الجمعة، 6 نوفمبر 2009

الصراع غير المتوازن في العلاقات الدولية

عندما تختل الموازين وتتغير العلاقات الدولية فإن موازين قوى تنتصب وأوضاع جديدة تتشكل ومصالح تتوزع، ولفهم هذه السيرورة لابد من العودة إلى مفهوم الحرب لمعرفة مدى مساهمة القوة في حسم الصراعات بين مختلف الجماعات البشرية عبر العصور المتطاولة، ثم لابد من إدراك مفهوم الحرب والفكر الاستراتيجي وكيف تستخدمه الدولة لتحقيق أهدافها ومصالحها.[ 1]

وبهذا فإن الحرب أصبحت تأيد اتجاها استراتيجيا لتحقيق أهدافها ومطامع اقتصادية وسياسية، والواقع الدولي يشهد على ذلك بحيث نجد أن هناك مجموعة من الحروب والصراعات وخصوصا في الشرق الأوسط وكل ذلك نتيجة لترتيبات أمنية دولية بدعوى مكافحة الإرهاب والشر في المنطقة والتي شهدت مجموعة من الصراعات التي تنعدم فيها التوازنات الإستراتيجية، فهناك احتلال أمريكي للمنطقة ومؤامرة على لبنان. وبهذا سوف نتطرق إلى النموذج الدولي للصراع غير المتوازن تم النموذج الإقليمي للصراع غير المتوازن.



اولا: النموذج الدولي للصراع غير المتوازن
سوف نناقش في هذه الفقرة نموذجين من الصراع الدولي غير المتوازن في العلاقات الدولية النموذج الأفغاني والنموذج العراقي.

1- النموذج الأفغاني :

جاءت الحرب على أفغانستان نتيجة لتدابير الإستراتيجية والأمنية التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية سواء على المستوى الداخلي والخارجي، واتجاه مختلف حلفائها التقليديين والجدد نحو تهميش صلاحيات منظمة الأمم المتحدة والتي أحكمت السيطرة عليه وبدأت في تطبيق السيناريوهات المتعددة لمواجهة تبعات 11 من شتنبر ومحاربة الإرهاب الدولي.[ 2]

ذلك أن الولايات المتحدة رأت لنفسها الحق في أن تدافع عن نفسها في مواجهة الأنظمة المراقة التي تهدد أمنها القومي.

ويعتبر البعض أن غزو أفغانستان هو أول جولة عسكرية في الحرب على الإرهاب والقوات المشاركة في الغزو هي قوات التحالف الدولية وقوات التحالف الشمالي الأفغاني ضد حركة الطالبان، وأعطت هذه الحرب نسبة كبيرة من التأييد لسياسات بوش الخارجية إذ حصل وبالإجماع من الكنغرس ومجلس الشيوخ على 40 مليار دولار لحملة على الإرهاب و20 مليار دولار لتعويض الخسارة التي طال قطاع الطيران عقب أحداث 11 سبتمبر 2001.

لكن تبعث هذه الحرب على الساحة الأفغانية أضحت واضحة للعيان، بحيث تضاعف الإنفاق العسكري الأمريكي بمعدل خمسين مليار دولار وأكدت الدراسات أن مصاريف بلغت 437 مليار دولار أضف إلى ذلك واقع حال الجنود والتحالف في هذا البلد المستضعف إذ يوميا يتم الإعلان عن سقوط المروحيات وموت العشرات القتلى من هذه القوة الغازية الشيء الذي أصبحت معه مقولة الفوز محطة خيال. وبالتالي يمكن القول بأن غزو أفغانستان كان خطأ كبيرا وكان ذلك سوء تقدير من الإدارة الأمريكية التي قضت على نفسها في العراق.[ 3]

1- الموقف من الحرب على أفغانستان :

لم تكن المواقف من الحرب الأمريكية على أفغانستان شديدة التباين فالموقف العالمي بدأ مساندا للولايات المتحدة في حربها على ما أسمته بالإرهاب، أما الدول العربية فالأغلب أيد هذه الحرب بل إن بعض منها عرض المساعدة والعون على القوات الأمريكية الغازية ولكن القليل رفض هذه الحرب على استحياء.

ولقد تضاربت مواقف الدول العربية حول الحرب بين مؤيد ومستحي من هذه الحرب.





- الموقف العربي من الحرب على أفغانستان :

1- الجامعة العربية :

دعت جامعة الدول العربية إلى ضبط النفس وعدم توسيع المواجهة وذلك غداة عمليات القصف الأمريكي والبريطاني على أفغانستان، وقال أمينها العام عمرو موسى في تصريحات للصحفيين في اليوم الثاني من بدء الضربات العسكرية نرجو ونطالب حالا بتطور الاستخدام العسكري إلى المساس بأي دولة عربية.

- الموقف الدولي من الحرب على أفغانستان :

1- مجلس الأمن :

تم إبلاغ مجلس الأمن الدولي بالهجمات بعد وقوعها واستجابت الولايات المتحدة وبريطانيا لطلب الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان بتقديم بيان تفصيلي مكتوب حول العمليات العسكرية إلى مجلس الأمن وتم تقديم البيان في اليوم التالي لوقوع الهجمات.

2- الناتو :

بدأ حلف شمال الأطلس بالاستعداد للمشاركة في العمليات العسكرية ضد أفغانستان في اليوم التالي لوقوع الهجمات، وقالت مصادر مسؤولة بالحلف إن طائرات الاستطلاع من طراز أواكس التابعة للناتو والموجودة في قاعدة جايلنكيرش الألمانية بدأت الاستعداد بالانتشار في قواعد أميريكية وأضافت المصادر أن نشر الطائرات سيتم في إطار العمليات العسكرية التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية ضد ما يسمى بالإرهاب وأعلن الأمين العام لحلف الأطلس جورج روبرتسون تأييد الحلف المطلق للولايات المتحدة في ضرباتها على أفغانستان.[ 4]

2- النموذج العراقي :

لقد بدأت بوادر الصراع الجديد مع حلول الذكرى السنوية الأولى لتفجيرات المركز التجارة العالمي بنيويورك والبنتاغون سنة 2001، وبذلك بدأت الولايات المتحدة الأمريكية إحياء الملف العراقي، بدعوى توقيف أنشطة المفتشين الدوليين بدعوى أن العراق قد استأنف أنشطة التسليح بما فيها مساعيه لإنتاج وامتلاك أسلحة الدمار الشامل مما يمثل حسب الإدارة الأمريكية انتهاكا فعليا من جانب العراق للقرارات الأممية الصادرة ضده والتي تلزمه بضرورة التوقف على الأنشطة التسلحية والتخلص منها.[ 5]

وبالرغم من هذا التبرير فإن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد قررت منذ عقد من الزمن احتلال العراق، ولكن حين وصول المحافظين الجدد إلى السلطة كان عليها أن تختلف أسباب لشن الحرب فوجدت ضالتها في بث الرعب في نفوس سكانها من امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل لتحصل على تأييد ممثلي شعبها في شن الحرب على العراق واستغلت أحداث شتنبر المأسواوية لتقول لمواطنيها إن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل وأن لصدام حسين تعاونا مع تنظيم القاعدة فتمة احتمال أن تتسرب هذه الأسلحة إلى أيدي عناصر القاعدة ليستخدموها ضد أهداف أمريكية أو غربية، وبالتالي وجدت الولايات المتحدة في قرار مجلس الأمن خير مرتكز لفبركة حملة الافتراءات حول أسلحة الدمار الشامل العراقية ولاسيما بالسلاح النووي.[ 6]

ومن الأسباب الحقيقية للعدوان الأمريكي على العراق تعود إلى أهداف إيديولوجية اقتصادية رأسمالية وصهيونية وحضارية بالدرجة الأولى، فالغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية يدركون جيدا على أن قوة العراق الحضارية كمهد للثقافات وكأرض للدائرة العربية والإسلامية هو شيء يهدد سيادة ثقافته وقيمه الديمقراطية.[7]

إن الحرب على العراق ليست لها علاقة بجلب الديمقراطية إليه ولا باحتلاله أسلحة الدمار الشامل ولا بمكافحة الإرهاب، والحقيقة أن أمريكا استذلت المناخ الذي هيأت هجوم 11 شتنبر لتعزيز إستراتيجيتها في الهيمنة، فهذه الحرب كما الحرب على أفغانستان مرتبطة بحاجة الولايات المتحدة لضمان السيطرة على إمدادات النفط في المنقطة الممتدة من وسط آسيا وحتى البحر الأبيض المتوسط، ولضمان أمن إسرائيل على مدى السنوات القادمة.

إن الحرب على العراق لا يمكنها أن تندرج في الحملة المزعومة ضد الإرهاب، إلا من خلال باب الافتعال السياسي فهي جزء لا يتجزأ من النظام الرأسمالي المؤسس على الطموح الغير المحدود للأرباح، والحقيقة هي أن الطبقة الحاكمة داخل الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى إحلال أنظمة تابعة ومطلقة الولاء محل أي نظم لديها أدنى هامش من الاختلاف وذلك ضمانا لمصالحها الإستراتجية وعلى رأسها تأمين النفط.

وفي السياق ذاته فإن السعي لإقامة نظام من هذا القبيل في بلد منتج للطاقة بحجم العراق، ويعتبر التجسيد الأول لهذا التوجه، فهذا البلد توجد فيه أكبر محطات الغاز في العالم وتحوي أراضيه على محيطات من النفط وذلك سيكون في خدمة الاستهلاك الكبير للولايات المتحدة للنفط حيث تبلغ احتياطات النفط في العراق المؤكدة في 115 مليار برميل أي نحو 1.11 من الاحتياطات العالمية.

وبالإضافة إلى تلك المميزات المطلقة للنفط العراقي، هناك الربحية الهائلة في الاستثمار في هذا القطاع. خاصة وأن حقول النفط العراقية تعتبر من أغزر الحقول في العالم وأكثرها قربا من سطح الأرض مما يوفر نفقات ضخمة في عمليات التنقيب والاستخراج، وتفيد الدراسات الدولية أن معدل إنتاج البئر في العراق يتراوح ما بين 10 إلى 11 ألف برميل سنويا بينما متوسط إنتاج أبار النفط في دول أوبك الأخرى لا يزيد عن 84 ألف برميل يوميا.

لذلك قررت الامبريالية الأمريكية الانتقال من سياسة الاحتواء إلى طور الإجهاز على النظام القائم في بغداد واحتلال العراق عسكريا لسنوات طويلة.

ومن الأسباب الأخرى للتدخل الأمريكي في العراق يمكن اعتبار الحرب كمخرج للأزمة الاقتصادية حيث يمكن الحديث عن بوادر الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية وهي كدافع إضافي وحالي لنزوع الطبقة الحاكمة الأمريكية نحو الحرب.

وما يساهم في زعزعة مكانة الولايات المتحدة ليس أسلحة الدمار الشامل بل التدهور الاقتصادي الناتج عن طبيعة النظام الرأسمالي من فساده واستبداده ومن الهبوط في أرباح الشركات نتيجة ظاهرة الإنتاج الفائض الذي لا تنجح السوق الرأسمالية في استيعابه. والمخرج من هذه الأزمة هو إقرار سياسة بربرية تبيح قلب أنظمة واحتلال الولايات المتحدة للدول.

وليس هناك شك في أن الأزمة الاقتصادية الأخيرة تنضاف إلى الأوجاع الطويلة المدى، فعلى الرغم من استمرار احتفاظها بمكانة الدولة ذات الاقتصاد الأكبر في العالم إلا أن الولايات المتحدة تعاني من تراجع متواصل وتاريخي في حصتها من إجمالي الناتج العالمي، وبالتالي انعكست الأزمة الاقتصادية الأمريكية على توجهات الرأي العام داخليا، خاصة بين أوساط الطبقة العاملة.[ 8]

كما أن هذه الحرب أصبح لها تأثير وتداعيات على القانون الذي اصطبغ دائما بالطبع الخاص ومزدوج الرؤية والتطبيق بالقدر الذي تجد فيه الولايات المتحدة الأمريكية أو تمنع من تدوينه وتطوره المضطر عبر إحجامها أو امتناعها عن التصديق على كثير من الاتفاقيات الدولية والجماعية التي تهم تدوين القانون الدولي في بعض المجالات الدولية التي تعرف فراغا تشريعيا دوليا، بالقدر الذي تنظر فيه إلى القانون الدولي كجزء من القانون الأمريكي الذي يسمح لها بالعمل على تنفيذ أحكامه وجبر مطالب فيه على الخضوع له.

ولعل هذه الرؤية المزدوجة والسلوك الدولي المتناقض للولايات المتحدة الأمريكية وعبر كثير من ممارستها الدولية هو ما يفسر لناشر فرقها لقواعد القانون الدولي كما هو متعارف عليه عالميا وفي نفس الوقت تبرير خروقاتها المتعددة لهذا القانون كونه تصويب لهذا القانون ودفاعا عن حرمته وعدم انتهاكه من طرف المجتمع الدولي.

ولعل هذه الصورة تتوضح أكثر وبجلاء من خلال توسيع قرار بحرب العراق كونه قرار ينسجم مع القانون الدولي في حدود اعتباره جزء من القانون الأمريكي الذي يسمح لها بالدفاع الشرعي الوقائي والاستباقي ضد خطر كامن ومرتقب تمثله العراق من خلال حيازته لأسلحة الدمار الشامل.[ 9]

وفي السياق ذاته عبر كل من جورش بوش وتوني بلير عن احتقارهما شديد للقانون الدولي والمؤسسات الدولية في قمة جزر الأزور عشية الغزو الأمريكي للعراق وأصدر إنذار للعراق ولمجلس الأمن "عليك أن تدعن وإلا فإننا سنقوم بعملية الغزو دون أن تبصم موافقتك التافهة وإننا سنفعل ذلك سواء غادر صدام وعائلته البلاد أم لا"، إن عصب المسألة هو أن الولايات المتحدة مصرة على أن تحكم العراق لقد أعلن جورج بوش بأن الولايات المتحدة لها تخويل مطلق باستخدام القوة العسكرية للدفاع عن أمنها القومي المهدد بالعراق مع صدام أو بدونه.

وبذلك فإن بوش يرسخ وجود القوة الأمريكية في المنطقة ولا بأس بالديمقراطية شكلية واستلامية المقبولة في الكواليس الأمريكية هذا على الأقل ما يقول التاريخ والممارسات الدولية.[ 10]

عن تداعيات العدوان الأمريكي على العراق مازالت تفرز الكثير من الأحداث والمستجدات والوقائع الدولية التي لها تأثير واضح في صيرورة ومالية القانون الدولي، وبالتالي سوف نعيش في عالم الفوضى والصراعات والحروب لا تعترف بالقانون الدولي مع فشل المجتمع الدولي في توحيد المنتظم العالمي على مرتكز القاعدة القانونية تحكم الفعل السياسي الدولي.

تانيا : النموذج الإقليمي للصراع غير المتوازن
1- الحرب الإسرائيلية لبنانية :

يبدو أن الحرب السادسة بين كل من إسرائيل وحزب الله ستكون أطول الحروب الكلاسيكية، أو غير النظامية التي قادتها إسرائيل منذ قيامها سنة 1948، وأعقدها وأصعبها ولربما قد تكون الأكثر تكلفة من الناحية الاقتصادية، ويمكن اعتبارها كذلك الضربة الكبرى التي تلقاها المشروع الأمريكي في المنطقة هذه الحرب كشفت عدة أوراق كانت موضع سر من لدن الدول الكبرى وأيضا بعض الدول العربية.

وأما على الصعيد الدولي كانت مختلف الردود تحمل حزب الله مسؤوليته عن تردي الأوضاع في لبنان وأن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها صحيح أن حزب الله له أسرى لدى إسرائيل ومن حقه طبقا للمواثيق الدولية أن يعمل كل ما في وسعه لاسترداد هؤلاء، لكن الغريب في الأمر هو أن العملية التي قام بها حزب الله كانت مفاجأة للغاية وحتى الأمين العام لحزب الله قال بأن الحزب لم يكن يتوقع أن يكون رد الفعل الإسرائيلي على قتل وأسر الجنديين إسرائيليين بتلك القسوة والشدة والتدمير للبنية التحتية من مرافق عمومية حيوية كالموانئ والمطارات وقطع الجسور لتضع مختلف المدن اللبنانية تحت الحصار، ولكن الأهم من هذا وذلك المواقف الدولية خاصة الدول العربية لم تكن مفاجأة بل هي أصلا تعتبر حزب الله من المنظمات الإرهابية يجب القضاء عليها وتعتبر أمريكا وإسرائيل المعرقل الأساس لعملية السلام بين إسرائيل ودول المنطقة.

وأما على الصعيد العربي جاءت هذه الحرب والنظام العربي مازال يعاني من غزو العراق وهذا ما يكشف عن عمق الأزمة التي يعيشها العالم العربي، ومن أزمة لبنان ازداد النظام العربي في عجزه وتأخره أكثر، مما كان عليه خلال حرب العراق من مارس 2003، إلى أن النظام العربي لم يستطيع التعامل مع هذه الأزمة بشكل متناسق ولكنها مراحل امتازت بتضارب الآراء وعدم توحدها بين تأييد لها قام به حزب الله وبين الرافض لما جرى.[ 11]

ونتيجة المنطقية لهذا الفعل أن وجدت إسرائيل الغطاء لشن الحرب على لبنان، في حين ألمح رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت إلى تأييد بعض الدول العربية للحرب على حزب الله.[ 12]

بعد ذلك ردت إسرائيل على عملية حزب الله بهجوم واسع ومدمر على لبنان وسميت العملية بأمطار الصيف وهي مقدمة دليل على أنها كانت تخطط لها منذ وقت بعيد كما أن أسر الجنديين لم تكن سوى ذريعة مدعومة أمريكيا لشن هجوم ممنهج على لبنان لتفكيك حزب الله ونزع سلاحه أو بمعنى آخر لتنفيذ القرار 1599 الذي كانت إسرائيل وراء صدوره تمهيدا لسلام بين الدولة العبرية ولبنان وفي خارج لبنان اعتبرت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا أن خطب الجنديين، إنما هو خرق للخط الأزرق فشرعت بذلك إعلان إسرائيل الحرب على لبنان واعتباره عملا مشروعا ودفاعا عن النفس باختصار جاءت العملية في إطار صراع حول الشرق الأوسط فقد أعلنت إسرائيل أنها تريد تغير قواعد اللعبة في لبنان وبذلك أعلن حزب الله عن حرب مفتوح مع إسرائيل.[ 13]

ويكمن هدف المركزي من وراء شن هذه الحرب على لبنان والتي وضعها النائب في الكنيست الإسرائيلي زهافا فاغالنون بأنها حرب أمريكية بدماء يهودية تتلخص في تغير خارطة الشرق الأوسط وتقسيمه إلى كانتونات طائفية ومذهبية وعرقية متنابذة ولا يقر لها قرار إلا بأمر السيد الإسرائيلي والأمريكي ومنهم من يذهب إلى أن هذه الحرب ليست كباقي الحروب الأخرى ولا يريد أحد في إسرائيل المقارنة بين الآلية العسكرية الإسرائيلية وأسلحة المقاومة والتي هزت القوة الإسرائيلية.

