السبت، 3 أبريل 2010

حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية

شنكاو هشام باحت في العلاقات الدولية والقانون الدولي

أولا: مبدأ حظر استخدام القوة في عهد عصبة الأمم:
جاء عهد عصبة الأمم، معلنًا بداية عصر التنظيم الدولي، فقد اتفقت الدول على إنشاء أول منظمة دولية عامة، تكون مهمتها المحافظة على السلم والأمن الدوليين( )، بعد الدمار والخراب في الحرب العالمية الأولى.
وكان عهد العصبة نتيجة التوفيق بين المشروع الأمريكي الذي اقترحه الرئيس ويلسن والاقتراح البريطاني الذي صاغه اللورد فيلمور، قد تم إقرار العهد في 28 إبريل عام 1919م في أثناء انعقاد مؤتمر باريس للسلام وأدمج في صدر معاهدة فرساي وأصبح جزءًا لا يتجزأ منها وبدأ سريان العهد في العاشر من يناير 1920
ويعتبر عهد عصبة الأمم، أول تطوير لقواعد القانون الدولي التقليدي المتعلقة بالحرب، فقد أصبحت الحرب طبقًا لنصوص العهد أمرًا يهم المجتمع الدولي بأسره ويظهر ذلك واضحًا من ديباجة العهد التي نصت على أن (الأطراف المتعاقدة السامية، رغبة في الدفع قدمًا، بالتعاون الدولي وتحقيق السلام والأمن الدولي بقبول التزامات بعدم الالتجاء للحرب باشتراع علاقات علنية وعادلة وشريفة بين الأمم، بالإرساء الراسخ لتفهم القانون الدولي بوصفه قاعدة السلوك المتبعة في الوقت الحاضر بين الحكومات، وبالمحافظة على العدل باحترام الالتزامات التعاهدية احترامًا تامًا في معاملات الشعوب المنظمة الواحد بالآخر توافق على عهد عصبة الأمم.
لم يتضمن عهد العصبة نصا صريحًا يحرم اللجوء إلى الحرب( )، ولم يأخذ بالتفرقة التقليدية بين الحرب العادلة وغير العادلة، إنما أخذ بتفرقة أخرى هي الحرب المشروعة والحرب غير المشروعة، وفقًا لما يفهم من فقرات وأحكام المواد (12، 13، 15) من العهد، ولم يقصر العهد هذه التفرقة على أعضاء عصبة الأمم وحدهم وإنما مد هذه التفرقة إلى جميع الدول الأخرى.
وطبقًا لعهد عصبة الأمم تعتبر الحرب غير مشروعة في الحالات الآتية:
1 ـ تعتبر الحرب غير مشروعة إذا شنت قبل عرض النزاع على التحكيم أو التسوية القضائية أو التحقيق بواسطة مجلس العصبة وفقا لما جاء بصدر المادة (12/1) من العهد
2 ـ تعتبر الحرب غير مشروعة إذا نشبت قبل انقضاء فترة ثلاثة أشهر على صدور قرار التحكيم أو الحكم القضائي أو تقرير المجلس وفقًا لعجز الفقرة الأولى من المادة الثانية عشر.
3 ـ تعتبر الحرب غير مشروعة إذا أعلنت ضد دولة قبلت قرار التحكيم أو الحكم القضائي الصادر من المحكمة الدائمة للعدل الدولي أو تقرير المجلس الصادر بالإجماع في موضوع النزاع ولو بعد مرور فترة الثلاثة أشهر وفقًا المادتين (13/4، 15/6) من العهد.
4 ـ في حالة النزاع بين دولة عضو ودولة ليست عضوًا في العصبة أو بين دولتين غير أعضاء في العصبة فإن اللجوء إلى الحرب يعد أمرًا غير مشروع في ظروف معينة وفقـًا للمادة (17/1، 3) من العهد.
5 ـ تعتبر حرب العدوان التي تهم أعضاء العصبة جمعيًا طبقًا لنص المادة (10) من العهد غير مشروعة، حرب العدوان هي كل حرب ترتكب خروجًا على التزام الدول الأعضاء باحترام وكفالة السلامة الإقليمية والاستقلال السياسي للدول ضد أي عدوان خارجي
وفى حالة وقوع حرب عدوانية، أو التهديد بها، يشير المجلس بالوسائل التي يتم بها تنفيذ هذا الالتزام، وهذا الفرض قد وضع اللبنات الأولى لمبدأ الأمن الجماعي الدولي، ذلك أن حرب العدوان هذه أصبحت تهم أعضاء العصبة جميعًا، فوجب عليهم أن يهبوا لتقديم المعونة للمجني عليه طبقًا للمادة (11) من العهد( )، ونصت (يعلن أعضاء العصبة بأن أي حرب أو تهديد بها سواء كان أم لم يكن له تأثير مباشر في أي عضو من أعضاء العصبة جميعًا يعتبر مسألة تهم العصبة جميعا)، ويعد نص المادة العاشرة من العهد حجر الأساس فيما يتصل بموقفه من الحرب، ورغم ذلك فقد تعرض لانتقادات عديدة منها أنه تضمن فقط مجرد التزام أخلاقي، بالإضافة إلى عدم وضوح المقصود ببعض الاصطلاحات التي احتواها النص مثل "سلامة الأقاليم، والاستقلال السياسي"
ولعل أهم ما يوجه نص المادة العاشرة، هو التعارض الواضح مع نص المادة (15/7)، من العهد، الذي أجاز اللجوء إلى الحرب في ظروف معينة في حين أن نص المادة العاشرة يبدو وكأنه قد حظر اللجوء إلى الحرب باستثناء حالة الدفاع الشرعي( ) فضلاً عن أن الأعمال التحضيرية للعهد لم يأت بها أي إشارة يمكن بها إزالة هذا التناقض وكل ما يمكن استخلاصه منها هو وجود ارتباط بين نص المادة العاشرة ونص الفقرة السابعة من المادة الخامسة عشر
نستخلص مما سبق أنه بمفهوم المخالفة لحالات الحرب غير المشروعة السابق ذكرها، يمكن القول أن عهد عصبة الأمم قد جعل الحرب مشروعة ضد الدولة التي ترفض تنفيذ قرارات محكمة التحكيم أو الحكم الصادر من محكمة دولية مثل المحكمة الدائمة للعدل الدولي، أو ضد الدولة التي ترفض النزول على مقتضى التقدير الذي يصدر بالإجماع من قبل مجلس العصبة بعد مرور ثلاثة أشهر (م/12/1)، وكذلك تعتبر الحرب مشروعة في حالة الدفاع الشرعي المقابل لحرب العدوان وفقًا لنص المادة (15/7) السابق الإشارة إليها
وترتيبًا على ما سبق، يتضح أن عهد عصبة الأمم لم يحرم اللجوء إلى الحرب تحريمـًا مطلقًا وإنما حرمه تحريمًا جزئيًا فقط، ذلك أن الدول الاستعمارية في ذلك الوقت كان يعز عليها أن تنتقل فجأة من دائرة مشروعية الحرب واتخاذها وسيلة لتحقيق أطماعها وسياساتها إلى دائرة عدم المشروعية واعتبار الحرب وسيلة غير مشروعة
ولم يقتصر العهد على ما سبق، إنما حاول وضع عقوبات ضد الدول التي تلجأ إلى الحرب خلافًا للأحكام والشروط التي وضعت في المادة (16)( ) وصحيح أن هذه العقوبات يمكن أن تكون غير كافية وغير مؤكدة وعرضية ولكن في أحوال معينة تكون قاسية لو طبقتها الدول جميعا، وفى خلال عهد العصبة استمرت النظرة إلى الحرب ومشروعيتها في حدود النصوص التي أوردها وسبق الإشارة إليها، وحدث خلال تلك الفترة مجهودات في إطار العصبة وخارجها فيما يتصل بالأحكام الخاصة بمشروعية الحرب اقتناعًا بضرورة وضع المزيد من القيود على حق الدول في اللجوء إلى الحرب.
