح ضدها ، بما فى ذلك الحروب المحدودة كما حدث فى أكتوبر 1973 . ولا تستطيع دولة ـ بما فى ذلك الولايات المتحدة المسيطرة فى مرحلة ما بعد الحرب الباردة ـ أن تخوض عمليات ممارسة تأثير فى كل اتجاه ، على كل المستويات ، فى وقت واحد ، دون أن تخاطر بالتورط فى المشكلات ، أو فقدان الهيبة أو المصداقية ، ثم تدهور القوة .
لكن تظل النقطة الأساسية المرتبطة بمفهوم القوة ـ والتى ستكون محور تركيز الفصلين التاليين ـ هى أن تأثير أى دولة فى توجهات أو سلوك الدول الأخرى ، لا يحقق أية نتائج ذات أهمية (إلا إذا كان الآخرون بلهاء) سوى بالاستناد على إمكانيات مادية أو معنوية مختلفة، تتم تعبئة عناصر معينة منها ، كأدوات للتأثير، سواء بالإقناع أو الإغراء أو التهديد أو المعاقبة ، فى مواجهة الأطراف المستهدف التأثير فيها . فمحاولة التأثير أو تصور إمكانية التأثير ، دون إمتلاك قدرات مناسبة، لن تفرز سوى ظواهر صوتية ، أو حسب التعبير العامى جعجعة ، على غرار صيحة المخمورين فى الأفلام السينمائية القديمة أنا جدع، أو قد تؤدى الى تورط الدول فى مشكلات .
وهناك تشبيه شائع يطرح فى كتابات كثيرة بهذا الشأن ، حول رجل غير مسلح يقوم باقتحام بنك ، ويطلب من أحد العاملين إعطائه كل النقود التى بحوزته ، غير أن الموظف يلاحظ أنه غير مسلح ، ولا يشكل أى تهديد ، فيرفض الخضوع لأمره ، وتفشل العملية ، ولا يجد الرجل أمامه سوى الإنسحاب (الهروب) بسرعة قبل أن يجد نفسه فى ورطة . لكن نفس الرجل يعود مرة أخرى ـ بعد فترة ـ إلى تكرار عمليته باقتحام البنك ، حاملا مسدسا هذه المرة ، ولا يجد الموظف أمامه ، بعد تردد ، خياراً آخر سوى تسليمه النقود فقد استخدم اللص قدرات معينة (السلاح) أدت إلى إجبار الموظف على تغيير سلوكه .
ولقد وصلت أهمية توافر الإمكانيات كعنصر من عناصر مفهوم القوة الى حد تبلور تيار بين محللى القوة يطرح تعريفا آخر للقوة لا يستند على كونها عملية تأثير فى الإرادات ، وإنما رمز لامتلاك القدرات ، فمن يمتلك عناصر قوة (موارد ـ قدرات) معينة يصبح قويا ، ومن لا يمتلكها لا يعد كذلك ، على نمط ماهو متصور فى الذهن العام بشأن القوة ، خاصة وأن الإمكانيات يمكن رؤيتها أو لمسها أو قياسها ، بخلاف التأثيرات التى تصعب الإحاطة بأبعادها المختلفة ، ورغم أن التعريفات القائمة على إمتلاك القدرات لم تصبح تعريفات سائدة ، لأنها لا تقدم تفسيرات كافية لظاهر القوة ، كما أنها تطرح إشكاليات أعقد بكثير مما تطرحه التعريفات المتداولة بشأن فكرة التأثير ، إلا أن أى تعريف للقوة لا يتجاوز أبدا مسألة أن أحد عناصرها الأساسية القليلة ـ التى تضاف إلى الأفعال وردود الأفعال ـ هو امتلاك القدرات التى تجعل محاولة التأثير ممكنة أو فعالة .