وهناك من يذهب بدرجة اليقين إلى أن هذه الحرب فإنها قد تمت بالوساطة الإسرائيلية وإن جرى التقاطع بين الخاص الإسرائيلي والعام الأمريكي في المنطقة، فالحرب جرى الإعداد لها من قبل ومنذ سنين وتم وضع الخطة الحربية سنة 2004، وكل ذلك تم بعد أن تم وضع خطط تدريبية لمعارك افتراضية في مواقع متشابهة لحزب الله.[ 14]

كما أن الولايات المتحدة الأمريكية ترى أن تحقيق السلام لا يمكن أن يتم إلا بعد إسقاط حزب الله وإحكام القبضة على المنطقة بكاملها وخلق نظام أمني ناجح يكون ركيزته الكيان الصهيوني. تدفعه إلى ذلك مثالية تحقيق سلام الفئة عام الذي ساد في أوربا من 1815 إلى 1214 ومع ذلك فإن المنطقة سوف تشهد تغيرات في غاية الأهمية وذلك أن الترتيبات الأمريكية تريد خلق وقائع سياسية جديدة مع متطلبات المرحلة الراهنة التي يشهدها العالم في محاولة عشر قيم الليبرالية الأمريكية المتوحشة في الشرق الأوسط كمطلب إمبريالي غربي وذلك من أجل التكييف مع التحولات التي يشهدها العالم والتي تمتلك قدرة أكبر لتلبية ما يحتاجه النظام الأمريكي من بحث في أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط بما يجعل النظام الإقليمي العربي الأكثر الأقاليم اندماجا في النظام الدولي الجديد على قاعدة ضمان الاحترام الأمريكي الصهيوني ومتحولا بشكل كامل نحو الغرب الرأسمالي بحيث ترسم الولايات المتحدة الأمريكية حروبها واقعا جديدا للعالم العربي باعتباره إقليميا مملوء بالثروات والمشاكل لا يحتمل أن يبقى متروكا كما وصفه أحد أبرز المعلقين الأمريكيين بأنه مجموعة من قبائل ترفع أعمال متفاوتة الألوان.[ 15]

وفي هذه الحرب استطاعت إسرائيل أن توجد صورتها في عيون اللبنانيين على اختلاف توجهاتهم السياسية أو بالأحرى على تعدد انتمائهم الدينية والطائفية.

ذلك أن اللبنانيين كانوا يرون إسرائيل في صور متباينة إلى حد التعارض بينهم من كان يرى فيها العدو المطلق بالمعنى الديني كما بالمعنى الوطني ولم يكن يقبل نقاشا، لهذا العداء كائنة ما كانت الذرائع السياسية وبينهم من كان يرى فيها العدو الوطني والقومي ولكن العجز عن مواجهته بالشعار الأصلي للمعركة القومية الفاصلة والحرص على السلامة الوطنية يجعل هؤلاء يسلمون مكرهين بوجود إسرائيل كدولة ويرفضون الصلح معها أو التطبيع لأسباب وطنية يعززها استمرارها في احتلال بعض التراب الوطني ومواصلتها تهديد لبنان ومحاولة ابتزاز سياسيا في هويته ودوره العربي وبالذات في علاقته بالقضية الفلسطينية لاسيما أن لبنان طرف في القضية لأسباب تتجاوز ما هو عقائدي وعاطفي وعملي.

2- الخلفيات والأهداف من الحرب الإسرائيلية على لبنان :

1- خلفيات الحرب على لبنان :

بدأت إسرائيل عدوانها على إثر عملية أسر الجنديين من جيشها 12 يوليوز/تموز 2006 وهذا العدوان كانت ترى أنها في حاجة إليه منذ عام 2000 وكانت حضرت له منذ أن ثبت عجز المحور الأميركي التشعب الاعتداء الداخلي وعربيا ودوليا عن تنفيذ قرار نقل لبنان من محور الممانعة والرفض لمشروع أمريكا إلى محور التبعية، لقد حاولت أميركا أن تستمر في احتلالها للعراق وتفرض على كل دول المنطقة الخضوع فاصطدمت بثلاث عقبات.

العقبة الأولى : إيران التي رفضت التخلي عن برنامجها النووي كما رفضت مد أمريكا بالتسهيلات اللازمة لاستقرار إحتلال العراق.

العقبة الثانية : سوريا رفضت نزع سلاح حزب الله في لبنان كما أنها لم تقدم لأمريكا الخدمات الأمنية والعسكرية في الداخل العراقي لتجعل الاحتلال فيه أمرا يسيرا كما رفضت طرد ممثلي المقاومة الفلسطينية من أراضيها.

العقبة الثالثة : في حزب الله الذي هزم إسرائيل عام 2000 واستمر في بناء قدرة عسكرية فريدة من نوعها تقع بين القوة التقليدية النظامية للجيش وغير النظامية، وصاغ هيكلة عسكرية ذات قدرات مناسبة لتشكيل تهديد جدي لإسرائيل.[ 16]

2- الأهداف والنتائج من الحرب على لبنان :

تتشابه أهداف إسرائيل في حربها على لبنان العام 2006 تلك التي أعلنت عنها في العام 1982 القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية وإدراج سورية من لبنان وعقد معاهدة سلام مع لبنان، ففي العام 1982 كانت منظمة التحرير تشكل تهديدا لإسرائيل في مناطقها الشمالية المحادية للبنان وبين ذلك التاريخ وتحرير لبنان عام 2000 والحرب الإسرائيلية عليه في عام 2006 كان حزب الله هو القوة العسكرية التي تهدد إسرائيل وتمكن من حصر جهودها إلى ما وراء الحدود اللبنانية واتخذ موقفا استراتيجيا في الصراع وإسرائيل تسعى لخلق ظروف السلام مع لبنان، وهذا لن يتحقق ؛إلا بالقضاء على حزب الله وقوته وبذلك وقفت إسرائيل وراء خروج القوة السورية من لبنان بقرار 559.[ 17]

وبعد فإن علينا أن نتساءل عن أبعاد وأهداف هذه الحرب الإسرائيلية الدائرة على لبنان ومن سر مساندة الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل لنتساءل بعد ذلك عن مدى وآفاق النجاح الممكنة لهذين الحلفين في الحرب ولكي لا نسرف في هذا التحليل فإن الهدف المباشر المعلن لإسرائيل في حربها هذه يتمثل في تدمير حركة المقاومة اللبنانية التي يرمز إليها حزب الله وقتل حسن نصر الله زعيم الحزب ثم تجريده من السلاح على أقل تقدير إلى جانب إرغامه على الخروج ومغادرة معاقله التالية في الجنوب اللبناني مع إحلال قوات دولية محله بالتعاون مع قوات وطنية لبنانية بغية إنشاء منطقة أمنية جديدة في الشريط الحدودي في شمال إسرائيل، وتوجد أجندة أخرى ترمي إلى إعادة ترسيم الخريطة السياسية اللبنانية بحيث تتسلم مقاليد سلطة حكومة في لبنان ضعيفة وهزيلة وطبيعة لا تتراجع في عقد صفقة سلام مع إسرائيل بمباركة أمريكية، كما أن هناك هدف آخر وراء العمليات العسكرية الجارية في قطاع غزة ومرماه إضعاف كل من سوريا وإيران بصفتهما القوتين المحليتين التي تتبين في دعمهما المنتظم لحركة حماس وحزب الله علاوة على استمرارهما في مناهضة الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية على المنطقة.[ 18]

وفي نهاية لا يمكن عزل الحرب الإسرائيلية اللبنانية عن سياسة المحاور والصراعات في المنطقة كما أن الوضع اللبناني الهش والتجاذبات الداخلية والتباين بين منطق الدولة والمقاومة، أسهم كثيرا في جعل لبنان ساحة للصراع بين الداخل والخارج لذلك كان من المتوقع أن ينفجر صراع عاجلا أو آجلا بين طرفين، وبذلك لم تتمكن الحكومة اللبنانية من الإمساك بالوضع الداخلي وعدم إنجرار البلاد إلى حرب دفاعا عن المفاعل النووي الإيراني أم دفاعا عن نشر الديمقراطية التي أراد الأميركيون أن يجعلوا لبنان نموذجا لها أو منطلق لشرق أوسط جديد إلى درجة تدميره، لقد ترك العرب لبنان لأسابيع ثلاثة من دون تغطية تدمر إسرائيل بناه التحتية وتقتل شعبه وتعصف به مشاريع القرارات المنحازة أو غير المتوازنة وإن عجزهم هذا هو جزء من مشكلات لبنان مع العرب منذ الوجود الفلسطيني المسلح على أرضه وبغض النظر عن عدم قدرتهم على مواجهة إسرائيل أو عدم رغبتهم في ذلك فإن ذلك يعود إلى أنهم رأوا في صراع حزب الله وإسرائيل صراعا إيرانيا أمريكيا وخوفهم من إيران النووية وجعلهم يرون إيران عدوا مركزيا كما أن اللبنانيين لم يتضايقوا من التبعية الشعبية ولكن بعض الدول كان لها تحفظات على الحرب فالرئيس المصري حسن مبارك قال بأنه لن يقود حرب من أجل حزب الله أو لبنان فكلاهما واحد بالنسبة، وأما فيما يخص الجانب الإسرائيلي فإن المواجهة والحرب بالنسبة إليها مازالت مفتوحة وتملك أسباب تجعلها على اقتناع تام بإكمال الحرب من أجل فرض الهيمنة على المنطقة والتخلص من أعدائها وخصوصا حزب الله وإيران اللذان يعتبران كمحور الشرفي الإدارة الأمريكية، فالقيادة الشعبية مازالت في المواجهة مع أمريكا وإسرائيل وقد تدخل المنطقة في حرب إستراتيجية من الصعب التكهن بنتائجها على المستوى الإقليمي والدولي.

وفي الوقت الحاضر لكل نزاع من النزاعات في الشرق الأوسط أسبابه بحيث يبقى العامل الرئيسي للصراع هو بروز إيران قوة إقليمية ذات قدرة نووية مما يؤدي هذا الأمر إلى انقلابات في التحالفات وانزلاق الوضع وإيران هي القوة الوحيدة التي تملك الإستراتيجية المتماسكة، وفيما عيون العالم متجهة نحو لبنان تتجه إيران بهدوء نحو الحصول على السلاح النووي وستحصل عليه، كما أن هذه الحرب بانعكاساتها المالية استطاعت أن تخدم غيران فهي كأي حرب في الشرق الأوسط تؤدي إلى ضغوط حول سعر البرميل البترول الذي يتعرض لارتفاع منذ سنوات عدة وفي 2005 تخطى سعر البرميل سقف 60 دولار.



[1] أحمد باباتا العلوي : مجلة "العصر منتدى العصر الحرب والسياسة ومنطق الصراع"، http//www.alasr.ws.

[2] أحمد عبد الحليم : "الإستراتيجية العالمية للولايات المتحدة الأمريكية السياسة الدولية"، عدد 147 يناير 2002.

[3] عبد الوهاب الأفندي : "كوميديا وتراجيديا الحرب على الإرهاب أفغانستان نموذجا 12، بيروت، شتنبر 2006"، ص : 12.

[4] أفغانستان : الموقف من الحرب على أفغانستان تاريخ الإضافة 03108/12، http://www.islamstory.com.

[5] محمد الهزاط : "الحرب الأمريكية البريطانية على العراق والشرعية الدولية"، المستقبل العربي، العدد 292، ص : 78.

[6] جعفر وفياء وجعفر نعمان : "أسلحة الدمار الشامل في العراق الاتهامات والحقائق"، المستقبل العربي، العدد 306، ص : 45.

[7] فرانك رايتش فيط : "جديد حول أسباب حرب العراق"، العدد 11068، بتاريخ 10/24/2005.

www.wajhat.com

[8] سيد أبو ضيف أحمد : "الهمينة الأمريكية : نموذج القطب الواحد"، عالم الفكر، العدد 3، المجلد 31 يناير مارس 2003، ص : 38-40.

[9] جعفر بنموسى : "مدخل لدراسة المشاكل السياسية"، الطبعة الثانية 2005، ص : 140-141.

[10] نعوم تشومسكي : "الحرب الوقائية ضد العراق الذي سيلازمه العار"، مجلة المستقبل العربي، العدد 11297/2003، ص : 37.

[11] اجتمع وزراء الخارجية العرب في 15 يوليوز 2006 لكي يعكس هذا الموقف خلافات حادة بين تيارين الأول تدعمه كل من السعودية ومصر ويحمل حزب الله المسؤولية عن ما حدث والتيار الثاني تمثله سوريا حيث أعلنت على ضرورة دعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية بلا حدود وأن الوقت ليس وقت لوم.

[12] خليل العناني : "النظام العربي من البنيوية إلى التفكيك"، قراءة في انعكاسات الحرب الإسرائيلية على لبنان، مجلة شؤون عربية، العدد 127 خريف 2006، ص : 59-67.

[13] عبد الرؤوف ستو باحث وأستاذ التاريخ في الجامعة الخاصة اللبنانية، الحرب الإسرائيلية اللبنانية 2006، الخلفيات والمواقف والأبعاد مجلة حوار العرب، سبتمبر 2006، ص : 36.

[14] محمد حيدر باحث في الفكر السياسي رئيس تحرير مدارات عربية نفس المرجع المقاومة اللبنانية أنهت زمن الحروب الإسرائيلية الخاطفة، نفس المرجع، ص : 49-50-51.

[15] توفيق المديني: "كاتب ومحلل سياسي من تونس"، نفس المرجع الحرب المتعددة الأبعاد، ص:66-67.

[16] العميد الركن الدكتور أمين محمد حفيظ : "الخلفيات والأهداف الإستراتيجية للحرب على لبنان"، http://www.aljazeera.net.

[17] عبد الرؤوف ستو : "الحرب على لبنان الأبعاد والخلفيات 2006"، المرجع السابق، ص : 36.

[18] باتريك سيل : "أهداف الحرب الإسرائيلية على لبنان 12/10/2008"، مركز الدراسات الدولي العرب وأمريكا، http://www.icaws.org/site.

التعسف في استعمال حق القوة في العلاقات الدولية

1 التغير القسري للأنظمة وخرق سيادة الدول :

يعتبر مبدأ الوطنية مبدأ قديما، قدم فكرة الدولة ذاتها أما السيادة فهي وضع قانوني ينسب للدولة عند توافرها على مقومات مادية من مجموع أفراد وإقليم وهيئة منظمة وحاكمة.

وتمثل السيادة في لغة القانون الدولي، ما للدولة من سلطان على الإقليم الذي تختص به بما يوجد فيه من أشخاص وأموال.

ومن مقتضيات هذا السلطان : أن يكون مرجع تصرفات الدولة في مختلف شؤونها إرادتها وحدها.

إلا أنه مع وجود القانون الدولي وكون الدول تربطها مصالح مشتركة مع بعضها، فإن ذلك فرض عليها نوعا من التعاون، بحيث ليس لدولة في سبيل تحقيق مطالبها الخاصة أن لا تكترث بمصالح الدول الأخرى بل يجب أن تكون ممارستها في حدود القانون الدولي وحدود تعهداتها والتزاماتها الدولية، لأن هذا لا يعني الانتقاص من سيادتها وفي هذا الإطار يتجه تطور الحياة الجماعية في المحيط الدولي، نحو التخفيف من حدة فكرة السيادة شيئا فشيئا، حتى يسهل التعاون اللازم بين الدول لنهوضها بالمهام الإنسانية الملقاة على عاتقها وفي مقدمتها صياغة السلم والأمن العام.

لقد كان مفهوم السيادة مبالغا فيه فمكيافلي مثلا جعلها في دورة القداسة إضافة إلى أراء أخرى في هذا المجال، كثيرة ومتعددة، كلها تقدس الدولة وتبرز ما لسياستها من أهمية وأولوية.

وعند نشأة عصبة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى، خطى العالم خطوة واسعة نحو تعاون الدول والحد من القداسة المفرطة لسيادتها بما قررته العصبة عن قيود التزمت بها الدول التي دخلت كأعضاء فيها كذلك فرض ميثاق الأمم المتحدة عدد من القيود المماثلة تهدد الدول الأعضاء في الهيئة بمراعاتها في تصرفها، وكلها قيود ليست فيها انتقاص من سيادة الدول الأعضاء أولا لأنها عامة، ثانيا لأن هذه الدول قبلتها عن طواعية واختيار.[1]

لكن السيادة في هذا العهد الجديد اهتزت إلى حد القول بأن فكرة السيادة في طريقها إلى النزول تحت تأثير المتغيرات الجديدة لتصل محلها فكرة المصلحة العامة، والدعوى إلى وجوب إخضاع مصلحة الدولة الخاصة للمصلحة العامة للمجتمع الدولي.

وهو ما حدا بالبعض إلى القول بأن دولة التنظيم المعاصر بالمفهوم الجديد للسيادة، قد باتت عضوا في المجتمع الدولي تتحرك ضمن حدود القانون وتلتزم بأوامره وتتعرض مثلما يتعرض الأفراد للزجر والتنبيه والعقوبات الأخرى عند الإخلال بالالتزامات الدولية.

بيد أن أحد لم يتصور قط أن يأتي يوم يصدر فيه هذا الزجر والتنبيه عن دولة من الدول، يفترض نظريا أنها متساوية قانونا مع الدولة التي قد يوجه إليها هذا الزجر والتنبيه أو العقاب.

وهذا تماما هو ما أقدمت وتقدم عليه الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، ضاربة عرض الحائط بمبدأ السيادة الوطنية، وبالمساواة في السيادة بين الدول وعدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول ولاشك أن انتهاء الحرب الباردة نتيجة لانهيار الاتحاد السوفيتي السابق وبوادر الخلاف المتعاقد بين الولايات الأمريكية وأوربا. قد أدى إلى محاولات أمريكية متواترة لتجاوز مبدأ السيادة في عدد لا يخص من الحالات واقترن ذلك بمحاولات تقنين هذا التجاوز.