الجهود الدولية في إطار العصبة:
تم في إطار العصبة عدة محاولات لوضع قيود على حق الدول في استخدام القوة:
1 ـ مشروع معاهدة المساعدة المتبادلة 1923م
2 ـ بروتوكول جنيف للتسوية السلمية للمنازعات الدولية 1924م
3 ـ تصريح عصبة الأمم بشأن الحرب العدوانية
أما خارج إطار العصبة فقد تمت عدة محاولات للحد من استخدام القوة هي:
1 ـ اتفاقيات لوكارنو 16 أكتوبر 1925م
2 ـ ميثاق باريس (بريان – كيلوج) 27 أغسطس 1928م
يتضح مما سبق، أن المحاولات التي جرت قبل ميثاق الأمم المتحدة، لم تفلح في حظر الحرب أو اللجوء إلى استخدام القوة في العلاقات الدولية، ولم تنجح أيضًا في وضع تنظيم قانوني فعال، في شأن تحريم استخدام القوة المسلحة في العلاقات الدولية، لعدم وجود نص قانوني في شأن تلك المسألة، إضافة إلى الأسباب المتعلقة بقصور التنظيم الدولي
ثانيا: مبدأ حظر استخدم القوة في ميثاق الأمم المتحدة:
جاء ميثاق الأمم المتحدة ليكمل الخطوة النهائية في مراحل حظرالحرب واللجوء إلى استخدام القوة في العلاقات الدولية، فلم تكن المعاهدات والوثائق الدولية التي صدرت قبله كافية لتجنب العالم خطر حرب عالمية أخرى، وهو ما حدث بالفعل، فوقعت الحرب العالمية الثانية التي جرت على العالم أحزانًا وأهوالاً يعجز عنها الوصف، لذلك لم تجد شعوب العالم ـ بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ـ مفرًا من السعي قدمًا نحو ترسيخ مفاهيم التضامن والتنظيم الدولي فتم إنشاء منظمة الأمم المتحدة وقد عبرت عن هذا ديباجة ميثاقها.
ترتيبًا على ما سبق، فقد جاء خطر استخدام القوة في ميثاق الأمم المتحدة موضوعيًا بغض النظر عن المبررات والأعذار، وبذلك تكون الأمم المتحدة قد تمكنت لأول مرة في تاريخ المجتمع الدولي، من تحقيق خطوة إيجابية بتجريد الدول حق اللجوء إلى استخدام القوة أو الحرب لتسوية المنازعات الدولية وذلك ببناء تنظيم قانوني ينشد تحقيق السلم والأمن الدوليين( )، فالحظر في الميثاق على خلاف ما ورد في عهد العصبة، عامًا وشاملاً ( ).
تالتا: أساس مبدأ حظر استخدام القوة في ميثاق الأمم المتحدة:
إن السند القانوني الصريح لمبدأ حظر استخدام القوة في ميثاق الأمم المتحدة المادة(2/4)(يمتنع أعضاء الهيئة عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة).
ويوجد في الميثاق بعض المواد التي تشير ضمنًا أو بطريق المخالفة إلى حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية فمثلاً نصت (1/1) علي (حفظ السلم والأمن الدوليين وتحقيقًا لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم وإزالتها).
فقد أوضحت هذه الفقرة بأن حفظ السلم والأمن الدوليين من أهم أهداف الأمم المتحدة مما يعنى بطريق المخالفة أن نبذ استخدام القوة في العلاقات الدولية يعد أيضًا من أهم أهداف الأمم المتحدة، وتؤكد ذلك (2/3) وتنص علي (يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر)( ).
الواقع أن مبدأ التسوية السلمية الوارد سلفا يرتبط ارتباطـًا وثيقـًا بمبدأ استخدام القوة في العلاقات الدولية، فالمنازعات الدولية لا محال موجودة واستخدم القوة محظور فكان من الطبيعي ضرورة النص على وسيلة أخرى لحل هذه المنازعات الدولية – غير القوة – فجاءت (2/3) لتنص على مبدأ التسوية السلمية كوسيلة لحل المنازعات الدولية( ).
أما نص المادتين (33 و 37) من الميثاق فهما مكملان لنص (2/3) الخاص بالتسوية السلمية للمنازعات الدولية فالمادة (33) من الميثاق توضح طرق التسوية السلمية التي يمكن للأطراف المتنازعة أن تلجأ إليها لحل المنازعات القائمة بينهم
أما المادة (37) من الميثاق، فإنها تجعل لمجلس الأمن دورًا في تسوية المنازعات الدولية في حالة فشل التسوية من خلال الطرق السابقة التي وردت في المادة (33) سالفة الذكر( )تنص المادتين (33 و 37) على الكيفية التي يتم بها تطبيق نص المادة (2/3) بشأن التسوية السلمية للمنازعات الدولية، والذي يعتبر تطبيقه نتيجة حتمية لالتزام الدول بعدم اللجوء للقوة أو التهديد بها في علاقاتهم الدولية
إن المجتمع الدولي ـ بعد ميثاق الأمم المتحدة ـ أصبح ينظر إلى الحروب واستخدام القوة باعتبارهما وسائل غير مشروعة في العلاقات الدولية، ففي 8 أغسطس 1945م أبرم اتفاق بين كل من فرنسا وبريطانيا والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، بإنشاء محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب، وقد أرفق بالاتفاق لائحة تضم الأحكام الخاصة بتشكيل المحكمة وإجراءاتها واختصاصاتها وقد نصت المادة (6) من هذه اللائحة على أن الهدف من إنشاء المحكمة هو محاكمة مجرمي الحرب كما نصت هذه المادة أيضًا على الجرائم التي تختص بها المحكمة والتي يعد ارتكابها منشأ للمسئولية الدولية، ومن بينها الجرائم ضد السلام مثل تخطيط وإعداد وشن حرب عدوانية أو حرب بالمخالفة للمعاهدات الدولية أو الاشتراك في خطة عامة أو مؤامرة في هذا الشأن( ) ثم تأكدت هذه القاعدة بالنص عليها في المواثيق الدولية وقرارات هيئة الأمم المتحدة ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر:
• قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (290) الصـادر في 1/12/1949م والذي يسمـى " أسس السلام" تضمن عددًا من المبادىء دعا القرار الدول الأعضاء إلى احترامها والمبدأ الثاني هو تكرار صريح لنص م (2/4) أما المبدأ الثالث فقد دعا الدول الأعضاء إلى الامتناع عن أي تهديدات وأعمال مباشرة أو غير مباشرة تهدف إلى المساس بحرية واستقلال أو تكامل أي دولة أو إثارة صراعات داخلية وقهر إرادة شعب أي دولة.
• قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (2625) الصادر في 24 أكتوبر 1970م الذي أكد على التزام الدول بالامتناع عن الدعاية لحرب الاعتداء أو التهديد باستخدام القوة أو استعمالها لانتهاك الحدود الدولية لأي دولة كوسيلة لحل المنازعات الإقليمية، وأن انتهاك مبدأ حظر استخدام القوة الوارد في المادة (2/4) يعد انتهاكا للقانون الدولي وأحكام الميثاق.
• القرار رقم (2334) الصادر في 16 ديسمبر 1970، والمعروف بإعلان "تعزيز الأمن الدولي" الذي نص على دعوة جميع الدول بمراعاة أهداف ومبادئ الأمم المتحدة في علاقاتهم الدولية خاصة مبدأ الامتناع عن اللجوء للقوة أو التهديد بها وحل المنازعات الدولية بالطرق السلمية.
• ومن أهم القرارات الصادرة عن الجمعية العامة، القرار رقم (3314) الصادر في 14 ديسمبر 1974م الخاص "بتعريف العدوان"، فقد بدأت محاولات تعريف العدوان عن طريق الأمم المتحدة منذ مؤتمر سان فرنسسكو، إلا أن الجهود التي بذلت في هذا الصدد باءت بالفشل، لم يفت من تصميم الأمم المتحدة على تعريف العدوان، فبدأت المحاولات مرة أخرى اعتبارًا من عام 1950م عن طريق الجمعية العامة من خلال لجنة القانون الدولي، وتكليف الأمين العام للمنظمة بإعداد تقرير شامل عن الموضوع، ثم أنشئت لجان خاصة لتعريف العدوان في أعوام 1953، 1956م، 1967م، إلى أن تم التوصل عام 1974م إلى القرار رقم (3314)، (25)
ويعتبر تعريف العدوان ضروريًا لاعتبارات حفظ السلم والأمن الدوليين، وبعد زهاء نصف قرن تسنى لخبراء القانون والسياسة الاتفاق على تعريف العدوان، بصورة نهائية، حيث كانت المحاولات الأولى قد بدأت منذ عام 1923م في عهد عصبة الأمم. وبعد حل عصبة الأمم واصلت الأمم المتحدة العمل في لجنة خاصة بتعريف العدوان، ثم تقدمت بمشروع للتعريف يتضمن ثماني مواد إلى الجمعية العامة في إبريل سنة 1974م. وقد صدر قرار الجمعية العامة رقم 3314 في دورة الانعقاد التاسعة والعشرين في 15 ديسمبر سنة 1974م بتعريف العدوان كما يلي:
• المادة الأولى: العدوان هو استخدام القوات المسلحة بمعرفة دولة ضد سيادة ووحدة الأراضي أو الاستقلال السياسي لدولة أخرى، أو بأي شكل يتنافى وميثاق الأمم المتحدة، ونلاحظ في هذا التعريف أن لفظة "دولة" استخدمت دون إخلال بمسائل الاعتراف أو ما إذا كانت الدولة عضواً في هيئة الأمم المتحدة وكذلك يقبل المعنى (مجموعة دول) عندما يكون هذا المفهوم مناسبًا.
• المادة الثانية: يعتبر استخدام القوات المسلحة بالمخالفة للميثاق في ظاهر الأمر دليلاً على العدوان ومع ذلك يجوز لمجلس الأمن وفقاً للميثاق أن يقرر أنه ليس هناك مبرر لتقرير وقوع عدوان في ضوء الظروف الأخرى التي لها علاقة بالموضوع بما في ذلك أن الأحداث المعنية أو نتائجها ليست جسيمة لدرجة كافية.
• المادة الثالثة: ترقى أية من الأفعال التالية بصرف النظر عن إعلان الحرب إلى مستوى العدوان، وفقًا لنصوص المادة الثانية:
أ ـ الغزو أو الهجوم بقوات مسلحة تابعة لدولة لأراضى دولة أخرى أو أي احتلال عسكري حتى ولو كان مؤقتًا نتيجة مثل هذا الغزو أو الهجوم، أو أي ضم باستخدام القوة المسلحة لدولة ضد أراضى دولة أخرى، أو استخدام أية أسلحة ضد أراضى دولة أخرى.
ب ـ القصف بالقنابل من القوات المسلحة لدولة ضد أراضى دولة أخرى أو استخدام أية أسلحة لدولة ضد أراضى دولة أخرى.
ج ـ حصار المواني أو سواحل دولة بالقوات المسلحة لدولة أخرى.
د ـ هجوم القوات المسلحة على القوات البرية أو البحرية أو الجوية أو المطارات أو المواني البحرية لدولة أخرى.