ويمكن لنا في هذا السياق رصد الجهود الأمريكية لتعزيز مبدأ التدخل الإنساني واتخاذ حقوق الإنسان كذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى باعتبارهما محورين رئيسيين للعمل على تقويض ما تبقى من مبدأ السيادة الوطنية، وذلك على الأقل بالنسبة لشريحة لا يستهان بها من دول العالم الثالث، ويحدث هذا التدخل والتجاوز إما من خلال قرارات تصدرها الولايات الأمريكية المتحدة عن طريق مجلس الأمن، أو عن طريق الفصل المباشر من جانب الولايات المتحدة بل والتهديد العلني والمباشر لهذه الدول والمواقف الأمريكية الأخيرة من سوريا وإيران وكوريا الشمالية في غنى عن أي تعليق.[2]

وعندما يقف الرئيس الأمريكي بوش، ويطلب من رؤساء بعض الدول أو الحكومات ترك مناصبهم، أو عندما يدعو المسؤولون الأمريكيون إلى الأخذ بالنظم الديمقراطية في بعض الدول، هنا وهناك دون حل ودون أن ترتفع صيحات الإدانة قوية بالاعتراض على هذا التدخل السافر في أخص الشؤون الداخلية، فإن علينا أن نتساءل عما بقي حقا من مبدأ السيادة الوطنية في ظل الهيمنة الأمريكية.[3]

إن الأمر يبدو على أكبر درجات الخطورة، عندما يتعلق بإرساء السوابق الدولية التي يمكن تكرارها في العمل الدولي، بما قد يمهد السبيل لإرساء قواعد عرفية جديدة قد تنسخ القواعد القانونية المستقرة.

إن المجتمع الدولي الذي اعتاد أن ينصت اليوم لخطاب التهديد والوعيد الأمريكي الموجه إلى دول يعينها إذ لم تتمثل لأمور معينة، قد يعتاد مثل هذا الخطاب وقد ينظر إليه بعد بين طال أم قصر. على أنه أمر طبيعي معتاد ولا يجد عصاصة في تقبله كقاعدة من قواعد القانون.

وهنا تكمن الخطورة ويكمن التركيز الأمريكي على هذه الثغرة التي يحاول من خلالها أن يفترق ما بقي من السيادة الوطنية على اعتبار أن السيطرة الأمريكية على مقدرات العالم الراهن وإمساكها بزمام الأمور يفترض بالضرورة إضعاف مبدأ السيادة الوطنية إلى أبعد مدى بحيث لا يكون هذا المبدأ أمام انسياب قانون أمريكي جديد، يختلف في أسسه ومخالفته للقانون الذي وضعه المجتمع الدولي والعمل بموجبه والانصياع لأحكامه.

هذا القانون لا يتوقف طويلا أمام مبادئ السيادة الوطنية لا يلقى بالا للمساواة بين الدول، أو لوجوب الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية، ولكنه يكثر الحديث عن حقوق الإنسان وعن الدول التي لا تلتزم بتطبيق أحكام ومعايير حقوق الإنسان حسب التعريف الأمريكي ووجوب إنزال العقاب بها.[4]

2- الحرب على العراق كجريمة دولية وتكريس فعلي لواقع القوة في العلاقات الدولية :

لقد أطلقت عملية العدوان الأمريكي على العراق رصاصة الرحمة على منظومة الأمم المتحدة والتي بدأت احتضارها منذ عاصفة الصحراء، والتي ترجحت ميزان قوى دولية جديدة أفرزته نهاية الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي المندثر وأيلولة النظام الدولي إلى قطب واحد ووحيد هو الولايات المتحدة الأمريكية.

ولقد بدأت الأمم المتحدة تتلمس هذه الحقيقة في مطلع التسعينات من القرن الماضي وابتدأت تتلاءم مع الكثير من القضايا التي عرضت على مجلس الأمن.

لكن الولايات المتحدة سرعان ما انتقلت من طور استدراج الأمم المتحدة للبصم على قراراتها إلى طور تجاوز الأمم المتحدة ذاتها في تلك الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية تحت مظلة الأطلسي بعيدا عن أي إجازة قانونية دولية من الأمم المتحدة بالإضافة إلى حرب تدمير العراق الذي تعيش فيه اليوم.[5]

حيث عكست هذه الحرب أكثر من غيرها التطبيق الفعلي لعدم الاهتمام بالأمم المتحدة، عندما شنتها الولايات المتحدة على الرغم من فشلها في الحصول على قرار مجلس الأمن بهذا الصدد، مستهدفة بذلك الشرعية الدولية وإرادة المجتمع الدولي، مما وضع الأمم المتحدة أمام تحد خطير يمس اختصاصاتها ودورها بل ويرهن مصيرها ومستقبلها.[6]

3- تهميش مجلس الأمن في الحرب على العراق :

تعيش الأمم المتحدة بعد انتهاء الحرب الباردة كما سبقت الإشارة تهديدا عاصفا بما يشبه انقلابا عميقا في المركز والدور ومجال التدخل، ومن المؤكد أن جوهر هذه الأزمة التي تعاني منها الأمم المتحدة ومن خلالها القانون الدولي والشرعية الحربية يكمن بالأساس في طبيعة العلاقات التي شرعت الولايات المتحدة في تشكيلها غداة انفرادها بقيادة العالم دون منافس، أو رادع مما يؤشر لبداية تاريخ جديد للإنسانية إحدى مقوماته سيادة قانون الأقوى واستبعاد القانون الدولي التقليدي، وفرض الهيمنة المطلقة على الأسرة الدولية، كالولايات المتحدة الأمريكية بعد أن بزغت كدولة ذات نزعة إمبراطورية تتجه نحو تحويل مجلس الأمن الأداة التنفيذية للأمم المتحدة إلى هيئة أشبه بحكومة ديكتاتورية غير مسؤولة وغير شرعية أيضا معرضة لإصدار قرارات غير دستورية دون أن يكون في مقدور أي جهاز آخر أن يحرك أي نوع من أنواع الرقابة السياسية أو القضائية اتجاهه واتجاه الأعمال التي تمارس، سواء تحت عطائه أو بدونه والتي يكون سببها الرئيسي مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى إلى رسم سياسة تهدف في آخر المطاف إلى تهميش وإضعاف دور الأمم المتحدة، إن هي لم تساير توجهاتها التوسعية الإمبراطورية.

وقد تجلت معالم هذه السياسة في الحرب الأخيرة المعلنة على العراق بعد أن شنتها دون موافقة مجلس الأمن وفرضت احتلالا غير مبرر على دولة ذات سيادة وعضو بهيئة الأمم المتحدة، مما جعل دور مجلس الأمن يبدو باهتا ومتحاورا لم يتعد وظيفة تزكية وتوجهات القوى الكبرى كما كان عليه الحال إبان مرحلة الثنائية القطبية التي عان فيها المجلس، وهي مرحلة من الشلل في حركته وقدرته على التدخل بفاعلية لحل الأزمات الدولية، وهي مرحلة رأي بعض الباحثين أن انتهائها سيؤدي إلى تفعيل دور المجلس على عكس ما هو عليه اليوم خاصة أن غياب الفيتو السوفييتي سوف يعطى مجلس الأمن القدرة على التدخل في النزاعات الدولية، واتخاذ القرارات فاعلة بشأنها، وأنه سيكون قادرا على تنفيذ هذه القرارات، مدللا على ذلك بدوره في حرب الخليج الثانية.

لكن خبرة التسعينات أثبتت انحسار هذه الآمال فبعد أن كان المجلس خاضعا محكوما بالفيتو السوفييتي والأمريكي، فإنه خضع للقوة الأمريكية المنفردة، وغلبت عليه سمة الازدواجية بحيث أنه كان فاعلا فقط في النزاعات التي لا تتعارض مع المصالح الأمريكية.

أما في العديد من النزاعات التي تتعارض مع المصالح الأمريكية، فلم يتم بالدور الفاعل اتجاهها. وخاصة اتجاه النزاع العربي الإسرائيلي، حيث استخدمت أمريكا حق الفيتو اتجاه العديد من القرارات التي تدين العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين أو الشوكة التي قصدت ظهر البعير. فقد كان العدوان الأخير على العراق والذي كرس النظام الدولي أحادي القطبية، وأكد بأن لا معارضة دولية حقيقية تشكل تحديا للقوة الأمريكية، فالمعارضة الدولية التي تجسدت في موقف بعض الدول الكبرى فرنسا روسيا ألمانيا لم تتجاوز كونها معارضة سياسية ارتبطت بمصالح هذه الدول، ومدى تأثير هذه الحرب.

ما من شأنه أن يزيد من فعالية مجلس الأمن لأنه سوف يكون قادرا على التدخل في النزاعات الدولية واتخاذ القرارات بشأنها، وقادرا على تنفيذها.

لكن هذه الفعالية تتسم بغياب العدالة في كثير من النزاعات التي تكون الولايات المتحدة طرفا فيها أو ترتبط معها بمصالح.[7]

نخلص من كل ذلك إلى أن الأزمات الخطيرة التي مرت بها الأمم المتحدة تكاد كل مرة أن تعصف بمصداقيتها، وبدورها في حفظ التماسك الدولي والسلام العالمي تعرض التفكير من قبل متخذي القرار الدولي في إعادة النظر في هذه الهيئة وجهازها التنفيذي مجلس الأمن.

فطبيعة تشكيل المجلس حسب البعض تعكس الصبغة التي اصطبغت بها العلاقات الدولية غداة الحرب العالمية الثانية، والتي قسمت العالم إلى دول منتصرة وأخرى منهزمة، فترجم شكل هيئة دائرة الأقوياء بالمجلس، هذه الحقيقة التي تعززت بانشطار الدول إلى معسكرين معسكر اشتراكي ومعسكر رأسمالي.

لكن ومع تغيير الظروف الدولية بات إصلاح مجلس الأمن ليقوم بدوره في حفظ الأمن الجماعي مطلبا ملحا، وذلك من خلال مراجعة حق النقض الذي تنفرد به الدول الدائمة العضوية والذي يعد عقبة حقيقية أمام عمل المجلس وفتح المجال لدول أخرى كاليابان وألمانيا لتعطى بدور أكبر في المنظومة الدولية وبعض دول العالم النامي التي حققت نموا مهما في العقود الأخيرة.

ومن جهة أخرى، وعلى مستوى السلطة القرارية لمجلس الأمن تقتضي تحولات المشهد السياسي الدولي وإعطاء فعالية أكبر لقرارات المجلس بإسباغ الديمقراطية عليها وإيجاد آليات لتفعيلها بدل تركها رهينة مصالح الدول الكبرى التي تكيل بمكاييل متعددة إزاء القرارات الأممية حسب التوجهات الإيديولوجية والمصالح المتضاربة في عالم أصبحت فيه القوة العنصر المتحكم في العلاقات الدولية.

إن مثل هذه الحلول من شأن تطبيقها أن يساهم في عودة الأمن العالمي إلى نصابه لكنها فيما يبدو حلولا أقرب إلى الخيال منها للواقع. فالدول الخمس الكبار ستتخلى عن امتيازاتها التي يحققها الفيتو بسهولة ولا القطب الأكبر الولايات المتحدة سيقبل بإسباغ الديمقراطية على قرارات مجلس الأمن خاصة وأنه محكوم الآن أكثر من أي وقت مضى بمنطلقات المصلحة الخاصة والأنانية وفكرة التوسع الإمبراطوري.

فالقاعدة الثابتة في عمل الأمم المتحدة هي "إذا أردت استطعت" بمعنى أن الإرادة تسبق القدر.[8]

أي أن إصلاح الأمم المتحدة بخاصة محكوم بتوجه إرادة الطرف الأقوى نحو هذا الإصلاح لكن المؤكد أن هذه الإرادة لا توجد إلى حد الآن.

4- الاستخدام المفرط للقوة العسكرية وانتهاكات حقوق الإنسان :

لقد عرفت الحرب على العراق مظهر من مظاهر الاستخدام المفرط للقوة العسكرية وعدم مراعاتها للأوضاع الأمنية والإنسانية للشعب العراقي. فقد أرادت القوات الأمريكية في هذه الحرب إثبات نظرية الصدمة والرعب التي هيمنت على تفكير سلاح الجو الأمريكي منذ عقود، تقوم هذه النظرية على توجيه ضربات قوية للخصم منذ البداية بهدف القضاء على أنظمة القيادة والسيطرة لديه، وتدمير الدفاعات الجوية وإيقاع أكبر قدر من الخسائر لشل حركته والقضاء عليه من الضربة الأولى وبالفعل قامت القوات الأمريكية في اليوم الأول للحرب بإسقاط أكثر من 1300 قنبلة وقديفة صاروخية على بغداد ومدن عراقية أخرى، اشتملت الضربات أيضا 320 صاروخ من طراز توماهوك،[9]

وبالرغم من صعوبة تواجد المنظمات المهتمة بحقوق الإنسان بسبب الأوضاع الأمنية السيئة أثناء وبعد الحرب على العراق إلا أنه كانت هناك بعض الزيارات التي قامت بها هذه المنظمات، حيث عبر تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في 18 أبريل 2003 عن قلق المنظمة العميق إزاء تزايد عدد الإصابات في صفوف المدنيين في العراق نتيجة استخدام القوات الأمريكية للقنابل العنقودية في المناطق ذات الكثافة السكانية.[10]

هذا ما أكدته منظمة هيومن رايتش روتش التي قالت في تقرير لها إن القيادة الوسطى للجيش الأمريكي استخدمت 10782 من القذائف العنقودية التي قد تحتوي على 1,8 مليون قنبلة على الأقل كما استخدمت القوات البريطانية 70 قذيفة عنقودية أطلقت من الجو و2100 أطلقت من الأرض وتحتوي على 113190 قنبلة، ورغم أن شن الهجمات بالذخائر العنقودية محفوف بأخطار بالغة من المناطق الآهلة بالسكان، فقد عمدت القوات البرية الأمريكية والبريطانية إلى استخدام هذه الأسلحة مرارا في هجمات على المواقع العراقية في الأحياء السكنية.

في تقرير آخر، عبرت منظمة العفو الدولية عن قلقها بشأن بيان صادر من بول بريمر رئيس الإدارة المؤقتة في العراق 27 يونيو 2003 قال فيه "بأن اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 من المعيار الوحيد دو العلة المعمول به في سياق ممارسات الاحتجاز من جانب قوات التحالف، وإن هذه الاتفاقية تتقدم على سواها من اتفاقيات حقوق الإنسان شددت المنظمة على أنه يجب الالتزام أيضا بأحكام معاهدات حقوق الإنسان الأخرى التي يعتبر العراق طرفا فيها، وليس حوادث تم خلالها إطلاق النار على متظاهرين، مدنيين عراقيين على أيدي جنود أمريكيين مما تسبب في مقتل عدد من هؤلاء المتظاهرين كما أشارت المنظمة إلى أنها تلقت عددا من التقارير حول وقوع حوادث تعذيب أو سوء معاملة للمعتقلين العراقيين على أيدي القوات الأمريكية مثل الحرمان من النوم ووضع القناع على الرأس والوجه لفترات طويلة وتعريض المعتقل لأضواء ساطعة بالإضافة إلى وقوع حالات وفاة في الحجز تنتج معظمها عن حوادث إطلاق نار على أيدي قوات التحالف أو بسبب سوء المعاملة.[11]

ومن بين مظاهر انتهاكات حقوق الإنسان في العراق أيضا الغطرسة والتعالي التي يتعامل بها الجندي الأمريكي مع المواطن العراقي، مثل وضع الجنود أرجلهم على رؤوس العراقيين، وتفتيش المجندين الذكور لمواطنات عراقيات ولمس أجسادهن بطريقة مهينة.

لم تقتصر هذه الانتهاكات على الشعب العراقي فحسب فقط بل شملت أيضا الصحفيين العاملين في العراق، حيث تعرضوا للأذى من قبل القوات الأمريكية بدءا بالتوقيف والتفتيش مرورا بالاعتقال وانتهاء بالقتل. وقد أحصت منظمة صحفيون بلا حدود أعداد من قتلوا من الصحفيين في العراق خلال عام 12 صحفيا.[12]

إن هذه الممارسات تزيد من موجهة العداء المتصاعدة أصلا ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وتجعل الآخرين ينظرون إليها بأنها دولة متغطرسة لا تأبه بالأنظمة والقوانين الدولية، والسؤال المطروح لماذا تتصرف الولايات المتحدة على هذا النحو ؟



[1] محمد محفوظ ولد العبادي : "العلاقة بين القانون والواقع في الحرب على العراق"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، أكدال، الرباط، 2003-2004، ص : 108-109.

[2] بعد مقتل رفيق الحريري بدأت الولايات المتحدة تحشر أنفها في الشؤون الداخلية للبنان، وكأنها جزء من عائلة الحريري وذلك من أجل فرض أجندتها الخاصة، في كل من لبنان وسوريا متعاونة في هذا الخصوص مع المعارضين للوجود السوري في لبنان.

[3] الدكتور صلاح الدين عامر : "القانون الدولي في عالم مضطرب"، مجلة السياسة الدولية، العدد 153 يوليوز 2003، ص : 85.

[4] نفس المرجع، ص : 86.

[5] عبد الإله بلقزيز : "ندوة الحرب على العراق طبيعتها وتداعياتها المستقبلية"، مجلة نوافذ، عدد 20/21 سنة 2003، ص : 20.

[6] أنظر ندوة السيناريوهات والتطورات الدراماتيكية لسير العمليات العسكرية ضد العراق، مجلة دراسات شرق أوسطية رقم 23 سنة 2003، ص : 102.

[7] أحمد سيد أحمد : "الأزمة العراقية ودور مجلس الأمن في حفظ السلم والأمن الدولي"، مجلة السياسة الدولية، العدد 153 يوليو 2003، ص : 129.

[8] سعيد اللاوندي : "أمريكا في مواجهة العالم حرب باردة جديدة"، الطبعة الأولى 2003، ص : 135.

[9] ويسلي كلارك : "الانتصار في الحروب الحديثة العراق والإرهاب والإمبراطورية الأمريكية"، ترجمة عمر الأيوبي، بيروت دار الكتاب العربي، 2004، ص : 45.

[10] هاشم محمد السعيدي : "المفهوم الأمريكي للقوة الناعمة من خلال الحرب على العراق"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس، الرباط سنة 2004، ص : 36.

[11] وثيقة : العراق مذكر حول بواعث القلق المتعلقة بالقانون والنظام، منظمة العفو الدولية رقم الوثيقة 14/157/2003، بتاريخ 23 يونيو 2003، www.amnesty.arabic.org.

[12] محمد عبد العاطي : موضوع حقوق الإنسان، www.aljazzra.net.

التدخل في العلاقات الدولية

1- تعريف التدخل :

لقد كان التدخل في الأساليب الرئيسية التي استخدمتها الدول لاستعمال القوة في علاقاتها الدولية منذ القدم، وشهد مفهوم هذه الفكرة تطورا كبيرا بموجب الحلف الأوروبي المقدس، ثم تطورت الأفكار المتعلقة به إلى أن أصبح مظهرا غير مشروع من مظاهر استخدام القوة في العصر الحالي الراهن ويرى البعض أن أحسن طريقة لتعريف التدخل هي من خلال تعريف عدم التدخل، وفي هذا يقول تاليراند أن اللاتدخل كلمة تعني ما يعنيه التدخل.[2]

وأما كوست فيحاول تقديم تعريف أسهل للتدخل حيث يقول تدخل دولة في شؤون دولة أخرى يهدف إرادتها عليها، سواء كان الهدف إنسانيا أو غير إنساني.

ويرى محمد طلعت الغنيمي أن التدخل هو تعرض دولة لشؤون دولة أخرى بطريقة استبدادية وبقصد الإبقاء على الأمور الراهنة للأشياء أو تغييرها.

وأما كوريفين فيرى أن التدخل هو إخلال دولة لسلطتها محل دولة أخرى بقصد تحقيق أثر قانوني لا تستطيع دول أخرى بقية إرغامها على القيام بما تريد تحقيقه فإذا قابلت السلطة المحلية محاولات التدخل بالمقاومة المسلحة انقلب الوضع إلى الحرب.

2- مفهوم التدخل :

ويرى الدكتور فرتز غروب أنه من الصعب أو بالأحرى محاولة وضع تعريف للتدخل مستندا إلى نفيه في محاولة لوضع تعريف للحرب ولكن على الرغم من صعوبة وضع تعريف مانع وجامع لابد من محاولة جادة في هذا السبيل. وأحسن وسيلة لتحقيق ذلك هو وضع الإطار العام لهذا التعريف ومناقشته، ثم محاولة وضع التعريف المطلوب كما أن أورس شفارتز هو أول من وضع أول معالم هذا الإطار العام هي أن الغاية من التدخل تكون المحافظة من وجهة نظر التدخل على الأقل، على الوضع القائم، سواء كان من الناحية السياسية أو القانونية، وثانيا ميزان القوى بين الطرف المتدخل والطرف الآخر بشكل واضح في صالح الأول إذ لا يعقل أن يتدخل طرف ضعيف في شؤون طرف قوي وإلا واحة الحرب، وثالثا فإن التدخل هو عمل محدود بالوقت وبالوسائل ويمارس ضمن سياق العلاقات العامة الأخرى.

وأخيرا فإن التدخل يقع سواء كان بدعوى من قبل الجهة المعنية به أم لا، وذلك لأنه موجه للتأثير على البناء السياسي والاجتماعي للجهة الأخرى.

وهكذا فإن التدخل هو موقف أو كحل دو مدة تقوم بواسطته دولة أو منظمة دولية أو مجموعة من الدول بتجاوز أطراف العلاقة القائمة المتعارف عليها. وتحاول فرض إرادتها على دولة أو مجموعة من الدول في سبيل إجبارها على القيام بعمل ما، أو اتخاذ موقف معين سواء كان سياسيا أو معنويا أو قانونيا.

إن هذه التعاريف أعلاه تعالج موضوع التدخل بناء على دعوة الطرف الآخر حيث لا توجد في هذه الحالة فرض للإرادة من جانب آخر وبذلك تخرج هذه الحالة من مفهوم التدخل وتصبح مساعدة أو تعاون أو تنفيذ معاهدة أو بناء على التزام بموجب التحالف وما شاكل ذلك.

هذا ويميل البعض إلى توسيع مفهوم التدخل بحيث يشمل صورا كثيرة جدا في صور العلاقات بينما يميل البعض الآخر لإعطاءه مفهوما أضيق والتدخل ينطبق فقط على العلاقات بين الدول وليس بين الأفراد والأحزاب والجماعات السياسية أو المنظمات أو الجماعات الخاصة أو بين الدول، وإذا ما حدت التدخل من قبل مجموعات لا علاقة بها مع الدول المتهمة بالتدخل ويتمثل ذلك في أعمال التسلل وأعمال التخريب وحركات العصابات فمن الضروري معرفة وجود مثل هذه العلاقة مع الدول الأجنبية قبل إمكان وصف العمل بأنه تدخل.[3]

3- أهداف وغايات التدخل :

غالبا ما تكون الغايات المعلنة للتدخل غايات نبيلة وأهداف عليا تتذرع بها الدولة المتداخلة، فقد يكون ذلك بشكل نشر إديولوجية معينة أو عقيدة دينية معينة أو الحفاظ على الوضع القائم ضد الاضطرابات والفوضى ويمكن للباحث أن يجد أسس تلك الأفكار في حلف المقدس،[4] الذي عقد بالاستناد على الديانة المسيحية للتدخل ضد الحركات الثورية التي كانت تجتاح أوربا في بداية القرن التاسع عشر. ولقد بقيت فكرة التدخل موجودة لدى الدول الأوربية حتى بعد زوال أسباب قيام الحلف المقدس وإندثاره، فقد اعتبرت هذه الدول نفسها عند القدم ولاسيما بعد سنة 1848 لأنها الدول الأكثر تحضرا وإنسانية في العالم وأن الديانة والحضارة المسيحية يجب أن تسود العالم وعلى هذا فإن التدخل في سبيل نشر هذه الديانة والحضارة والثقافة كان هدفا ساميا يجب الالتزام به مما زاد في ذلك الاعتقاد ضعف وهزال الدولة العثمانية وطمع الدولة الأوربية في استعادة المناطق الأوربية التي كانت تحت سيطرتها مثل اليونان وبلغاريا وصربيا على أساس مساعدة سكانها المسيحيين.[5]

وقد كان التدخل أيضا يتم أحيانا من أجل الحفاظ على الهيبة الوطنية أو على حياة المواطنين الأجانب، كما حدث في الصين عام 1900 عندما أرسلت الدول العربية قوات عسكرية للحفاظ على سفارتها هناك من الثورة التي نشبت في الصين بعد إنقسام العالم إلى معسكرين، فقد أصبح لكل معسكر أهدافه ومبرراته الخاصة للتدخل، فالمعسكر الرأسمالي يرى أن أهداف التدخل المشروع هو نشر الديمقراطية والحرية وحق تقرير المصير بينما يضيف المعسكر الاشتراكي لذلك نشر الشيوعية والأفكار الماركسية اللينينية وتشجيع الثورات التحررية ومكافحة الثورات المضادة إلا أن الواقع الذي نلمسه اليوم يرينا أن كلا من المعسكرين يحاول تحقيق مصلحته الذاتية وراء التستر بهذه القيم والأهداف المعلنة.

4- القانون الدولي لا يقر التدخل المنفرد :

إن الحجج والأسانيد القانونية التي يبديها مؤيدوا التدخل الإنساني تغض الطرف عن حقيقة الممارسة الدولية والموقف الفعلي لمختلف الصكوك الدولية المتعلقة باستخدام القوة يضاف إلى ذلك أن نظرية التدخل وأسانيدها الدائمة لها تقرأ القواعد والمبادئ الدولية المعمول بها قرأت مجزأة وانتقائية، فتقييم استخدام القوة بشكل منفرد لأغراض إنسانية لا يتم إلا من خلال الموازنة بينه وبين عدد من المبادئ الأساسية المستقرة في القانون الدولي مثل مبدأ تحريم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مبدأ وجوب تسوية النزاعات الدولية سلميا ومبدأ تحريم وحدة أراضي الدولة واستقلالها السياسي.[6]

كما تتضمن أسانيد التيار المؤيد للتدخل الإنساني وإنكار وإهدار واضح لمقررات الجمعية العامة التي تحرم استخدام القوة في العلاقات الدولية تعريفا شاملا بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة. يستثنى الإعلان رقم 2625 الخاص بمبادئ القانون الدولي المحصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة من نطاقه الحق في التدخل ولا يتضمن لحد الآن أي نص يتعلق بالتدخل الإنساني تؤيد توصيات الجمعية العامة رقم 3314 سنة 1974 الخاصة بتعريف العدوان في المادة الخامسة منها ما ورد في إعلان العلاقات الودية رقم 2625 سنة 1974 حيث نصت على "ما من اعتبار أيا كانت طبيعته سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أم عسكريا أو غير ذلك يصح أن يتخذ مبررا لارتكاب عدوان".

تتنكر الأسانيد القانونية الداعمة لنظرية التدخل الإنساني لمضمون حكم محكمة العدل الدولية في قضية الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضدها فقد رفعت المحكمة فكرة التدخل الإنساني العكسري.[7]

لقد أوضحت المحكمة هذه القضية أن استخدام القوة ليس أسلوبا مناسبا لضمان احترام حقوق الإنسان من قبل الدول.[8]

فليس ثمة تناسب بين استخدام القوة وبين العمل من أجل ضمان احترام الحقوق الأساسية في الدول الأخرى فعادة ما يؤدي استخدام القوة حتى لو كان لأغراض إنسانية محضة.[9]

إن حكم المحكمة قاطع في دلالته، ولا محال لتأويله أو لوصفه إلا بأنه رفض كامل وصارم لأي ادعاء بوجود حق يجيز للدول استخدام القوة بغية ضمان احترام حقوق الإنسان الأساسية كما يتعذر النظر إلى هذا الحكم بأنه تمرة فشل الولايات المتحدة في إثبات توافر الغايات الإنسانية الرافعة لها للقيام بأعمالها العسكرية ويستنتج من الممارسات العملية للدول الخاصة بالقرار 688/1991 أن الغرض الإنساني لم يكن هو الدافع الأساسي لهذه الممارسة كما أن التدخل لا يستند إلا لنظرية التدخل الإنساني إلا جزئيا وفي بداية الأمر دون أي سند قانوني أما حجتها الأساسية في تبرير تدخلها فإن يرتكز على قرار مجلس الأمن ثم تتذرع بعد ذلك بالدفاع عن النفس فنظرية التدخل لا حجة لها ولا دريعة لها وحدها ولهذا فإن التدخل المنفرد فإنه يعتبر صورة من استخدام القوة ترتكز له الدول في تدخلاتها مثل تدخل حلف شمال الأطلس في كوسوفو عام 1999.

5- إعلان الأمم المتحدة لتحريم التدخل :

تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة لمشروع قرار أعلنت فيه عن نيتها لمنع التدخل، وذلك في الوقف الذي كان فيه العام يشهد فيه الكثير من حالات التدخل مثل تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في فيتنام، ولم يكن هذا الإعلان ميثاقا جديدا ضد التدخل إذ لم يقدم أي قواعد قانونية جديدة فلم يزد عن كونه تأكيدا على المبادئ الأساسية المعروفة لعدم التدخل ولقد أشار الإعلان وفي مقدمة المواثيق المنظمة الإقليمية مثل منظمة الدول الأمريكية وجامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية كما أكد على قرارات مؤتمر باندونع، ومؤتمر رؤساء الدول عدم الانحياز المعقود سنة 1961 في بلغراد إلى أن الجزء المهم من هذا القرار ينص على أن لكل دولة الحق في اختيار نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون أي تدخل في أي دولة أخرى ولا يحق لأية دولة أن تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر لأي سبب مهما كانت الشؤون الداخلية والخارجية لأية دولة أخرى، لذا فالتدخل المسلح وكافة الأشكال الأخرى المدخلات والتهديدات ضد شخصية الدولة أو ضد نظامها السياسي أو الاقتصادي والثقافي تعتبر مدانة وعلى جميع الدول أن تمتنع عن تنظيم ومساعدة تحويل وتشجيع الفعاليات المسلحة ذات الطبيعة الإرهابية أو العصيانية التي تهدف إلى تبديل نظام الحكومة دولة أخرى بالقوة أو بالتدخل في المنازعات الداخلية لدولة أخرى لا شيء في هذا الإعلان ينبغي أن يؤثر بأي شكل من الأشكال على تطبيق سواء ميثاق الأمم المتحدة لإدامة السلم والأمن العالمي وخاصة تلك المواد الواردة في الفصل السادس والسابع والثامن.

إن جوهر هذا الإعلان تم تبنيه من قبل أكثر من مائة دولة هو إدانة التدخل الفردي للدول بكافة جوانبه وأشكاله إن التركيز على عدم مخالفة في احتلال التدخل الجماعي من قبل هيئة الأمم المتحدة محل التدخل الفردي.

وأخيرا لابد من الإشارة إلى المادة 52 من الميثاق، التي منحت المنظمات الإقليمية الحق في معالجة القضايا المتعلقة بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين في مناطقها الخاصة.[10]

وهي بذلك تتساوى في صلاحية استخدام التدخل الجماعي المعطاة ومنظمة الدول الأمريكية ومنظمة الوحدة الأفريقية ولها جميعا إمكانية التدخل الجماعي لحفظ السلم والأمن الدوليين وتتمتع القوات التابعة لها بميزة ارتداء الملابس والعلامات المميزة لقوات الأمم المتحدة.

6- التدخل الجماعي والتدخل الفردي :

لاحظنا أن القانون الدولي التقليدي كان حتى نهاية الحرب العالمية الأولى يعترف بحق التدخل بصورة منفردة، لذا كان بإمكان أية دولة عند توفير بعض الظروف، أن تتولى تطبيق القانون كما تشاء وأما الفقرة الكائنة بين الحربين، والتي شهدت نشوء وسقوط عصبة الأمم ومحكمة العدل الدولية الدائمة، فيمكن اعتبارها بمثابة فترة انتقال حيث سادت الشكوك حول حق الدول الكبرى في التدخل وبعد ظهور الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والمنظمات الدولية أصبح التدخل يعتمد على فكرتين أساسيتين هما :

1- أن المساواة بين الدول بغض النظر عن حجمهما ونفوذها أصبحت قاعدة أساسية. وذلك على الرغم من الحقيقة السياسية ووجود العملاقين وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية إذ لم يعد بإمكانهما الهيمنة على العالم بشكل كامل. وإن أي قاعدة قانونية دولية لا تنطبق على جميع الدول بالتساوي ولا تعتبر قاعدة صالحة وهكذا أصبح على الدول الكبرى أن تسمع رأي الدول الصغرى، وأن تأخذ به وأصبحت الدول الصغرى والشعوب التي كانت ضعيفة ومغلوبة على أمرها ومستعمرة ذات تأثير على الأمم المتحدة وذات كلمة مسموعة ولها دور كبير تلعبه في المحافل الدولية.

2- إن وسائل حماية مصالح الدولة قد تطورت وتوسعت وتحسنت كثيرا ويتوقع من الدول أن تستفيد من الإمكانيات المتاحة لها من قبل الأمم المتحدة لتنفيذها ولقد أصبحت فكرة سيادة الدولة، فمن مفهوم عدم التدخل فكرة مطلقة تقريبا إذا ما نظر إليها من الجانب السلبي، أي جانب عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، أما الجانب الإيجابي فإن سيادة الدول أصبحت محدودة من حيث إمكانية تطبيق نظام الأمن الجماعي المنشار إليها سابقا.

وهكذا أصبح التدخل من قبل دولة منفردة بشؤون أخرى يعتبر إجماع الدول أمرا ممنوعا وغير مشروع ولكن نظرا لأن التسويات وأحيانا الإكراه يبقى ضروريا إلى درجة ما في البيئة الدولية فإن الحل يكمن في فكرة الحل والتدخل الجماعي لذا فالتدخل الجماعي الذي يتم ضمن إطار منظمة دولية معترفا بها، لقيادة قوة مشتركة لصياغة السلم والأمن الدولي يمكن أن يعتبر مشروعا وفي الفقه القانوني الدولي والممارسة الدولية المعاصرة لا يعتبر التدخل مشروعا إلا إذا تم بالنيابة عن الأمم المتحدة أو المنظمات المنظمة على غرارها.[11]

[1] عبد القادر القادري : "القانون الدولي العام"، الطبعة الأولى، 1984، الرباط، ص : 329.

[2] سمير عبد العزيز المزغني : "النزاعات المسلحة في القانون الدولي وطبيعة الحرب اللبنانية"، رسالة ماجيستير في القانون، كلية القانون والسياسة جامعة بغداد 1978، ص : 213-221.

[3] علاء الدين مكي خماس : "استخدام القوة في القانون الدولي"، رسالة الماجيستير، كلية القانون والسياسية بغداد سنة 1982، ص : 119-120-121.

[4] الحلف المقدس عقد سنة 1815 بين روسيا والنمسا وبروسيا وبريطانيا.

[5] Swards into plans hares the problems progress of international organization, N.Y, 1959, p : 87.

[6] غسان الجنحي : "حق التدخل الإنساني"، عمان دار وائل للنشر 2003، ص : 56 وما بعدها.

[7] محمد خليل الموسى : المرجع السابق، ص : 36-37.

- بدل مؤيدو التدخل الإنساني جهودا لإثبات ارتكاب المحكمة حكمها هذا خطأ في تفسير القانون أو لإثبات أن الحكم كان متعلقا بوقائع محددة بعينها وأنه لا يتجاوز حدود الوقائع والدفوع المتعلقة بالقضية المنظورة أمام المحكمة.

[8] لقد أوضحت محكمة العدل الدولية حكمها هذا الآتي إذا كانت الولايات المتحدة تملك إمكانية تقييم أوضاع حقوق الإنسان في نيكاراغوا فإن استخدام القوة لا يشكل الوسيلة الملائمة أو الفعالة لضمان احترام هذه الحقوق فالحجة المستندة إلى تبرير التدخل العسكري في نيكاراغوا بالمحافظة على احترام حقوق هذه الدولة لا تتشكل سندا أو مسوغا قانونيا لسلوك الولايات المتحدة فحماية هذه الحقوق لا تتفق مع تدمير المنشآت وتلغيم الموانئ.

[9] غسان الجندي : المرجع السابق، ص : 58 وما بعدها.

[10] الفقرة 1 من المادة 52 من ميثاق الأمم المتحدة.