هـ ـ استخدام القوات المسلحة لدولة داخل أراضى دولة أخرى وبموافقة الدولة المضيفة، بالمخالفة للشروط المنصوص عليها في الاتفاقية أو أي امتداد لوجودها في تلك الأراضي بعد انتهاء الاتفاقية.
و ـ سماح دولة باستخدام أراضيها ضد دولة إذا وضعتها تحت تصرف دولة أخرى للإعداد للعدوان ضد هذه الدولة الثالثة.
ز ـ إرسال جماعات مسلحة بمعرفة دولة أو عن طريقها، أو قوات مرتزقة للقيام بأعمال مسلحة ضد دولة أخرى بشكل جدي يرقى إلى الأفعال المبينة فيما سبق أو انغماسها المادي في ذلك.
• المادة الرابعة: الأفعال المنصوص عليها فيما سبق ليست على سبيل الحصر ويجوز لمجلس الأمن أن يقرر ما إذا كانت أفعال أخرى تشكل عدواناً بموجب نصوص الميثاق.
• المادة الخامسة: لا يؤخذ في الاعتبار أية دوافع سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو غيرها كمبرر للعدوان. وجريمة العدوان هي جريمة ضد السلام العالمي. وتنشأ عن العدوان مسئولية دولية ولا يعترف قانونًا بضم أراضى أو الحصول على ميزة خاصة تنتج عن العدوان.
• المادة السادسة: ليس في هذا التعريف ما يفسر على أنه توسيع لنطاق الميثاق أو الإقلال منه بما في ذلك النصوص الخاصة بحالات يكون استخدام القوة فيها مشروعًا (م/51).
• المادة السابعة: ليس في هذا التعريف بصفة خاصة المادة الثالثة ما يخل بأي وجه بحق تقرير المصير أو الحرية أو الاستقلال، وفقًا للميثاق، للشعوب التي حرمت قهرًا من هذا الحق وعلى نحو ما هو مشار إليه في الإعلان العالمي لمبادئ القانون الدولي فيما يختص بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، وخصوصاً الشعوب تحت الأنظمة الاستعمارية والعنصرية والأشكال الأخرى للسيطرة الأجنبية، ولا يخل بحق هذه الشعوب في النضال الذي يرمى إلى الحصول على الدعم والمساندة، ووفقًا لمبادئ الميثاق وبما يتفق والإعلان العالمي المشار إليه.
• المادة الثامنة: عند تفسير وتطبيق النصوص السابقة، فإنها تؤخذ بمعانيها معًا، وكل نص يجب أن يفسر في ضوء النصوص الأخرى.
وقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة التعريف السابق بصورة نهائية في 14 ديسمبر 1974م وكان ذلك إنجازًا كبيرًا. وقد صدر هذا القرار بالإجماع. مما يعطيه أهمية قانونية كبيرة
وتتمثل أهمية هذا القرار في تفسير بعض نصوص الميثاق وبصفة خاصة المواد (39، 41، 42) من الفصل السابع الخاص بالأعمال التي يمكن أن يتخذها مجلس الأمن في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان، علمًا بأن هذا القرار لم يتضمن حصرا للأعمال التي يمكن أن تشكل عدوانًا، وبالتالي فإنه يمكن الرجوع إليه – من خلال إعمال القياس – لتكييف حالات العدوان بالنسبة لما يستجد من حالات لم ينص عليها القرار
• مشروع مدونة الجرائم المخلة بسلم الإنسانية وأمنها، ففي عام 1954م، قامت لجنة القانون الدولي بمشروع المدونة، إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي رأت في قرارها رقم (897 د/9) الصادر في 4 ديسمبر لسنة 1954م، ولكن المشروع كما صاغته اللجنة يثير مشاكل ذات صلة بالمشاكل التي يثيرها تعريف العدوان، ولذلك قـررت المدونة إرجاء النظر في مشروع المدونة إلى أن يتم تعريف العدوان وفى العاشـر من ديسمبر لسنة 1981م دعت الجمعية العامة في قرارها (106/ د36) لجنة القانون الدولي إلى استئناف عملها من أجل إعداد مدونة الجرائم المخلة بسلم الإنسانية وأمنها وقد اعتمدت اللجنة بصفة مؤقتة حتى عام 1991م صياغة المواد (من 1 إلى 17) ومازالت اللجنة تعكف على دراسة مختلف جوانب المشروع( ) الخاصة بجريمة العدوان والذي يهمنا في هذا المشروع هو النوع الأول من الجرائم المنصوص عليه في المادة (15/2) التي تنص على ما يلي(استعمال دولة ما للقوة المسلحة ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي أو بأي صورة أخرى تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة).
• المادة (16) من المشروع الخاص بجريمة العدوان فنصت على أنه: (يتمثل التهديد بالعـدوان في إصدار بيانات أو إجراء اتصالات أو استعراض للقوة أو تدابير أخرى من شأنها أن تحمل حكومة دولة ما على الاعتقاد حقًا بوجود تفكير جدي في ارتكاب عدوان على هذه الدولة).
• ويعالج مشروع نص المادة (17/2) جريمة التدخل بأنها تتمثل التدخل في الشئون الداخلية أو الخارجية لدولة ما بالتحريض على القيام بأنشطة "مسلحة" هدامة أو إرهابية، أو في تنظيم هذه الأنشطة أو المساعدة عليها أو تمويلها، أو تقديم الأسلحة اللازمة لها، والإخلال بذلك "على نحو خطير" بحرية ممارسة هذه الدولة لحقوقها السياسية.
• وينص مشروع المادة (24) على جريمة الإرهاب الدولي بأنها عبارة عن: (مباشرة أعمال ضد دولة أخرى أو تنظيمها أو مساعدتها أو تمويلها أو تشجيعها أو السكوت عنها، وتكون أعمالاً موجهة ضد الأشخاص أو الأموال ومن شأنها إثارة الرعب في أذهان الشخصيات العامة، أو جماعات من الأشخاص، أو الجمهور بصفة عامة).
وهذا النص جاء متفقًا والتطورات العالمية التي تعمل على مكافحة الإرهاب، وتعمل على إنزال أقصى العقـوبات بمرتكبيه، والمقصود هنا بالإرهـاب الدولي وليس الداخلي أي الإرهاب الموجه من دولة ضد دولة، أو إرهـاب الجمـاعات والمنظمات على الصعيد الدولي أي التي تشتمل على عنصر أجنبي.