[11] SORENSEN Max : "Manual of public international law", N.Y, 1968, p : 580

الاستثناءات التي ترد على منع استخدام القوة في العلاقات الدولية

بالنظر لحالة المنع التام لاستخدام القوة في العلاقات الدولية على الوجه المحدد في ميثاق الأمم المتحدة كما سبق بيانه في المطلب السابق، كأن الاستثناءات التي ترد على المبدأ جميعها تأتي كرد على استخدام غير المشروع للقوة، غير أنها تختلف من حيث المصدر وهدفها وشروط قيامها، فعندما تتعرض الدولة لهجوم مسلح، فإن الميثاق لا يمنع شك الدولة من استخدام القوة في شكل دفاعي فردي أو جماعي عن النفس، غير أن هذا الاستخدام ينحصر فقط في الحدود الدفاعية وذلك إلى أن يصل محل الدولة المدافعة مجلس الأمن. وأن فعل مجلس الأمن على هذا النحو لا يعتبر من قبيل الأعمال الدفاعية بل هو دو طبيعة قسرية، وهدفه المحافظة على السلم والأمن الدوليين وإعادتهما إلى نصابهما غير أن معيار التمييز الأساسي بين الفعلين هو أن مجلس الأمن يجب أن يستند إلى التفويض ويجب أن يكون صريحا وواضح وفق ما تقتضيه قواعد الفصل السابع أو قواعد الفصل الثامن من الميثاق، عندما يتعلق الأمر بفعل إقليمي، أما بخصوص فعل الدفاع عن النفس سواء معه الفردى أو الجماعي، أو الفعل ضد دولة عدو سابق، فإن الأمر لا يحتاج إلى تفويض من مجلس الأمن، حيث يقوم الحق بمجرد تعرض الدولة الضحية لحالة عدوان مسلحك وسوف نتناول هنا مسألة الدفاع الشرعي عن النفس أو الدفاع عن النفس.

1- الدفاع عن النفس :

إن الاستثناء المهم الذي ورد به نص صريح في ميثاق الأمم المتحدة خروجا على مبدأ تحريم استعمال القوة في العلاقات الدولية، هو الدفاع الفردى والجماعي عن النفس.[1]

بحيث تعترف كافة النظم القانونية بحق الدفاع النفسي، وهو حق معترف به مادام القدم ومازال كذلك في ظل ميثاق الأمم المتحدة، ويرى بورت أن هذا الحق في المجتمعات البدائية يكون بيد الأفراد والدول لاستخدامه كما يرونه مناسبا. أما في المجتمعات الناضجة والمتقدمة، فإن استخدام هذا الحق يكون من صلاحية منظمة مركزية عالمية كعصبة الأمم أو هيئة الأمم المتحدة، ومع هذا فإن استخدام القوة للدفاع عن النفس يعتبر حقا استثنائيا بالنسبة للمنع العام لاستخدام القوة الوارد في الميثاق، وفي بعض الأحيان يكون من المناسب تحويل الدول استخدام هذا الحق، بعض النظر عن الصلاحيات المعطاة إلى المنظمة المركزية العالمية وذلك لوجود بعض الظروف القسرية والتي تؤثر بشكل مباشر على الدول المعنية، وعليها حماية نفسها بنفسها ولم يوضع لحد الآن أي تعريف مقبول بشكل عام لحق الدفاع عن النفس وإن كانت هناك محاولات في هذا السبيل.

ويرى مؤيدو القانون الطبيعي مثل كروشيوش وبيلي وجنتلي وفيتوريا أن حق الدفاع عن النفس هو أحد الأسباب عن الحرب العادلة أو أنه أحد الأسباب العادلة للحرب، وأن القانون الطبيعي لا يؤيد هذا الحق فقط بل إنه يأمر الدول لممارسته، وفي هذا يقول وولف على أي شعب أن يحمي نفسه وأن الجموع يعتمد على الأفراد في تأمين متطلبات الأمن والسلام ولكن بورت يرى أن الطريقة الأسلم لتعريف الدفاع عن النفس هي في تعداد أو تعريف الحقوق أو الأمور التي تلجأ الدول لحمايتها بواسطة حق الدفاع عن النفس وهو يرى أن هذه الأمور هي حق السلامة الإقليمية وحق الاستقلال السياسي وحق جماعة المواطنين وحق جماعة المصالح الاقتصادية ومهما كان فإن الأمر جوهر حق الدفاع عن النفس، هو وقوع خطأ ما بحق الدولة المعنية تحقق بموجبه مسؤولية الدولة المخطئة.[2]

2- طبيعة حق الدفاع عن النفس :

إن كافة الشرائع الداخلية للدول تنظم حق دفاع الأفراد عن أنفسهم ويختلف نطاق ومجال استخدام ذلك الحق حسب درجة نضج النظام القانوني الذي ينظمه، إذ عمد في الأنظمة القانونية التي لم تبلغ درجة كبيرة من النضج وتركت هذا الحق دون قيود بينما من الشرائع التي بلغت رقيا وتقدما نجد أن هذا الحق مقيد بقيود كثيرة وهذا الأمر قد يضعف من شأنه ويقلل من أهميته.

ومن المستقر عليه أن سلطات المجتمع الرسمية هي المسؤولة الوحيدة عن حماية حقوق الأفراد داخل المجتمع وصاحبة الحق الأصيل في استخدام القوة وفق أحكام القانون، وتأسيسا على ذلك يمتنع على الأفراد استخدام القوة إلا خضعوا لأحكام القانون وفرضت عليهم عقوبات التي ينص عليها القانون لما كان ذلك فإن حق الدفاع عن النفس يعتبر حقا استثنائيا وأراد على الأصل العام الذي يقضي بتحريم ممارسة القوة داخل المجتمع ويستند الحق في الدفاع عن النفس في قيامه إلى وجود ظروف حتمية تتطلب إجراء الخطوات الأولى لحماية الحق والنفس بمعرفة الأفراد، وذلك إلى حين تدخل سلطات الدولة، وعلى ذلك فهناك شبه إجماع بين الأنظمة القانونية على تنظيم هذا الحق.

وإذا ما نظرنا إلى المجتمع الدولي كحدة يتميز بضعف ونقص في هيئاته التي تفضل ضمان تنفيذ القانون عن طريق الإجبار والتي تضمن الحقوق الدولية المعترف بها قانونا أما ذلك نجد الدول ذات السيادة تقوم بما يجب أن تقوم به تلك الهيئات، وذلك وفق نظرية ازدواج الوظيفة لذلك فإن الحق في الدفاع عن النفس يعد حقا هاما لكل عضو في المجتمع الدولي.

وفي تطور المجتمع الدولي المستمر نجده يتجه شطر إقامة هيئات دولية تتعاون الدول من خلالها من أجل حفظ السلام والأمن الدوليين وفي سبيل ذلك تتنازل الدول عن بعض مظاهر سيادتها، وقد صاحب ذلك التهديد بها في ميثاق الأمم المتحدة.

يضاف إلى ذلك أن المناقشات التي دارت أثناء وضع الميثاق منها الرغبة في هيمنة المنظمة على جميع صور استخدام القوة، لذلك أصبح ضروريا النص على الحق في الدفاع عن النفس وتنظيم مباشرته وهو ما حدث بالفعل إذ نظم الميثاق الحق في الدفاع عن النفس في مادته 51، وترجع الحاجة إلى تنظيم مباشرة ذلك الحق وتحديد نطاقه إلى أن عدم القيام بذلك سيجعل مبدأ الامتناع عن استخدام القوة المسلحة لغوا.

ولما كان ما تقدم فإن الحق في الدفاع عن النفس الذي ينظمه ميثاق الأمم المتحدة بعد استثناء من مبدأ الامتناع عن استخدام القوة المادة 2 فقرة 17 من ميثاق الأمم المتحدة.[3]

3- الدفاع الجماعي عن النفس :

بين ميثاق الأمم المتحدة في المادة 51 إن للدولة الحق في الدفاع الجماعي عن نفسها وإن للدول المعتدى عليها. أن تطلب معونة الدول الأخرى لصد العدوان ولقد أثار ذلك سؤالين الأول هل يشترط وجود معاهدة بين الدول لطلب المعونة ؟ والثاني هل يجوز لدولة أن تتقدم بالمعونة العسكرية دون طلب من الدولة الأخرى ؟

وبالنسبة للسؤال الأول فقد أثير خلاف حول حق الدولة في طلب المساعدة دون معاهدة فيرى البعض استبعاد فكرة حق الدول في مساعدة بعضها البعض دون الرجوع إلى مجلس الأمن لأن ذلك يجعله في المرتبة الثانية من حيث المحافظة على السلم والأمن الدوليين ويرى آخرون أن لا قيود على هذا الحق حيث أنه ورد مطلق في الميثاق، لذا ينبغي إبقاء المطلق على إطلاقه ما لم يتم تحديده.

إلى أنه هناك فرق بين الإجراءات الجماعية التي يتخذها مجلس الأمن الدولي وبين الدفاع الجماعي، إن هذا الأخير تلجأ إليه الدول. وهو إجراء تتخذه الدول للدفاع عن نفسها بموجب مسؤولياتها الخاصة ضمن تحديدات المادة 51 من الميثاق.

أما الإجراءات الجماعية التي يتخذها مجلس الأمن فتكون تحت مسؤولية الأمم المتحدة وتتم إما بشكل العقوبات أو الأعمال القسرية وهي موضحة في المادة 1، الفقرة الأولى و24، 39-41-42 من ميثاق الأمم المتحدة.[4]

المادة 58 من ميثاق الأمم المتحدة.

والمادة 53 من ميثاق الأمم المتحدة.

4- الشروط الخاصة بالدفاع عن النفس الجماعي :

من المعلوم أن استخدام القوة لأغراض الدفاع عن النفس الجماعي ليس شائعا في الحياة الدولية، فالدول تنأى عادة عن المشاركة في النزاعات المسلحة ليست طرفا فيها، وبالرغم من أن الحياة الدولية المعاصرة شهدت إبرام عدد كبير من معاهدات الدفاع المشترك والتحالف العسكري، إلا أن ممارسات الدول وسلوكها الحقيقي لا ينمان عن الرغبة في استخدام القوة ضمن إطار الدفاع عن النفس الجماعي، فحالات كهذه كانت محدودة نسبيا ومعدومة ومن المسائل المثيرة للاشتباه أن الدفاع عن النفس الجماعي في حالات عديدة كغطاء لدعوى قوات أجنبية قبل أن يكون هناك هجوم مسلح، وذلك على أمل أن يكون الدفاع عن النفس الجماعي ضروريا في المستقبل، وبمعنى آخر يستفاد من رصد واستقراء أغلب حالات الدفاع عن النفس الجماعي أن هذه الصورة من صور الدفاع عن النفس كانت وسيلة للحيلولة دون وقوع هجوم مسلح أو من باب الاحتياط، وكان استخدام القوة العسكرية من حالات نادرة واستثنائية من حالات الدفاع عن النفس الجماعي يقع خارج الحدود الإقليمية للدولة "الضحية".

يحاط الدفاع عن النفس الجماعي بعدد من الصعوبات والتساؤلات المعقدة، فإذا كان من اليسر التمييز نظريا بين الدفاع عن النفس الجماعي وبين المساعدة العسكرية التي قد تقدمها دولة إلى دولة أخرى نتيجة طلب من هذه الأخيرة للرد على تدخل خارجي تعرضت له، فإنه يصعب من الناحية العملية الفصل أو التمييز بينهما فالخط الفاصل بينهما قد يدق أحيانا إلى درجة كبيرة، ولا تغدو الشواهد المعدودة على الدفاع عن النفس الجماعي من خلاف وجدل واسع حول قانونيتها، ولا يرجع هذا الخلاف إلى جواز استخدام القوة في إطار الدفاع عن النفس الجماعي فض السواد الأعظم في هذه الحالات أثيرت تساؤلات حول توافر شرط الهجوم المسلح وحول توافر طلب فعلي أو حقيقي بالمساعدة من جانب الدولة الضحية كما أثير تساؤل حول جدة وأصالة نظرية الدفاع عن النفس الجماعي فقد أدخلت النظرية ضمن ثنايا ميثاق الأمم المتحدة في إطار الفصل السابع منه، وهو ما دفع بعض الكتاب إلى اعتبارها نظرية جديدة وليست سابقة الوجود على الميثاق. ومن الصعوبات الأخرى التي تثار بشأن الدفاع عن النفس الجماعي مسألة تحديد طبيعة هذا الحق فهل هو حق مستقل يخول دولة ثالثة استعمال القوة دفاعا عن دولة ضحية لهجوم مسلح أو أنه ينطوي على جملة من الحقوق الخاصة بدفاع عن النفس فردى لا يجوز إهماله أو ممارسته إلا إذا كانت الدولة الثالثة هي ذاتها ضحية للهجوم المسلح وما هي الشروط الإضافية الواجب تحققها لممارسته وهل يشترط لذلك وجود معاهدة سابقة ؟

إن ممارسة الدفاع عن النفس الجماعي مرهونة بتوافر الشروط والمتطلبات ذاتها الواجب توافرها للدفاع عن النفس الفردى لكنه يتطلب إضافة لهذه الشروط عددا من الشروط الأخرى من صدور إعلان من الدولة الضحية يقضي بتعرضها لهجوم مسلح طلب الدولة الضحية المساعدة من دولة ثالثة وشرط المصلحة أو وجود اتفاق مسبق بين الدول الضحية والدولة الثالثة للدفاع المشترك.[5]

5- ممارسة الدول لحق الدفاع عن النفس ضد دولة أخرى لحماية حقها في الاستقلال السياسي :

تلجأ الدولة إلى هذه الممارسات إذا ما قامت الدول الأخرى بتجاهل واجب عدم التداخل المشار إليه، وتدخلت بشؤون الدولة الأولى، وحيث أن حق الاستقلال السياسي وواجب عدم التدخل ليس حقان مطلقان، لذا فإن مشروعية اللجوء إلى الدفاع عن النفس لجماعة حق الاستقلال السياسي تكون نسبية. إذا ما وجدت مبررات مشروعة لتدخل الدولة الأخرى وهناك بعض التحديات المفروضة في حق الدفاع عن النفس لحماية حق الاستقلال السياسي، ولعل أهمها هو الحق المعطى إلى مجلس الأمن للتدخل في سبيل الصالح العام للمجتمع الدولي.

صحيح أن الفقرة السابعة في المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، تمنع الأمم المتحدة من التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لكنها تعود وتشير إلى أن هذا المنع لا يسري على تطبيق الإجراءات القسرية بموجب الفصل السابع من الميثاق أما التحديد الثاني فهو حق الدفاع عن النفس المعطى للدول الأخرى الأمر الذي يجعل ممارسة الدفاع عن حق الاستقلال السياسي مشروطا بأن يكون الخطر الذي يهدده حالا. وعدم تسير وسيلة بديلة أخرى لتجنبه، وإن الإجراءات المتخذة من قبل الدول يجب أن تكون متناسبة مع الخطر الناتج عن تصرفات الدول الأخرى ويعتبر الشرط الأخير أهم الشروط الواجب ملاحظتها إن هذا يعني أنه إذا كان الخطر قد نتج عن جراء قيام الدولة الأولى باستعمال القوة أو التهديد بها ضد الاستقلال السياسي للدولة فإن استخدام الدولة الثانية للقوة أو التهديد بها، وبشكل متناسب مع الخطر للدفاع عنها وعن نفسها يكون دفاعا مشروعا عن النفس.

6- ممارسة حق الدفاع عن النفس من قبل الدول ضد الأفراد :

قد تحدث بعض المواقف التي ينشأ عنها التهديد ضد الاستقلال السياسي للدولة جراء تصرف أفراد أو مجموعات لا تكون لأية دولة مسؤولة عنهم وأحسن مثال على ذلك يظهر عند قيام الدولة المعنية باتخاذ إجراءات المحكمة لتنفيذ التزاماتها بموجب القانون الدولي، لكنها غير كافية لمنع هؤلاء الأفراد من تنظيم أو القيام بحملة أو عند قيام مجموعة من الأفراد موجودة في إقليم دولة ما، بتنظيم أو تنفيذ حملة أو أعمال أخرى من شأنها المساس مباشرة بالاستقلال السياسي لدولة أخرى على الرغم من قيام الدولة الأولى باتخاذ كل من يمكنها من إجراءات لمنعهم، أو لتنفيذ التزامات بموجب القانون الدولي لمنع انطلاق مثل هذه الأعمال من إقليمها أي بمعنى آخر إن الإجراءات المتخذة من قبل الدولة الأولى تكون غير كافية لمنع هذه الجماعات من تنفيذ مقاصدها في مثل هذه الحالات، لا تكون الدولة التي تجري مثل هذه الفعاليات على إقليمها، قد خالفت القانون الدولي، أو خرقت أي من التزاماتها الدولية، لذا لا يجوز توجيه أي عمل من أعمال الدفاع عن النفس ضدها من قبل الدولة الأخرى التي تعرض استقلالها السياسي للخطر إن هذا لا يعني أن الدولة الضحية يجب أن تبقى مكتوفة الأيادي أو عاجزة عن اتخاذ أي إجراء لحماية نفسها قد تلجأ لاتخاذ أعمال أو إجراءات للدفاع عن النفس إلا أن هذه الإجراءات يجب أن توجه ضد الأفراد والمجموعات المسؤولة عن الأفعال المشار إليها وليس ضد الدولة الأولى وفي هذه الحالة تكون حالة الضرورة هي المبرر لاتحاد هذه الإجراءات وليس حق الدفاع عن النفس على أن تكون الضرورة ملحة، وأن لا يتوفر وقت للتفكير والتدبير وإجراءات أخرى.[6]



7- الدفاع الجماعي العربي :

عالج ميثاق الجامعة العربية هذا الموضوعة في المادة 6 منه : "إذ نصت إذ وقع اعتداء من دولة على دولة من أعطى الجامعة أو خشى وقوعه فالدولة المعتدى عليها، أو المهددة بالاعتداء أن تطلب دعوة المجلس للانعقاد فورا".[7]

ولكن بعد إنشاء الكيان الصهيوني، وشعور الدول العربية بالخطر، عقدت معاهدة الدفاع المشترك، التي نظمت بشكل مفصل إجراءات الدفاع الجماعي للدولة العربية. وإن كان ذلك بحاجة لإعادة نظر الآن، وقد جاء في ديباجتها، أن الغاية الأساسية هي صياغة الأمن والسلام، وفق مبادئ الجامعة العربية، وميثاق الأمم المتحدة وأهدافها.

لقد بينت المادة الثانية من المعاهدة، أن كل اعتداء مسلح على أي دولة أو أكثر أو على قواتها يعتبر اعتداء على الجميع، لذا التزم الدول عملا بحق الدفاع الشرعي –الفردي والجماعي- عن كيانها أن تبادر بمعونة الدول المعتدى عليها بكافة الوسائل الممكنة بما في ذلك القوة المسلحة، لرد العدوان وإعادة الأمن والسلم إلى نصابه على أن تخبر مجلس الجامعة ومجلس الأمن بوقوع الاعتداء والإجراءات المتخذة.[8]

ويبدو أن الدول العربية كما ظهر من التطبيق لم تهتم أو لم تعتقد بأهمية هذه المعاهدة وأن نظام الدفاع العربي الجماعي، لم يوضع موضع التطبيق الجدي، على الرغم من الاعتداءات المتكررة للكيان الصهيوني وغيره، على الدول العربية لذلك فالحاجة ملحة لإعادة أنظر في المعاهدة وبمفهوم الدفاع العربي المشترك ككل.[9]

: الواقع الإقليمي لاستعمال حق القوة في العلاقات الدولية

التغيرات الإقليمية هي تصرف أو مجموعة من التصرفات أو الأفعال تتخذها دولة أو أكثر حيال دولة أو أكثر أو حيال شعب أو أكثر من شأنها انتهاك قاعدة دولية آمرة أو ملزمة تنظم مركزا قانونيا أو تنشئ حقا دوليا معترفا به.

وتتعدى صور التغيرات الإقليمية غير المشروعة فقد تأخذ شكل حرمان شعب من الشعوب من ممارسة حقوقه المشروعة المقررة له وفق مواثيق والإعلانات الدولية كحقه في تقرير المصير أو منعه من ممارسة حقه في أن يعيش في مجتمعه دون تمييز أو تفرقة بسبب عونه أو جنسيته أو معتقده، على أن أهم صورة من صور التغيرات الإقليمية غير المشروعة هي سعي دولة ما نحو تحقيق مكاسب إقليمية أو ترابية عن طريق احتلال أراضي الغير أو الاستيلاء عليها باستخدام القوة العسكرية.[1]

وبذلك أصبحت القوة العسكرية تستخدم بهدف الاستعمار ثم تستعمل بهدف التحرير .



اولا: استعمال القوة بهدف الاستعمار
1- الاحتلال الحربي للعراق :

بدأت الحرب الأمريكية على العراق عارية من أي عطاء شرعي مقبول. خصوصا بعد سقوط المبررات التي ساقتها الولايات المتحدة الأمريكية والمتعلقة على وجه الخصوص بنزع أسلحة الدمار الشامل العراقية، الأمر الذي ضاعف من المعارضة الدولية للحرب وصار الحديث يتركز أكثر على الأهداف الحقيقية للحرب والقوى التي تقف وراء تأجج نارها، وعلى الرغم من اتسام هذه الحرب بعدم المشروعية، كونها تقررت ونفذت خارج سلطة الأمم المتحدة وتحديد مجلس الأمن، فقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية منذ البداية لحشد الدعم العسكري الدولي، قصد إظهار الطابع الجماعي للفعل غير المفوض من مجلس الأمن، وقد نجحت الولايات المتحدة عقب احتلال العراق في الحصول على هذا الدعم من دول أوروبية وغير أوروبية ساهمت بقوات أرسلتها إلى العراق تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن كان المجهود الحربي قبل احتلال العراق ينحصر في قوات الولايات المتحدة تساعدها قوات من إنجلترا.

غير أنه وبالنظر لنجاح المقاومة العراقية التي أربكت المخططين العسكريين الأمريكيين، وحجم الخسائر التي لحقت بقوات الولايات المتحدة في العراق والمتطلبات والاحتياجات الأمنية والاقتصادية والسياسية التي يصعب النهوض بها من قبل دولة واحدة عادت الولايات المتحدة من جديد تطلب الدعم الدولي ولما كانت أغلب دول العالم قد ربطت مشاركتها في القوات الدولية العاملة في العراق بضرورة تفويض هذا العمل من مجلس الأمن، فقد اتجهت الجهود الأمريكية والدولية المشاركة في الحرب للضغط على الدول خصوصا منها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن أو تلك الدول المؤثرة والتي أعلنت جهارا معارضتها للتدخل العسكري ضد العراق دون إذن مسبق من مجلس الأمن ألمانيا وذلك كله بقصد تحرير مشاريع قرارات تضفي المشروعية أو تعطي نوعان من الدعم العسكري أو المالي للمجهود الحربي الأمريكي في العراق.[2]



2- الذرائع المستخدمة لتبرير الحرب على العراق :

الحرب على العراق جاءت تتويجا للسياسة العدائية الأمريكية التي بدأها الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب وتابعها الرئيس كلينتون خلال فترة الرئاسة.

وقد بررت الولايات المتحدة حربها على العراق بأربع مبررات :

- المبرر الأول : هو منع العراق من امتلاك وتطوير أسلحة الدمار الشامل من نووية وكيمانية وجرثومية لما في ذلك من تهديد لأمن العالم ولأمن الولايات المتحدة الأمريكية سواء كان هذا التهديد بواسطة العراق لكي تستخدم ضد الولايات المتحدة أو ضد حلفائها.

- المبرر الثاني : هو الحيلولة دون أن يصبح العراق مركزا جديا إيواء المنظمات والعناصر الإرهابية، ولذلك حاولت الولايات المتحدة دون جدوى إثبات وجود علاقة بين العراق وتنظيم القاعدة.

- والمبرر الثالث : هو الإحاطة بالرئيس صدام حسين لأن الولايات المتحدة على حد تعبير بوش لا يمكنها أن تسمح لأسوأ القادة في العالم بابتزاز الولايات المتحدة وحلفائها وأصدقائها بأسلوب الأسلحة في العالم وباسم الدفاع عن الحرية أعطت لنفسها الحق في إحاطة حكومة الرئيس صدام حسين وتعويضها بحكومة ديمقراطية تلتزم بقرار الشرعية الدولية وتحسن معاملة شعبها وجيرانها.[3]

- والمبرر الأخير : يعنى أن مشاريع دمقرطة المجتمعات والدول الإسلامية تتعدى مرحلة الضغوط السياسية والدبلوماسية لتصل إلى مرحلة شن حروب التدخل ولذلك فإن مشاريع الدمقرطة العشرية وفقا للشروط الأمريكية والغربية هي مولد آخر من مولدات الانقسام الإيديولوجي الجديد في عالم ما بعد الحرب الباردة.

ولقد قسم الدكتور عبد الواحد الناصر الذرائع لتبرير الحرب على العراق إلى ذرائع قانونية وسياسية.

أولا : الذرائع القانونية لتبرير الحرب على العراق
الذرائع القانونية هي ثلاث ذرائع : اثنتان استخدمتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ إدارة بوش الأب إلى الابن، أولهما الادعاء بحالة الدفاع الشرعي في استخدام للقوة العسكرية ضد العراق منذ 1991 وإلى الآن. وثانيهما هو الادعاء العمل باسم المجتمع الدولي من أجل تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها القرارات ومنها قرار 678 عام 1990 وقرار 687 عام 1991 و1441 وعام 2002 ولاسيما ما يتعلق بنزع الأسلحة العراقية "أسلحة الدمار الشامل".

أما الذريعة الثالثة فهي مرتبطة بمنطق الحرب على الإرهاب وتكمن في اعتبار الحرب على العراق جزءا في الحرب على الإرهاب والهدف من هذه الحرب هو منع النظام العراقي من تسريب أسلحة إلى الإرهابيين والحيلولة دون أن يصبح العراق كأفغانستان على عهد الطالبان. وهذا ما يفسر المحاولات المتكررة الأمريكية والبريطانية لإثبات وجود علاقة بين النظام العراقي وتنظيم القاعدة.



ثانيا : الذرائع السياسية لتبرير الحرب على العراق
هذه الذرائع القانونية هي مجرد غطاء أو ستار لأنك حرب الخليج الثالثة لها ذرائع سياسية تتناقض مع الذرائع القانونية لهذه الحرب، هذه الذرائع السياسية لحرب الخليج الثالثة تشمل :

1- تحرير العراق من الحكم الديكتاتوري الدموي لصدام حسين.

2- دمقرطة العراق عن طريق إقامة حكومة ديمقراطية بديلة.

3- استخدام الموارد البترولية العراقية في إعادة إعمار العراق ورفاهية الشعب العراقي.

4- القضاء على التهديد العسكري الذي يمثله النظام العراقي بالنسبة لجيرانه وبالنسبة للأمن القومي الأمريكي الذي مجموع المصالح الحيوية الأمريكية في المنطقة بما في ذلك أمن إسرائيل بيد أن هذه الذرائع السياسية تكشف زيف الذرائع القانونية المدعى بها وتكشف من جهة أخرى عن الأسباب الحقيقية لحرب الخليج الثالثة.[4]



ثالثا : ضعف مصداقية مبررات الحرب على العراق
قد مر الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن تقريرا إلى مجلس الأمن في سبتمبر 2002 ذكر في التقرير سبع مبررات تستند عليها الإدارة الأمريكية لشن حربها على العراق وهي عدم احترام بغداد لستة عشر قرار صادر عن الأمم المتحدة وأن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل وهو مسؤول عن انتهاكات لحقوق الإنسان من تعذيب واغتصاب وإعدامات فورية، وله ارتباط بالإرهاب ويحتجز لديه أسرى حرب من ضمنهم طيار أمريكي، وأنه لازال يحتفظ بثروات نهبها عند اجتياحه للكويت.

والولايات المتحدة استندت على ثلاث مبررات أساسية وذلك من أجل الوقوف على مصداقيتها وصحتها بعد انتهاء الحرب على العراق.

1- امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل :

من أكثر المبررات التي ركزت عليها الإدارة الأمريكية امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، هذا ما أكده بوولفووتيز نائب وزير الدفاع الأمريكي عندما قال "لقد تفاهمنا على نقطة واحدة هي أسلحة الدمار الشامل، ذلك لأنها تشكل الحجة الوحيدة التي يمكن أن يتوافق عليها الجميع".[5]

وبالفعل فقد طرح رئيس الولايات المتحدة وإعطاء إرادته هذه الحجة وفي أكثر من مناسبة، ففي اجتماع مع أعضاء الكونجرس في 26 سبتمبر 2002 قال الرئيس الأمريكي "إن الخطر على بلدنا فادح الخطر يتعاظم فنظام الحكم في العراق يملك أسلحة بيولوجية وكيميائية ويسعى إلى امتلاك قنبلة نووية وبما لديه من مواد انشطارية يستطيع أن يصنع واحدة في غضون عام واحد".

وفي خطابه عن حالة الاتحاد في 28 يناير 2003 قال أيضا : "فقد عملت الحكومة البريطانية أن صدام حسين سعى مؤخرا للحصول على كميات ضخمة من اليورانيوم وفي 5 فبراير قال وزير الخارجية الأمريكي كولن باول أمام مجلس الأمن الدولي بأن تقديرنا المحتفظ هو أن العراق يملك اليوم مخزونا بين 100 و500 طن من الأسلحة الكيميائية.[6]

بالرغم من كل هذه التأكيدات وبعد عام من نهاية الحرب الأمريكية على العراق لم تستطع الولايات المتحدة تأكيد هذه الحجة، كما عجز الفريق الأمريكي الذي كلف بمهمة التفتيش عن الأسلحة المحظورة بعد احتلال العراق من العثور على أي منها. بل الأكثر من ذلك قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع حليفتها بريطانيا بتلفيق بعض الأدلة عندما قالت بأن العراق سعى إلى شراء خمسمائة طن من أوكسيد اليورانيوم من نيجر يستخدم في صناعة الأسلحة الذرية، وفي مارس 2003 أعلن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البردعي أن الوثائق التي قدمت بهذا الخصوص تشتمل على تلفيقات لا أساس لها من الصحة.[7]

2- علاقة النظام العراقي بالإرهاب تنظيم القاعدة :

سعت الإدارة الأمريكية إلى الربط بين أحداث الحادي عشر من سبتمبر والحكومة العراقية، واتهمتها بدعم الإرهاب وعلاقتها بتنظيم القاعدة يؤكد على ذلك ما كان يدور في الاجتماعات التي عقدتها الإدارة الأمريكية بعد الأحداث وتصريحات كبار المسؤولين فيها في 15 سبتمبر 2001 دعي مجلس الأمن القومي الأمريكي إلى اجتماع قدمت فيه عدة مداخلات كان من ضمنها مداخلة لنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني قال فيها "إنني أريد أن أركز أكثر على قضية الدول التي ترعى الإرهاب وأريد أن ألفت النظر إلى التركيز على دول لها كيان واضح أسهل من التركيز على جماعات ليس لها ملامح الدول التي ترعى الإرهاب متجسدة والجماعات الإرهابية مجرد أشباح وأظن أننا سوف ننجح أكثر في العمل ضد جسد ولا ننجح بالقدر الكافي ضد أشباح"، في نفس اليوم دعا الرئيس أركان إدارته إلى اجتماع غير رسمي خاطب فيه جوش الحضور قائلا : الشعب الأمريكي يريد عملا كبيرا مهولا فرقعة عظيمة لا أريد معركة واحدة، ولكن أريد حربا ممتدة يشعر بها الشعب الأمريكي، ويتأكد أننا نواصل الدفاع عنه حتى أقاصي الأرض ضمن الردود التي جاءت على كلام الرئيس قال بولار لفويتز نائب وزير الدفاع "إن ما يطلبه الرئيس يمكن أن يتحقق في حالة واحدة، هي حالة أن نوجه ضربتنا إلى الدول الراعية للإرهاب أو الدول الإرهابية والعراق أول القائمة بوجود صدام حسين على رأسه، في مقابلة جمعت بين كارل روفي كبير مستشاري الرئيس للشؤون الداخلية مع وزير الدفاع رامسفيلد للحديث معه عن سر الفتور الذي يسيطر على الحرب الأمريكية ضد أفغانستان لابد أن نوجه ضربتنا بعد الآن إلى الدول الراعية للإرهاب، الدول الإرهابية العراق أولها، صدام حسين ليس له صديق في العالم يدافع عنه حتى في روسيا وفي الصين وهو رجل يصعب على أحد أن يقول فيه كلمة طيبة في حقه.[8]

يتضح مما سبق أن هناك نية مبيتة لدى بعض أعضاء الإدارة الأمريكية على مهاجمة العراق من خلال ربطة الإرهاب، وكانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر فرصة مناسبة لتحقيق ذلك، لذا بدأ الحديث في العلن عن علاقة النظام العراقي بالإرهاب وبتنظيم القاعدة بالتحديد. جاء ذلك واضحا في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي عن حالة الاتحاد 28 يناير 2003 عندما قال "تخيلوا مختطفي الطائرات التسعة عشر أولئك ومعهم أسلحة أخرى وخطط أخرى هذه المرة وقد سلحهم صدام حسين لن يحتاج الأمر إلا لتسلل قارورة واحدة، علبة معدنية واحدة قفص واحد إلى داخل هذا البلد ليجلب علينا يوم دعر لم نعرف مثيلا له"، وكان الرئيس الأمريكي قد أعلن قبل ذلك أمام مجلس الشيوخ "إننا نعرف أن العراق وشبكة القاعدة الإرهابية يتشاركان في عدو واحد الولايات المتحدة الأمريكية ونحن نعرف أن العراق والقاعدة تربطهما صلات على مستوى عال ترجع إلى عقد مضى".[9]

كما روجت الإدارة الأمريكية بأن محمد عطا الذي يعتقد بأنه الرأس المدبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر وقائد طائرة البوينغ التي ارتطمت بالبرج الشمالي من مركز التجارة العالمي اجتمع مع أحمد خليل العاني، القنصل السابق في السفارة العراقية في براغ في يونيو 2000، وقد طرد العاني بعد ذلك من الجمهورية التشيكية بتهمة التجسس، وبالتالي يمكن اعتبار ذلك دليلا على علاقة العراق بالقاعدة.[10]

إن من يقف وراء هذه الحجة قد نسى بأن النظام العراقي بقيادة صدام وتنظيم القاعدة بزعامة أسامة ابن لادن يمكن أن يتفقا على عدو مشترك ولكنهما من الصعب أن يتعاونا معا، حيث أن الحزب الحاكم في العراق حزب بعثي دو توجه علماني، مناهض لتنظيم القاعدة الذي يعترف بمعاداته للأنظمة العلمانية.[11]

كما أن حجة محمد عطا لم تصمد طويلا حيث أكد الرئيس فكلاف هافيل في تقرير سلمه إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش بأنه لم يحدث أي اتصال بين محمد عطا وبين عملاء المخابرات العراقية والأكثر من ذلك فمروره في براغ أمر مشكوك فيه كليا.[12]

لذا اضطرت الإدارة الأمريكية إلى التراجع عن هذه الحجة وقال الرئيس الأمريكي في سبتمبر 2003 بأن الولايات المتحدة ليست لديها براهين على مشاركة صدام في هجمات 11 سبتمبر.

3- انتهاك النظام العراقي لحقوق الإنسان :

الحجة الثالثة التي روجتها واشنطن لتبرير حربها على العراق هي انتهاك النظام العراقي لحقوق الإنسان وبأنه نظام دكتاتوري يمثل تهديدا لجيرانه وكارثة لشعبه.[13]

هذه الحجة تعتبر من الحجج التي يسهل طرحها ويصعب تحديدها أو الحكم عليها، ولنفترض بأن النظام العراقي السابق كان بالفعل نظاما دكتاتوريا وقام بانتهاكات لحقوق الإنسان هل يمكن اعتبار الحرب هي طوق النجاة لحقوق الإنسان ؟ أليس الحرب هي التهديد الأكبر لهذه الحقوق، وأن معظم جرائم إبادة الجنس البشري والتطهير العرقي في القرن العشرين قد جرت أثناء الحروب أو بعدها مباشرة وذلك بسبب الفوضى والخراب وتفجر الأحقاد والسرية المصاحبة للحرب.[14]

ثم ماذا عن الأنظمة الأخرى الحليفة لواشنطن لما قررت الولايات المتحدة معاقبة العراق بالتحديد على انتهاكاته لحقوق الإنسان بينما تدعم إسرائيل في الوقت الذي تنتهك فيه إسرائيل قرارات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان الفلسطيني.[15]

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كيف تريد الولايات المتحدة من العالم أن يصدق أنها ذهبت للعراق لتحرير الشعب العراقي من حاكم مستبد حسبما تدعى، بينما تسارع في تطبيع علاقاتها مع ليبيا بمجرد أن وافق الرئيس الليبي معمر القذافي على فتح المنشآت العسكرية الليبية لفرق التفتيش الدولية ألم تكن الولايات المتحدة تصف النظام الليبي بأنه نظام مستبد ولا يحترم حقوق الإنسان ويدعم الإرهاب الدولي هل تغير كل شيء وأصبح الرئيس الليبي بمجرد استجابته للضغوط الأمريكية رجلا ديمقراطيا يحترم حقوق الإنسان وليس له علاقة بالإرهاب.