ما سلف، كان أهم المواثيق الدولية والقرارات التي صدرت عن هيئة الأمم المتحدة التي تؤيد وتؤكد ما ورد في نص الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، وهو المبدأ الذي أصبح من النظام العام في القانون الدولي العام، أي من القواعد الآمرة في القانون الدولي، التي لا يجوز مخالفتها ولا حتى الاتفاق علي مخالفتها.
رابعا: المقصود بالقوة المحظورة في الفقرة الرابعة من المادة الثانية (م2/4):
نصت المادة (2/4) على أن: (يمتنع أعضاء الهيئة جميعها في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة).
يمكننا أن نستخلص من نص المادة (2/4) سالف الذكر، أن الدول يحظر عليها ما يلي:
1 ـ التهديد بالقوة أي مجرد التهديد بها.
2 ـ استخدام القوة الفعلية ضد:
أ ـ السلامة الإقليمية.
ب ـ الاستقلال السياسي لدولة عضو من أعضاء المنظمة.
ج ـ استخدام القوة على نحو لا يتفق مع أهداف الأمم المتحدة.
لا يشترط توافر نية عدوانية من الدولة حتى تنتهك الحظر بالمادة (م/2/4) لصعوبة إثباتها.
وقد ثار خلاف في الفقه والعمل الدوليين حول تفسير معنى كلمة "القوة" الواردة في نص المادة (2/4) من حيث أنها تنصرف فقط إلى القوة المسلحة أم تمتد فتشمل الضغوط الاقتصادية والسياسية أيضًا، وهناك اتجاهين رئيسيين:
الاتجـاه الأول: التفسـير الواسـع:
يرى هذا الاتجاه أن اصطلاح " القوة " الذي ورد في المادة (2/4) من الميثاق يشمل القوة المسلحة وغير المسلحة، بحيث تشمل الضغوط السياسية والاقتصادية والدبلوماسية
وقد أستند أنصار هذا الرأي إلى الأسانيد التالية:
1 ـ أن المادة (2/4) لم تحصر الصور المحظورة للقوة، بل بينت أنها تلك الموجهة ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة والتي لا تتفق مع مقاصد الأمم المتحدة وليست القوة المسلحة وحدها هي التي من شأنها حدوث ذلك، بل إن ممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية ضد دولة معينة قد يؤدى إلى ذات النتيجة وبطريقة واضحة .
2 ـ يستند أنصار هذا الاتجاه أيضًا إلى القياس على أحكام المادتين (41، 42) من الميثاق اللتين تتحدثان عن التدابير العسكرية وغير العسكرية التي يجوز لمجلس الأمن اتخاذها، حيث يتلخص منهما أن استخدام التدابير الاقتصادية هو أحدى صور استخدام القوة .
3 ـ نصت مواثيق بعض المنظمات الدولية الإقليمية على حظر لجوء الدول الأعضاء منها إلى وسائل الضغط الاقتصادي أو السياسي في علاقاتها المتبادلة، ومن أمثلة ذلك منظمة الدول الأمريكية في المادة (18، 19) من ميثاق منظمة الدول الأمريكية.
4 ـ ويستندون أيضًا إلى الوثائق الدولية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تشجب التدخل وممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية في العلاقات الدولية باعتبارها مفسرة لكثير من نصوص الميثاق ( )، وعلى سبيل المثال نشير إلى .
أ ـ القرار رقم (2131) في 31/12/1965م والمعروف باسم إعلان عدم جواز التدخل في الشئون الداخلية للدولة وحماية استقلالها وسيادتها (م/2) من هذا القرار.
ب ـ القرار رقم (2625) لسنة 1970م الخاص بإعـلان مبادىء القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقًا لميثاق الأمم المتحدة.
ج ـ تقرير اللجنة الخاصة المعينة بزيادة فعالية مبدأ عدم استعمال القوة في العلاقات الدولية، فقد ورد في ورقة العمل المقدمة للجنة من دول عدم الانحياز أن استعمال القوة أو التهديد بها لا يشمل القوة العسكرية فحسب، بل أيضًا جميع استعمالات القسر الاقتصادي والقسر السياسي، هذا وقد أنشئت هذه اللجنة بقرار الجمعية العامة رقم 150 في 1/12/1977م .
5 ـ أن المادة (2/4) من الميثاق استعملت لفظ القوة Force بدلا من لفظ " العنف " Violence عائد إلى أن واضعي الميثاق قد أرادوا وأن يشملوا بالحظر القوة المسلحة ووسائل القهر الأخرى
إضافة إلى ما سبق، فأن هذا التفسير يتفق مع آراء قضاة محكمة العدل الدولي في رأيهم الاستشاري بشأن نفقات الأمم المتحدة عام 1962م ( ) ونحن نؤيد الاتجاه.
الاتجـاه الثاني: التفسـير الضيـق:
يرى أنصار هذا الاتجاه أن المقصود بالقوة ينصرف إلى القوة المسلحة ولا يتجاوزها لكي يشمل الضغوط السياسة والاقتصادية . (4)
ويستند أنصار هذا الاتجاه إلى:
1 ـ أن تفسير المادة (2/4) يجب أن يكون على ضوء ديباجة الميثاق والنصوص الأخرى وقد نصت الديباجة على "منع استخدام القوة المسلحة إلا للأغراض المشتركة" كما نصت المادة (44) على أنه (إذا أقرر مجلس الأمن استخدام القوة فإنه قبل أن يطلب من عضو غير ممثل فيه تقديم القوات المسلحة) فمضمون هذه المادة يفيد أن لفظ القوة الوارد في الميثاق إنما يقصد به القوة المسلحة، ولا ينصرف إطلاقا إلى ما يسمى بالعدوان الاقتصادي أو العدوان الأيديولوجي، وإن كانت هذه التدابير تمثل تهديدًا للسلم الدولي تقع تحت طائلة المادة (39) من الميثاق.
2 ـ أن الأعمال التحضيرية للمادة (2/4) من الميثاق تؤكد أن مراد واضعي الميثاق من لفظ القوة هو القوة المسلحة.
3 ـ كان من بين الاقتراحات التي عرضت بخصوص صياغة هذه المادة، الاقتراح الذي تقدمت به البرازيل في مؤتمر سان فرانسيسكو ويهدف إلى اعتبار إجراءات الضغط الاقتصادي من قبيل الاستخدام غير المشروع للقوة ورفض هذا الاقتراح.