4- الحرب على العراق انتهاك للشرعية الدولية :

انتهينا إلى أن غزو العراق من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا كان حرب عدوانية لتحقيق مصالح وأهداف إستراتيجية في منطقة الخليج، وسوف نبرز هنا تلك القواعد التي انتهكتها الدولتان الغازيتان أمريكا وبريطانيا عندما غزت قواتهما دولة عضو في الأمم المتحدة منتهكة سيادتها الإقليمية، فقد تمثلت هذه الانتهاكات للشرعية الدولية في الآتي[16] :

أولا : انتهكت الولايات المتحدة وبريطانيا الفقرتان الثالثة والرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة اللتان أوجبتا على جميع أعضاء الهيئة الدولية بفض منازعاتهم بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر، وأن يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية عن أن يهددوا بالقوة أو يستخدمونها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة أو على وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة.

ثانيا : انتهكت الولايات المتحدة وبريطانيا المادتان الأولى والثانية من ميثاق الأمم المتحدة اللتين تنصان على عدم استخدام القوة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

ثالثا : انتهكت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا المادة 24 وأحكام الفصلين السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة في تخويل مجلس الأمن وحدة حق التدخل في أي نزاع يخشى منه قيام الحرب.

رابعا : انتهكت قوات الغزو الأمريكي والبريطاني المادة 25 من اتفاقيات لاهاي سنة 1908 بشأن العمليات الحربية التي توجب تحديد ساحة القتال ضمانا لحسن سير العمليات العسكرية، مما يعني تحييد المناطق السكنية والمنشآت المدنية عند بداية الحرب إلا أن قوات الغزو الأمريكي والبريطاني استباحت كل الأراضي العراقية وجعلتها ساحة قتال فلم تفرق بين منشآت مدنية أو عسكرية، فطال القصف الوحشي المستشفيات والمدارس ودور العبادة وأماكن التسوق وجميع مرافق الدولة والبنية التحتية لها فحولت جميع مدن العراق إلى خراب ودمرا وهي تدعوا الآن المجتمع الدولي لإعادة إعمار العراق.[17]

خامسا : انتهكت قوات الغزو الأمريكية والبريطانية المادة 22 من اتفاقية لاهاي لسنة 1907 بشأن حظر استخدام الوسائل الهمجية في الحرب إذا كانت تلك المادة تتحدث عن أسلحة فتاكة صنعت عام 1908 وهي الرصاص المتفجر والإشعاعي فإن قوات الغزو الأمريكي والبريطاني على العراق استعملت أحدث ما توصل إليه العلم والتكنولوجيا في مجال صنع الأسلحة التدميرية والتجريبية في القرن الحادي والعشرين.

سادسا : انتهكت قوات الغزو الأمريكية اتفاقية لاهاي سنة 1908 بشأن التمييز بين المحاربين وغير المحاربين فقد طال القصف الوحش جميع أفراد الشعب العراقي من أطفال ونساء وشيوخ في مشاهد نقلتها جميع الفضائيات العربية والعالمية ولا تحتاج إلى دليل أكثر من ذلك.

سابعا : انتهكت قوات الغزو الأمريكية والبريطانية المادة 114 من اتفاقية جنيف الثانية في 12 أغسطس سنة 1949 المتعلقة بأسرى الحرب في وجوب معاملة أعضاء حركة للمقاومة العراقية، معاملة الأسرى وليس كإرهابيين كما تفعل قوات التحالف الأمريكي والبريطاني. وتسعى لحشد الجهود الدولية من خلال الأمم المتحدة لهذا الغرض وقد كانت أحداث سجن أبو غريب للمعتقلين العراقيين والتي تفجرت فيما بعد من أقوى الأدلة على هذه الانتهاكات.

ثامنا : انتهكت قوات الغزو الأمريكي والبريطاني المادة 117 من اتفاقية جنيف لسنة 1941 بشأن معاملة أسرى الحرب.[18]

تاسعا : انتهكت قوات الغزو الأمريكية والبريطانية المواد 12 حتى 59 من اتفاقيات لاهاي سنة 1908 بشأن تحديد الأطر القانونية للسلطة العسكرية على أراضي الدولة المحتلة.[19]

والتي تقتضي بأن الاحتلال لا يؤدي إلى تعديل الهيكل السياسي للدولة الواقعة تحت الاحتلال ويظل رئيس الدولة الشرعي محتفظا بممارسة اختصاصاته.

عاشرا : انتهكت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا مبادئ الأمم المتحدة ومختلف القرارات الصادرة عن المنظمة الدولية بشان نظام الأمن الجماعي حيث جاء الغزو كعمل انفرادي متخطيا لمجلس الأمن المختص أصلا بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين الأمر الذي دفع بالأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان إلى سرعة تقديم تقرير إلى الجمعية العامة تحت رقم 323 في 22 سبتمبر 2003 يتساءل فيه عن شرعية استخدام القوة في العلاقات الدولية بمناسبة غزو العراق بدون تفويض من مجلس الأمن كما طرح سؤال آخر عن شرعية الحروب الوقائية لمنع اعتداء وشيك وهي النظرية التي أطلقها الرئيس الأمريكي كذريعة لغزو العراق.[20]

ومما لاشك فيه أن غزو العراق أصبح يشكل كابوسا للإدارة الأمريكية ولم تعد تملك سوى الاستمرار في هذا الكابوس إلى أن تستيقظ، وقد وجدت نفسها خارج البيت الأبيض بعد أن تكون قد سجلت نفسها على أكثر صفحات التاريخ دموية وعطشا للنفط.



تانيا: استعمال القوة بهدف التحرير
1- الحرب العراقية الكويتية :

بعد انتهاء حرب الخليج الأولى عام 1988 بدأت بوادر خلافات بين النظام العراقي البعثي والسلطات الكويتية، وكانت الذرائع للرئيس العراقي الأسبق وهو وجود خلافات حول بعض أبار النفط في المناطق الحدودية، أما بشكل غير مباشر فكان صدام يعيد إحياء أفكار حول كون الكويت أحد المحافظات التاريخية التابعة للعراق في 2 غشت 1990 بحيث اجتاحت القوات العراقية الكويت وأحاطت بحكم أن الصباح لحين عودتهم بعد انهيار الجيش العراقي على يد قوات التحالف في حرب الخليج الثانية وتبدأ الأزمة في 23 سبتمبر 1989 حينما زار العاصمة العراقية أمير الكويت الشيخ جابر الصباح وقلده الرئيس العراقي صدام حسين أعلى وسام عراقي، لم يثير موضوع الحدود بينهما حتى يتجنبا إفساد جو الزيارة ولكن أحد الوزراء الكويتيين هو الذي أثار هذه النقطة مع الدكتور أحمد سعدون نائب رئيس الوزراء العراقي في الشؤون الخارجية إذ سأله عما إذا كان يرى الفرصة ملائمة لعقد معاهدة عدم الاعتداء بين العراق والكويت على غرار المعاهدة العراقية السعودية وكان رأي الوزير الكويتي أن عقد مثل هذه المعاهدات يؤدي إلى اطمئنان الخواطر وكان تعليق الدكتور سعدون حمادي أولا التفاوض في ترسيم الحدود ثم مسألة معاهدة عدم الاعتداء ومنذ سبتمبر 1989 احتدمت الخلافات في موضوع أسعار النفط وحصص منظمة الأوبك وتزايدت درجة الحرارة بين البلدين ففي يناير 1990 زار الدكتور سعدون الكويت حيث التقى نظيره الكويتي، ثم تبين أن مهمة الزائر العراقي هي طلب قرض قيمته عشرة مليار من الدولار لتمكين العراق من مواجهة أزمته الاقتصادية بعد الحرب وتداخلت القضايا واختلطت قضايا المساعدات بقضايا الحدود وقضية أسعار النفط وتعقدت الأمور، وفي فبراير 1990 زار الشيخ صباح الأحمد الصباح العراق لمتابعة القضايا المتداخلة وقد ألمح الزائر الكويتي إلى الديون السابقة على العراق للكويت وأشار إلى أن الكويت تستطيع تقديم 500 مليون دولار تضاف إلى الدين القديم وكان طرفان كلاهما على موقف متعارض وحسب طرفان بأنهما اتفقا فقط طلب العراق تسهيلات بحرية مثيلة للتسهيلات التي حصل عليها أثناء الحرب ضد إيران وطلب كذلك تطبيق معاهدة الدفاع مشترك بين البندين وظن الدكتور حمادي أن نظيره الكويتي موافق وطلب الشيخ الصباح من سعدون حمادي تشكيل لجنة لترسيم الحدود وظن أن نظيره العراقي موافق ومحاولة دول الخريج عقد اتفاق بين المملكة العربية السعودية والكويت والعراق لمعالجة الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها العراق إلى أن المفاوضات فإنها قد وصلت إلى طريق مسدود.

وفي 3 مايو 1990 عاد العراق إلى شكواه المزمنة من الكويت بسبب إنتاجها الزائد على حصتها في اتفاقات الأوبك فتقدم طارق عزيز ووزير الخارجية العراقي، بشكوى حول ارتفاع معدل إنتاج النفط في دول الأوبك بما يشكل خطر متصاعد على العراق منذ أوائل يوليو 1990 بحيث بدأت تظهر علنا بوادر تفجر الأزمة وظهر ذلك بعد استقبال الرئيس العراقي وزير نفط المملكة السعودية هشام الناظر في بغداد في 8 يوليو الذي نقل إليه رسالة شفاهية نخص أسعار النفط وأوضاع السوق النفطية إضافة إلى العلاقات السعودية العراقية، كما عرض المبعوث السعودي على الرئيس صدام نتائج زيارته كلا من الكويت ودول الإمارات العربية المتحدة ولم تكن هذه الخلافات بدايتها الحدود بل كانت هناك خلافات على الحدود بعد استقلال الكويت عام 1961 واعتداءات العراق على الكويت في الصامتة عام 1973.[21]

ففي الثاني من أغسطس 1910 احتل أزيد من 120000 من الجنود العراقيين الكويت، ورغم أن الرئيس العراقي أنه لبى دعوى من طرف المنشقين الكويتيين لكن هذا الاجتياح بدا واضحا أنه يهدف إلى حل الخلافات الجارية بين العراق والكويت بالقوة، ثم تطور إلى ضم تام للقطر، وقد وجه مجلس الأمن بالغزو العراقي للكويت انضم المدعى في ظروف دولية متغيرة فمع نهاية الحرب الباردة ساد اعتقاد بأنه يصعب على الدول الكبرى توفير حماية دولية لدول معتدية كما هو الحال إبان الحرب الباردة حيث تسرع الدول الكبرى لحماية احد قائدها خصوصا في مجلس الأمن حيث حق الفيتو، كما أن موجة التفاؤل شملت الأمل في تفعيل دور الأمم المتحدة وخصوصا مجلس الأمن الأمر الذي دعا البعض إلى الاعتقاد بأن الأزمة في الخليج الفارسي تعتبر أول اختبار حقيقي لنظام الميثاق للأمن الجماعي.[22]

2- إدانة مجلس الأمن للعدوان العراقي على الكويت :

فور وقوع العدوان العراقي على دولة الكويت اجتمع مجلس الأمن بناء على طلب من الكويت والولايات المتحدة الأمريكية واتخذ أول قرار فيما يتعلق بالحالة بين الكويت والعراق وهو قرار 660-1990 في 2 غشت 1990 وقد اتخذ ذلك القرار بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة أي في إطار آلية الضمان الجماعي حيث قرر المجلس أنه يوجد خرق للسلم والأمن الدوليين فيما يتعلق بالغزو العراقي للكويت وبناء عليه يدين المجلس ذلك الغزو ويطالب بإنهاء احتلال الكويت دون قيد أو شرط وقد صدر القرار بأغلبية 14 صوتا مقابل لا شيء ولم يشترك مندوب اليمن في التصويت على أنها اعتراف غير مباشر بالضم كما طالب العراق بإلغاء إجراءاته التي ادعى بها ضم الكويت وقد صد القرار بالإجماع.[23]

أيدت هذا القرار 13دولة وامتنعت عن التصويت دولتان هما كوبا واليمن وتبنته كل من كندا وكولومبيا وساحل العاج وفلندا وأثيوبيا وفرنسا وماليزيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وزائير، وقال مندوب كندا مستر فورينز "إنه مما لاشك فيه أن العدوان العراقي على الكويت غير مقبول على الإطلاق وهو يمثل انتهاكا صارخا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وأن حكومة كندا توافق على مشروع القرار، وقال بلانك مندوب فرنسا : إننا ندين وبدون أي تحفظ الغزو العراقي للكويت ونطلب من القوات العراقية الانسحاب الكامل من الكويت حالا، وقال تاديس : مندوب أتيوبيا إننا ندين العدوان العراقي على الكويت وإننا مستعدون للتعاون بكل طاقاتنا لمواجهة هذا الموقف المحزن الذي يتعدى الحفاظ على السلام والأمن الدوليين ونطالب العراق بالانصياع للقرار 660-1990 ونعلن تضامننا الكامل مع الكويت حتى تستعيد حريتها وسيادتها ووحدتها الترابية وكل أراضيها.

3- نتائج الغزو العسكري للكويت :

أحدث الغزو العراقي للكويت شرطا عميقا في التضامن والوفاق العربي، ولكن لن تقتصر تداعياته على مدى التطور بل تستمر حتى المدى البعيد الآن، ذلك أن هذا الفعل قد عمق الخلاف ويعيد أجواء انعدام الثقة بين أقطار النظام العربي كما أنه قد خلق سابقة خطيرة في إدارة العلاقات العربية –العربية وهي استخدام الأداة العشرية في إدارة هذه العلاقات يمكن أن تشكل إرهاصات لحروب عربية- عربية قادمة ولا نهاية لها ولقد اتسمت هذه المرحلة بعد انتهائها ظهور التحركات السياسية العراقية وهذه التحركات اتفقت بنوعين من السلوك أولهما سلوك خارجي يتمثل في المساعي السياسية والدبلوماسية لدى الأطراف الدولية والقوى الكبرى لدعم الموقف العراقي من غزو الكويت، وثانيهما المبادرات والأطروحات السياسية التي أعلنها صدام حسين بشأن قضايا الصراع والأزمات.[24]

4- توقيع العقوبات ضد العراق :

كان إنفاق العراق في الانصياع لدعوة الأمم المتحدة للانسحاب من الكويت سيؤدي بالضرورة إلى النظر في احتمال استخدام القوة فإنه يمكن التساؤل مع روزلين هيجنز.[25]

في إمكان استخدام قدر من القوة لدعم فعالية العقوبات الاقتصادية وبألفاظ أخرى حتى وإن لم يذهب مجلس الأمن لإجراءات عسكرية معينة تحت المادة 42 كوسيلة مختارة لفرض السلام وهل يمكن استخدام إجراءات عسكرية محدودة لضمان فعالية الوسائل البديلة المختارة وتحديد العقوبات الاقتصادية، وفي حالة العراق هل يهيئ القرار السلطة اللازمة لفرض العقوبات الاقتصادية وإن كان بالقوة إن لزم الأمر.

وبالرجوع للممارسة السابقة لمجلس الأمن نجده مرة واحدة فقط خلال الحرب الباردة فوضت قوات عسكرية باستخدام القوة لفرض عقوبات اقتصادية، ففي عام 1965 وقع مجلس الأمن عقوبات اقتصادية ودبلوماسية ضد روديسيا الجنوبية.[26]

وفي عام 1966 مهتما باحتمال تسليم النفط إلى ميناء Beria في موزمبيق التي تخضع للحكم البرتغالي تسليم من بعد إلى روديسيا الجنوبية.[27]

5- توقيع الجزاءات على العراق :

في أول القرارات التي أصدرها مجلس الأمن في حالة الكويت والعراق القرار 660-1990 بحيث وجه مجلس الأمن إنذار بأنه إذا لم يسحب قواته من دون قيد شرط من الكويت فغنه سوف ينظر في اتخاذ خطوات أخرى لضمان الامتثال لهذا القرار.[28]

وحيث أن العراق لم يمتثل لقرار الانسحاب رأى المجلس بمقتضى قرار 660-1990 في 2 أغسطس 1990 ضرورة توقيع الجزاءات ولا تتطلب استخدام القوات المسلحة على تلك الدولة المدانة بالعدوان وذلك عملا بنص المادة 4 من الميثاق وتتلخص هذه الجزاءات في مطالبة جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بوقف العلاقات التجارية والمالية والعسكرية مع العراق باستثناء الإمدادات المخصصة بالتحديد للأغراض الطبيعية والمواد الغذائية المقدمة في ظروف إنسانية وقد أنشأ المجلس لجنة خاصة لمتابعة تنفيذ عقوبات ولاشك في أن توقيع جزاء المقاطعة الاقتصادية والعسكرية على العراق هو التزام قانوني يقع على عاتق جميع الدول الأعضاء في المنظمة وذلك عملا بنص المادة 3/5 من الميثاق والتي تقضي بأن يقدم جميع الأعضاء في كل ما في وسعهم من عون إلى الأمم المتحدة في أي عمل تتخذه وفق هذا السياق، كما يمتنعون عن مساعدة أية دولة تتخذ الأمم المتحدة إزاءها عملا من أعمال المنع أو القمع.[29]

6- معركة تحرير الكويت :

بعد خمسة أشهر من اندلاع الأزمة في 02/08/1990 كان الوضع يسير إلى مواجهة حتمية فقد صدر قرار المجلس الأمن طالبت العراق بالانسحاب من الكويت، وبعد أن فرضت عليه حصارا بريا وجويا وبحريا وقد أغلق هذا الحصار كل منافذ العراق وقد أعطى مهلة 10 يناير للانسحاب أو الحرب واستعد الطرفان للقتال واحتشدت الألف الدبابات في منطقة الخليج على استعداد للقتال، مع إصرار عراقي على عدم الانسحاب من الكويت والتصميم على اعتبار الكويت هي المحافظة التاسعة عشرة من محافظات العراق.