إن أصحاب هذا الاتجاه ردوا على حجج أنصار الراى الأول التفسير الواسع. ففي معرض الرد على السند الأول قالوا:
• أنه إذا كانت كل من القوة المسلحة والضغوط الاقتصادية من الممكن أن تمس السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي، إلا أننا نسلم مع الجميع بأن المادة (2/4) من الميثاق لا تعالج كل صور استخدام القوة، لأنها تعالج في نصوص أخرى عديدة من الميثاق مثل نصوص الفصل السابع كلها ونص المادة (51) التي عالجت حالة الدفاع الشرعي( ).
والـرد علـى السـند الثاني:
• أن المقابلة بين نص (م/2/4) ونصوص الفصل السابع من الميثاق تبدو غير لازمة في هذا المقام ولا قيمة لها، لأن المادة (2/4) تبين الالتزام المفروض على الدول الأعضاء بعدم اللجوء لاستخدام القوة، أما نصوص الفصل السابع تبين سلطات واختصاصات مجلس الأمن في حفظ السلم والأمن الدوليين، وما يجب عمله عند تعرض السلم والأمن الدولي للخطر( ).
رأى الباحـث: ونحن نذهب لتأييد الاتجاه الأول " التفسير الواسع " لما يأتي:
1 ـ مصطلح "القوة" الوارد في نص (م/2/4) جاء عامًا ولم يخصص ولو كان المقصود به القوة المسلحة لوردت كلمة " المسلحة " ولكن ذلك لم يحدث، مما يعد دليلاً على استيعاب كلمة "القوة" لكافة أنواع القوة، كما أن هناك بعض الضغوط الاقتصادية والسياسية تكون أشد خطورة من القوة المسلحة، وإذا وجهنا نظرنا نحو العراق أيدنا هذا المنطق.
2 ـ عادة ما تستخدم الضغوط السياسية والاقتصادية مصاحبة لاستخدام القوة المسلحة، فضلاً عن أن العديد من الوثائق الدولية التي سبق ذكرها تؤيد صحة ما نراه.
خامسا: نطاق تطبيق الحظر الوارد في نص م2/4 من الميثاق:
إن الحظر الوارد في نص (م2/4) من الميثاق، جاء عامًا وغير مفصل، الأمر الذي يدعونا إلى التساؤل عما إذا كان هذا الحظر لاستخدام القوة أو التهديد بها قاصرًا على علاقة الدول ببعضها البعض أم هذا الحظر يشمل استخدام القوة في العلاقات الداخلية كقيام ثورة داخل الدولة.
وقد أنقسم الفقه في ذلك إلى رأيين:
الأول: يرى أن حظر استخدام القوة الوارد في نص (م2/4) من الميثاق يسرى على الحروب والمنازعات الداخلية، كما يسرى على استخدام القوة في العلاقات الدولية، وقد استند أنصار هذا الرأي على ما يلي:
أ ـ نصت (م2/4) من الميثاق على منع الدول في علاقاتها الدولية عمـومًا، أي سواء كانت خاصة بالمسائل الداخلية أو بالمسائل الخارجية من التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي والاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة.
ب ـلمجلس الأمن أن يتخذ تدابير القسر طبقًا للفصل السابع من الميثاق حتى بالنسبة للأمور التي تعد من صميم السلطان الداخلي للدول الأعضاء (م/39) من الميثاق( ) فإذا علمنا أن الفصل السابع يعمل على حفظ السلم والأمن الدولي، وأن الالتجاء إلى القوة في بعض الأمور الوطنية قد يهدد الأمن والسلم الدولي، الأمر الذي توقعه الميثاق ومن أجله أورد هذا الاستثناء فالذي يؤدى إلى ذلك منع الدول من الالتجاء إلى القوة في هذه الأمور حتى لا يتهدد السلم والأمن الدوليين، أي يعتبر عملها عدوانيًا، فيضطر المجلس إلى التصرف طبقا للمادة (39) من الميثاق
وقد أيد بعض الفقهاء هذا الرأي، ولكن بشرط أن تهدد الاضطرابات الداخلية السلم والأمن الدوليين أو تتم بطريقة تخالف مقاصد الأمم المتحدة.
الرأي الثاني: يرى أصحاب هذا الرأي أن نص (م/2/4) يقتصر مجاله على العلاقات الدولية، أي بين دولة وأخرى، وبالتالي فإن المنازعات الداخلية تخرج عن نطاق الحظر الوارد في نص المادة السالفة( )، يستوي أن تكون الدولة صغيرة أو كبيرة كاملة السيادة أو ناقصة السيادة.
قد استند أنصار هذا الرأي إلى:
إن هذا التفسير يتفق مع نص المادة (2/7) من الميثاق التي نصت على أن: (ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشئون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما وليس فيه ما يقتضى الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق على أن هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الوارد في الفصل السابع)( ).
رأينـا الخـاص:
ونحن نرى أن النزاعات الداخلية إذا هددت السلم والأمن الدوليين، وتم استخدام القوة في هذه النزاعات بطريقة لا تتفق مع مقاصد الأمم المتحدة، فإن الحظر الوارد في نص (م2/4) يمتد إلى هذه النزاعات والاضطرابات الداخلية.
رابعًا: الطبيعـة القانونيـة للمـادة (2/4) من الميثـاق:
يستند تحريم استخدام القوة في عصر التنظيم الدولي إلى نص المادة (2/4) من الميثاق، ويستمد قيمته القانونية من قيمة ميثاق الأمم المتحدة ذاته، وميثاق الأمم المتحدة يعلـو على أي التزام أو معاهدة دولية عقدت أو ستعقد بين الدول أعضـاء الأمم المتحـدة وغيرها، وذلك طبقـًا للمادة (103) من الميثاق التي نصت على أنه: (إذا تعارضت الالتزامات التي ترتبط بها أعضاء الأمم المتحدة، وفقًا لأحكام هذا الميثاق مع أي التزام دولي آخر يرتبطون به فالعـبرة بالتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق).
لذلك أصبح الحظر الوارد بالمادة (2/4) من الميثاق قاعدة قانونية دولية ملزمة للدول الأعضاء وغير الأعضاء في الأمم المتحدة، استثناءً من مبدأ نسبية أثر المعاهدات، لتعلقه بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين، الذي يعتبر مقصد وهدف لكل دول العالم، أي للجماعة الدولية بأسرها.
بل أصبح الأمر أكثر من ذلك، فأصبحت هذه القاعدة الواردة في (م2/4) من القواعد الآمرة في القانون الدولي العام، أي من النظام العام الدولي، مما يترتب عليه عدم جواز مخالفتها حتى ولو بالاتفاق، فأي اتفاق يبرم يخالف تلك القاعدة يعتبر باطلاً بطلانًا مطلقًا، ولا ينتج أثره القانوني بين أطرافه، فلا يجوز الادعاء بحاله الضرورة، أو المصالح الحيوية، أو أي اعتبارات أخرى سياسية كانت أو اقتصادية أو عسكرية وقد أكد ذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (3314) الخاص بتعريف العدوان في مادته الخامسة، ومضمون الالتزام الوارد ينص المادة (2/4) الامتناع عن استعمال القوة أو التهديد باستعمالها، ينصرف إلى القوة المسلحة وشتى أنواع القوة مثل الضغوط السياسية والاقتصادية، شريطة أن تمس سيادة الدول واستقلالها، كما ينصرف إلى العلاقات بين الدول ولا يمتد حكمة إلا في حالة النزاعات الداخلية التي تهديد السلم والأمن الدوليين أو يتم استخدام القوة في هذه النزعات بطريقة تخالف أهداف ومبادئ الأمم المتحدة.
سادسا: الاستثناءات الواردة على مبدأ حظر استخدام القوة
اختلف الفقه الدولي حول الاستثناءات الواردات على مبدأ حظر استخدام القوة في القانون الدولي العام، فمن قائل بأن الاستثناءات واردة في ميثاق الأمم المتحدة بخلاف عهد العصبة، وميثاق باريس ومن قائل بأن هناك استثناء لم يرد في ميثاق الأمم المتحدة ولكنه يظهر بالمخالفة للخطر الوارد في م/2/4 من الميثاق، ومن قائل بأن هناك استثناء أظهرته التطورات الحديثة في العلاقات الدولية.
ولحسن الدراسة والعرض، نتعرض بالدراسة هناك للاستثناءات التي اختلف الفقه حولها، سواء الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، أو التي قال بها الفقه الدولي، وهذه الاستثناءات يمكن تقسيمها إلى:
أ ـ استثناءات واردة في ميثاق الأمم المتحدة.
ب ـ استثناءات قال بها الفقهاء الدوليين.
أ ـ استثناءات واردة في ميثاق الأمم المتحدة:
هناك خمس حالات لاستخدام القوة المسلحة طبقا لميثاق الأمم المتحدة أربعة منها تم النص عليها صراحة، والخامسة لم يوضح في شأنها كيفية استخدام القوة المسلحة، لكنها تم النص والتأكيد عليها بعد صدور الميثاق، بموجب مجموعة من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهى حق الشعوب في تقرير مصيرها( ).
أولاً: تدابير الأمن الجماعي الدولي:
تنص المادة (42) من الميثاق أنه: (إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة (41) لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدوليين أو لإعادته إلى نصابه، ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة).
ورد في هذه المادة حالة تدابير الأمن الجماعي الدولي، وهى التدابير التي يتم اتخاذها من قبل مجلس الأمن طبقًا لأحكام الفصل السابع من الميثاق، والتدابير التي تتخذها الجمعية العامة بناءً على قرار الاتحاد من أجل السلم. وقد سبق دراسة الأمن الجماعي الدولي.
ثانيًا: التدابير التي تتخذ ضد الدول الأعداء، بمقتضى المادة (53/1) أو المادة (107)
وقد فقد هذا الاستثناء علة وجوده، وذلك بعد أن طرأت تغييرات جوهرية على الظروف الدولية التي كانت سائدة وقت الحرب العالمية الثانية، وأصبحت الدول الأعداء في هذه المادة والتي استهدفت بهذا النص وهى ألمانيا وإيطاليا واليابان أعضاء في الأمم المتحدة.
ثالثًا: الأعمال المشتركة التي قد تلزم لحفظ السلم والأمن الدوليين التي تتخذها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بمقتضى المادة (106) من الميثاق:
وتشير هذه المادة إلى قيام الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالنيابة عن الأمم المتحدة، بالأعمال المشتركة اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين، في حالة عدم وجود قوات مسلحة تحت سيطرة وإدارة الأمم المتحدة، طبقًا لنص المادة (43) من الميثاق، وتلك هي الحالة القائمة عليها الآن تلك المنظمة منذ إنشائها، ولذلك فمـن المتصور هنا استخدام القوة المسلحة إذا كان ذلك لازمًا لحفظ السلم والأمن الدوليين طبقا للمادة (106).
رابعًا: حالة الكفاح المسلح لتقرير المصير:
أباح ميثاق الأمم المتحدة استعمال القوة للدفاع عن حق تقرير المصير، وقد عبر الميثاق عن حق تقرير المصير في مواضع عدة، وقد سبق دراسة هذه الحالة في الفصل الثاني.
خامسًا: الدفاع الشرعي طبقا للمادة (51) من الميثاق:
يعد نص المادة (51) من الميثاق أهم وأخطر استثناء ورد في الميثاق خاصة وفى القانون الدولي عامة، وقد أثارت هذه المادة (51) وما نصت عليه من قاعدة الدفاع الشرعي الكثير والكثير من الجدل الفقهي والقضائي الدوليين أكثر ـ في نظر بعض الفقهاء ـ من نص المادة الثانية الفقرة الرابعة، والمادة (51) تمثل المبدأ الأساسي لاستخدام القوة المسلحة في القانون الدولي المعاصر أي الاستثناء الصريح من نص الفقرة الرابعة المادة الثانية، لذلك فإننا نجد ارتباط لدرجة التلازم بين الدفاع الشرعي في القانون الدولي ومبدأ خطر استخدام القوة في العلاقات الدولية، فمنذ اللحظة التي أخذ فيها بهذا المبدأ في معاهدة دولية أثيرت التساؤلات حول ما إذا كان لدولة الحق في أن تدافع عن نفسها باستخدام القوة إذا ما تعرضت لعدوان من دولة أخرى، وهذا ما اعترف به في ظل عهد عصبة الأمم وفى ميثاق بريان ـ كيلوج رغم عدم وجود نص خاص بذلك.
ب ـ الاستثناءات التي قال بها بعض الفقهاء الدوليين:
بالإضافة إلى حالات استخدام القوة المسلحة المنصوص عليها من ميثاق الأمم المتحدة، ذهب بعض الفقهاء إلى القول بوجود حالات أخرى مشروعة دوليًا لأنها لا تتعارض والأحكام العامة لميثاق الأمم المتحدة أو القانون الدولي العام، وتتمثل في ثلاث حالات هي:
1 ـ التدخل.