وفي نفس الوقت كان قد تم استبعاد جميع الوسائل السلمية من باقي الدول التي لا تريد للعراق التورط في حرب لن يخرج منها إلا مدمرا، وكانت هذه المحاولات تتمثل في الدول العربية والأسيوية للوصول إلى حل سلمي قبل انقضاء مهلة الإنذار الدولي الموجهة للعراق.

وفي البيت الأبيض أخذ الرئيس الأمريكي بوش يعيد مراجعة بعد التفاصيل العسكرية لعملية عاصفة الصحراء مع بعض أعوانه وبالذات في تفاصيل الضربة الجوية والتي ستسبق الهجوم البري الكبير وكان الجنرال ميريل ماكييك قائد الجوية الأمريكية هو الذي أخذ يجيب الرئيس الأمريكي ويوضح له التفاصيل التي يسأل عنها، وكان ذلك من الساعة السادسة مساء بتوقيت واشنطن والواحدة صباحا بتوقيت الخليج وقد اتخذ بوش مكانة في أحد صالونات البيت الأبيض ومعه غائبة دار كويل ومعه برنت مكركروفت مستشارة لشؤون الأمن القومي وجون سنوفر مسؤول البيت الأبيض والتليفونات بجانبه تدق دون انقطاع، وفي السادسة دقيقة قطعت شبكة التليفزيون A.B.C برامجها وأعطت الكلمة لمراسلها في بغداد الذي أعلن عن بدء الغارات الجوية على العاصمة العراقية وكان تعليق بوش على ذلك الخبر أن قال ذلك بكل هدوء أن المعركة قد بدأت في وقتها المحدد لها.[30]

ولقد استعملت في هذه الحملة مجموعة من القنابل ما يسمى بالقنابل الذكية والعنقودية وصواريخ كروز بحيث قام العراق بالرد على هذه الحملات الجوية بتوجيه 8 صواريخ سكود أرض أرض إلى أهداف داخل إسرائيل في 18 يناير 1991 بالإضافة إلى إطلاق صواريخ سكود على كل من مدينتي ظهران والرياض والسعودية، ومن ضمن الأهداف التي أصابتها الصواريخ العراقية داخل الأرض العسكرية الأمريكية في الظهران في السعودية أدى الهجوم إلى مقتل 28 جندي أمريكي مما أدى إلى عملية انتقامية بعد انسحاب القوات العراقية وقصف القوات المنسحبة في عملية سميت بطريق الموت، وفي الرياض أصابت الصواريخ العراقية مبنى الأحوال المدنية ومبنى مدارس تحد الأهلية الذي كان خاليا وقتها. كان الهدف الأول لقوات الائتلاف هو تدمير قوات الدفاع الجوي العراقي لتتمكن بعد ذلك من القيام بغاراتها بسهولة وقد تم تحقيق هذا الهدف بسرعة وبسهولة حيث تم إسقاط طائرات عراقية وإسقاط طائرة من قوات الائتلاف في الأيام الأولى من الحملة الجوية بحيث كان معظم الطائرات تنطلق من الأراضي السعودية وحاملات الطائرات الستة المتمركزة في الخليج العربي.

وبعد تدمير معظم قوات الدفاع الجوية العراقي أصبحت مراكز الاتصال القيادية الهدف الثاني للغارات الجوية، وتم إلحاق أضرار كبيرة بمراكز الاتصال مما جعل الاتصال يكاد يكون معدوما بين القيادة العسكرية العراقية وقطاعات الجيش، وقامت الطائرات العراقية بطلعات جوية متفرقة أدت إلى إسقاط 38 طائرة ميج عراقية من قبل الدفاعات الجوية لقوات الائتلاف وأدرك العراق أن طائراتها السوفيتية الصنع ليست بإمكانها اختراق الدفاعات الجوية لقوات الائتلاف فقامت بإرسال المتبقى من طائراتها إلى إيران، وبدأ العراق في 23 يناير 1991 بعملية سكب متعمد لما يقارب مليون طن من النفط الخام إلى مياه الخليج العربي.

وبعد تدمير الدفاعات الجوية ومراكز الاتصال العراقية بدأت الغارات تستهدف قواعد إطلاق صواريخ سكود العراقية ومراكز الأبحاث العسكرية العراقية والسفن الحربية العراقية والقطعات العسكرية العراقية المتواجدة في الكويت ومراكز توليد الطاقة الكهربائية ومراكز الاتصال الهاتفي ومراكز تكرير النفط والموانئ العراقية والجسور وسكك الحديد ومراكز تصفية المياه، وقد أدى هذا الاستهداف الشامل إلى تدمير البنية التحتية العراقية إلى عواقب لا تزال أثارها شاخصة إلى حد هذا اليوم.[31]

7- نتائج عملية تحرير الكويت :

خسر العراق معظم القوات العسكرية، كما خسر المعركة السياسية وفقد ما يزيد على ثلثي قواته المسلحة وما بين 80 و100 ألف قتيل ورضخ في النهاية للإرادة الدولية وتم تحرير الكويت بالقوة المسلحة.

كما تكبدت قوات التحالف مبالغ مالية ضخمة كما دمرت قوات التحالف البنية التحتية للعراق ووصل عدد هذه الغارات إلى ما يقارب 97 ألف غارة، وبالتالي فإن العراق سوف يحتاج إلى مبالغ مالية لإعادة ما دمرته الحرب.

كما تعرضت الكويت لعملية دمار نسبي سواء على أيدي القوات العراقية التي أحرقت ودمرت البنية التحتية وحرقت أبار البترول وسربت النفط إلى مياه الخليج وتم تقدير تكاليف إعمار الكويت بمبالغ طائلة تصل إلى حوالي 40 مليار دولار في الوقت الذي فقدت فيه نسبة لم تقدر بعد من إمكانيات إنتاج النفط مستقبلا.[32]

تحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية

شنكاو هشام باحت في العلاقات الدولية





1- تحريم استخدام القوة :

تنص المادة الثانية الفقرة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة على أنه : "يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أوب استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أم على وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة".

فالمادة 2 الفقرة 4 نصت بالحرف على ضرورة الامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد سيادة الدولة بأية طريقة تتنافى وأهداف الأمم المتحدة المتمثلة في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. فاكتسب مبدأ تحريم القوة استخدام في العلاقات الدولية القوة القانونية، فالنص حرم كل الأشكال التي يمكن أن تتخذها القوة المستعملة من خلال عبارة "صد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة سواء كانت هذه القوة مباشرة أو غير مباشرة كالضغوط السياسية والعسكرية والاقتصادية، إلا أنه أثير نقاش حول دلالات مفهوم القوة الواردة في المادة 2 الفقرة 4، حيث اعتبر جانب من الفقه أن المقصود من لفظ القوة هو القوة المسلحة التي تأكد شكل الاعتداءات المسلحة أي العسكرية ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي للدولة، فلا يجوز اعتبار التهديدات العسكرية أو الإعلامية تشجيع وإثارة الاضطرابات الداخلية فعلا من أفعال القوة الذي يستوجب الدفاع الشرعي وفقا لمقتضيات المادة 51 من الميثاق.

كما أثير نقاش حول مجال استخدام القوة في نطاق نفس المادة، وربطها بالدولة دون سواها من الأشكال التنظيمية الأخرى من خلال لفظ علاقاتهم الدولية ولفظ الدولة في نص المادة، وهو ما يخرج التنظيمات غير المتوفرة على مقومات الدولة "الأرض، الشعب، السلطة السياسية" وخاصة الحركات التحررية الوطنية، التي تسعى للرقي لمستوى الدولة المستقلة عبر ممارسة شعبها لحقه في تقرير المصير. وهكذا لا يعتبر استعمال القوة في حالة ممارسة الشعوب لحقها في تقرير المصير محرما وفقا لروح المادة 2 الفقرة 4 من الميثاق، ويعتبر عدم احترام هذا المبدأ بمثابة عدوان يمنح فيها للدولة المتعرضة له الحق في رده في إطار الدفاع الشرعي للدولة إلى أن يتدخل مجلس الأمن الدولي ليتخذ التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين.[1]

كما أنه تفاقم الخلاف بين القائلين بمطابقة تحريم استخدام القوة الوارد في المادة 2/4 من الميثاق وبين القائلين باقتصاره على مظهر من مظاهر استخدام القوة فحسب بشأن فجوى حلف شمال الأطلس ناتو للقوة العسكرية ضد يوغوسلافيا لتسوية النزاع، استخدام القوة لغير هذه الغاية أمرا شرعيا ؟ فيجوز بالنتيجة استخدام القوة حيثما لم يكن الغرض الإحاطة بالحكومة أو احتلال الإقليم التابع للدولة أو تفتيته.[2]

2- تحريم الحرب وعدم استخدام القوة في العلاقات الدولية :

يكمن روح الميثاق لذلك ينبغي تفسيره وفقا لبنود الميثاق وأهدافه وقد عبرت الديباجة في فقرتها الأولى عن تصميم الدول الأعضاء على إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف ولقد عبرت الفقرة الرابعة عن عزم الدول الأعضاء ألا تستخدم القوة وروح الميثاق أهدافه هو إنقاذ البشرية من ويلات الحروب ولقد حدد الفصل السابع من الميثاق الأحكام التي في إطارها يمكن اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة وأكد على أن لمجلس الأمن وحدة السلطة التقريرية إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان وقع عمل من أعمال العدوان وإذا ما قرر المجلس ذلك يقدم توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه في التدابير طبقا لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادته إلى نصابه المادة 39 من الميثاق كالمواد 42-51 من المواد الوحيدة التي تتعامل مع استخدام الفعلى للقوة، ولا يوجد من ميثاق الأمم المتحدة أية مادة تخول لأي عضو من أعضائها استخدام القوة من جانب واحد، عدا الحالة المحددة والمقيدة والتي نصت عليها المادة 51 وهو الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم، إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي.

وحتى لو اضطرت دولة على استخدام هذا الحق الطبيعي ينبغي عليها إبلاغ مجلس الأمن فورا وللمجلس عند ذلك بمقتضى سلطاته الخاص بإقليم كوسوفا عام 1999 فعبرت العديد من الدول وذلك الدارسون والمحللون عن مواقف قانونية مختلفة ومتباعدة ادعت طائفة من الدول والدارسون بنشوء حق جديد يجيز للدول التدخل لأغراض إنسانية بينما تبنت طائفة أخرى موقفا مخالفا فحواه عدم قانونية العملية الأطلسية وأنها تنطوي على خرق جسيم لأحكام ميثاق الأمم المتحدة عموما وللمادة 2/4 معه على وجه الخصوص [3]

وما أشبه اليوم بالأمس، كالخلاف المحتدم الآن حول المادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة يشبه ذلك اليوم الذي نشب في الأيام الأولى التي أعقبت إقرار ميثاق الأمم المتحدة، أما السبب الأكثر أهمية الكامن وراء احتدام الخلاف حول تفسير نص المادة 2/4 وحول نطاق الحكم الوارد فيها. فقد تمثل آنذاك بمدى شمول هذا النص سائر القواعد العرفية الناظمة لاستخدام القوة في العلاقات الدولية عند وضع الميثاق ونفاذه فهل تعد المادة 2/4 انعكاسا على العرف النافذ آنذاك أم أنها تنطوي على قطيعة جدرية بين ما كان معمولا به حتى عام 1940.

إن الصيغة اللغوية التي ورد بها الحكم المقرر في المادة 2/4 يثير مجموعة من الأسئلة ومهمة فهل يستفاد من عبارة صد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة أن الحكم القاضي بتحريم اللجوء إلى القوة يقتصر أثره على الحالات التي توجه فيها القوة ضد الاستقلال السياسي للدولة وضد وحدتها الإقليمية ؟ وهل يعد ومسؤولياته الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذ من الأعمال بحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادته إلى نصابه وما عدا هذا الحق المقيد فإن الميثاق يحرم اللجوء إلى استخدام القوة ويطلب من جميع أعضائها فض منازعاتها الدولية بالوسائل السلمية الفقرة 3 من المادة الثانية.

إن الإخلال بهذا المبدأ هو تقهقر إلى الوراء والعودة إلى سيادة قانون القوة في العلاقات الدولية.[4]

3- الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة :

لقد أصدرت منظمة الأمم المتحدة العديد من القرارات الدولية التي أدانت العدوان وحرمت الاستيلاء على أراضي الغير وصفها بالقوة وكذلك بالنص صراحة على مبدأ تحريم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة في مناسبات عديدة منها ما ورد في المادة الثامنة من مشروع وحقوق وواجبات الدول التي تقدمت بها إلى الجمعية العامة عام 1947 والذي أخذت فيه أنه يجب على كل دولة أن تمتنع عن الاعتراف باكتساب الأقاليم الناجم عن استعمال القوة أو التهديد بها وكذلك المادة 11 من مشروع حقوق وواجبات الدول التي أعدته لجنة القانون الدولي كما أصدر مجلس الأمن القرار قمن 3256 في 2 تشرين الثاني 1956 والقرار رقم 3257 في نوفمبر 1956 والقرار 242 في 22 تشرين الثاني 1967 والقرار 252 في 21 أيار 1968 وغيرها من القرارات التي أكدت على مبدأ تحريم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة. وفي الوقت نفسه رأت محكمة العدل الدولية عدم مشروعية اكتساب أي أراضي عن طريق القوة أو التهديد باستعمالها. .[5]

4- مفهوم القوة الوارد في الميثاق :

لم تحدد الفقرة 4 من المادة 2 ما إذا كانت القوة التي تشير إليها هي القوة المسلحة أو أي نوع آخر من القوة المسلحة أو أي نوع آخر من القوة.

ويرى البعض أن المقصود بالقوة هي القوة المسلحة فقط، باعتبار أن تطبيق هذه القوة أو استخدامها إنما يتم بواسطة حرب عدوانية أو هجوم مسلح أو عدوان ترتكبه الدول باستخدام قواتها المسلحة أو جماعة تابعة لها أو مسندة من قبلها.[6]

ويستند هؤلاء في ذلك بالرجوع إلى عبارة القوة المسلحة الواردة في ديباجة الميثاق، على الرغم من أن العدوان لم يكن قد عرف عند وضع الميثاق وسوف نتطرق لذلك فيما بعد إن هذا يعني أنه ليس هناك ما يمنع دولة ما من اللجوء إلى أعمال انتقامية أو غيرها لا تنطوي على استخدام القوة إذا ارتكبت دولة أخرى عملا يتنافى والقانون الدولي ويرى فريق آخر من الفقهاء أنه ما من سبب قانوني يدعو إلى اقتصار معنى القوة على القوة المسلحة فقط، بل أن ذلك يمكن أن يوسع ليشمل الضغط الاقتصادي، أو النفسي أو أعمال أخرى ويشفعون رأيهم بأن الإكراه السياسي والاقتصادي قد يكون تهديدا للاستقلال السياسي للدولة، يعادل في خطورة التهديد العسكري.[7]

ومن هذا الرأي كالسن وهناك فريق ثالث ومنهم براونلي وروزالين هجنز، يميلون إلى رأي كالسن مع القول بأن القوة لا تشمل الإكراه غير العسكري الذي يمارس على مستوى واطئ، ويقصدون بذلك استخدام الإكراه بدرجة تكفي لتقييد حرية تصرف الدولة الموجه ضدها، ولكن التأثير في أمنها القومي، ويعتقدون أن ذلك أمر تتطلبه الحياة الدولية العملية، لذا فهو عمل مشروع ولا يعتبر جريمة دولية بل أضرار دولي.[8]

وإذا أردنا تبني مفهوم القوة المسلحة فلابد من تحديد ما هو المقصود بالسلاح فهل يقصد به المتفجرات فقط ؟

أم الأسلحة الجارحة أم هو كل ما يسبب التدمير للكائنات الحية والممتلكات ؟

فإذا أخذنا بالمفهوم الأخير أفلا يعتبر السلاح الاقتصادي مدمرا أيضا ؟ فلا يؤدى إلى الموت جوعا ؟ وكذلك الحرب النفسية والإعلامية التي تسمم الأفكار وتزرع الخوف والفزع وهكذا يمكن اعتبار الضغط النفسي والإكراه والدعاية سلاحا لأنهما يدمران الروح والعقل ومن هنا يرى براونلي.[9]

إنه من الضروري أن نقر فيما إذا كان استخدام العوامل التي لا تتضمن انفجارا أو تدميرا أو حرارة، يشكل استخداما للقوة لا كالعوامل الجرثومية والإحيائية والكيماوية مثل غازات الأعصاب. .[10].

وهو يرى أن استخدام هذه العوامل الأسلحة يمكن أن يعتبر استخداما للقوة بالاستناد على نقطتين الأولى، إلى أن العوامل المشار إليها توصف بأنها أسلحة وبأن استخدامها يكون نوعا من الحروب الحرب الجرتومية الحرب الكيماوية والنقطة الثانية هي الأهم أن هذه الأسلحة تستخدم لتدمير الحياة والممتلكات وغالبا ما تسمى أسلحة التدمير الشامل كذلك من الضروري التفكير في الوصف الذي يمكن أن يطلق على إجراءات مثل إغراق مساحة واسعة في الوديان المؤدية إلى أرض العدو أو إشعال الحرائق في الغابات وأماكن في الحدود فهل تعتبر مثل هذه الأفعال والإجراءات استخداما للقوة أم لا. وهل هي تؤدى إلى تدمير الحياة والممتلكات أم لا ؟

إن تبني أي من الفكرتين له أهمية كبرى في ترتيب نتائج وذلك لأن الأخذ بمفهوم القوة أي تفسير الضيق سيحرم الدول المعتدى عليها من اتحاد أي إجراء دفاعا عن نفسها تجاه أي اعتداء غير مسلح والعكس صحيح وعليه فإننا مع الرأي القائل بتوسيع مفهوم القوة بحيث يشمل كل الضغوطات السياسية والنفسية والاقتصادية، إضافة إلى استخدام كافة أشكال القوة الأخرى المشار إليها سابقا لما في ذلك من تجاوب مع مصلحة الدول النامية التي كثيرا ما تعرضت لضغوط مختلفة، وأن استخدام القوة قد يكون مباشرا، أو غير مباشر، ولكن الدولة تعد مسؤولة عن اللجوء إلى استعمال القوة المسلحة والمحرمة في الميثاق سواء تم القتال بواسطة قواتها النظامية أو غير النامية أو قوات الأمن والشرطة.[11]