2 ـ الحق في استخدام القوة لفرض احترام القانون في حالات فشل أجهزة الأمم المتحدة في القيام بوابها، أو الحق في مساعدة الذات.
3 ـ الحق في الحماية المسلحة للحقوق التي تتعرض إنكارًا عنوة "إنكار الحقوق الدولية".
1- التدخــل: التدخل بصفة عامة يعنى، قيام دولة بفرض إرادتها على دولة أخرى من أجل الإبقاء على النظام السائد فيها أو تغيره، فالتدخل هو عمل إرادي من جانب دولة تتعرض به للشئون الداخلية أو الخارجية لدولة أخرى، ويتخذ التدخل صور شتى؛ فقد يكون داخليا أو خارجيا، وثقافيًا أو اقتصاديًا فرديًا أو جماعيًا، سياسيًا أو عسكريًا أو أيديولوجيًا، والتدخل بذلك لا يعد عملا غير مشروع فحسب في القانون الدولي المعاصر، بل يعد أحدى الجرائم الدولية طبقًا لمشروع مدونة الجرائم المخلة بسلم الإنسانية وأمنها، بحيث أصبح الالتزام الدولي بعدم التدخل من قواعد العرف الدولي المستقرة في ضمير الشعوب، فبلغ الالتزام بالقاعدة العامة العرفية التي تحرم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية على النحو الوارد في نص المادة (2/4) من الأمم المتحدة مما جعل مبدأ عدم التدخل أحد المبادىء العامة في القانون الدولي المعاصر، وقد ورد في ميثاق الأمم المتحدة بنص المادة (2/7) منه عندما ذكر أنه: (ليس في هذا الميثاق ما يسوغ "للأمم المتحدة" أن تتدخل في الشئون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما) وإذا كان التدخل في الشئون الداخلية للدول الأعضاء أمرًا محظورًا على المنظمة العالمية فمن باب أولى محظور في علاقات الدول بعضها البعض( ).
والتدخل محظور بمقتضى القواعد الدولية سواء كان واقعًا على الشئون الداخلية أو الخارجية للدول الأخرى، وقد تضمن إعلان مبادىء القانون الدولي الخاص بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، والذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1970م الإشارة إلى عدة مبادىء تتعلق بعدم التدخل، وقد أشار الإعلان بصفة خاصة إلى بعض الحقوق الأساسية للدول والتي لا يمكن التنازل عنها ومنها حقهم في اختيار نظامها السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي( ).
وقد تصدى الفقه الدولي لدراسة مبدأ عدم التدخل المشروع وغير المشروع دوليًا، ولذلك فإن الفقه اتجه إلى تقييد تطبيق هذا المبدأ بمجموعة شروط يمكن تلخيصها فيما يلي( ):
أ - يجب أن يكون الرضا بالتدخل صادرًا عن هيئة تمثل حقيقة إرادة الدولة المعنية أي الحكومة الشرعية التي تمثل الدولة بصورة واقعية عن ذلك الرضا.
ب- يجب أن يكون الرضا بالتدخل صحيحًا خاليًا من عيوب الرضاء مثل الغلط أو التدليس أو الإكراه، كذلك يجب أن يكون قد تم وفقا للأوضاع الدستورية للدولة التي ارتضت بالتدخل "مثال ذلك أن تصريح برلمانها بذلك".
ج- يجب أن تراعى الدولة المتدخلة حقوق كافة الدول وليس فقط الدولة طالبة التدخل فلا يبرر رضاء دولة ما بتدخل دولة أخرى في أراضيها وأن تقوم هذه الأخيرة بالتدخل لدى دول أخرى ارتبطت مع الدولة طالبة التدخل بمثياق دفاعي "تكتل عسكري" فالرضاء هنا استثناء على مبدأ عام يحظر استعمال القوة في العلاقات الدولية (م2/4) من الميثاق يقدر بقدره ولا يتوسع في تفسيره.
د- يجب ألا يتعارض أو يخالف التدخل والرضا به، قاعدة أمرة من قواعد القانون الدولي، كأن ترتكب أثناء التدخل أعمال عدوانية، فالعدوان محـرم في جميع صورة وأيضًا لا يعتبر الرضا قانونًا ومنتجًا لآثاره القانونية إذا كان من شأنه الحفاظ وإعادة نظام استعماري.
هـ- ينبغي أن يكون الرضاء سابقًا على التدخل باستعمال القوة، فإن كان لا حقـًا عليه فإنه لا ينفى عنه "أي التدخل" عدم المشروعية، ولكنه يعد تنازلاً من الدول المعنية عن المطالبة بترتيب الآثار الناجمة عن التدخل غير المشروع فى إقليمها بالمخالفة لمبدأ خطر استخدام القوة في العلاقات الدولية.
إلا أن الفقه الدولي لم يتفق على الحالات الاستثنائية للتدخل المشروع دوليا، ولكن يمكن القول بأن أهم هذه الحالات هي( ):
1- التدخل الجماعي طبقًا لميثاق الأمم المتحدة (المواد 2/7، 39، 51).
2- التدخل الاتفاقى بناءً على موافقة صريحة صادرة من الدولة المتدخل في شئونها.
3- التدخل في شئون الدول المشمولة بالحماية بالنسبة للدولة الحامية.
4- الدفاع عن الذات أو الدفاع الشرعي لمواجهة خطر هجوم مسلح سواء أكان التدخل فرديًا أو جماعيًا وفقًا للأحكام الواردة في نص المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة.
5- التدخل في حالة ما إذا كانت الدولة المتدخل في شئونها قد ارتكبت مخالفة خطيرة لأحكام القانون الدولي العام في حق الدولة المتدخلة كأن تكون هي نفسها قد بدأت بالتدخل في شئون الدولة الأخيرة دون سند من القانون الدولي.
6- التدخل الإنساني لحماية حقوق ومصالح رعايا الدولة في الخارج أو من أجل التصدي للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
ويهمنا هنا الحالة الأخيرة التدخل الإنساني لأن هناك عددًا كبيرًا من الفقه الدولي يقول بمشروعية هذا التدخل حتى لو بلغ الأمر حد استخدام القوة المسلحة من قبل دولة ضد دولة أخرى كما حدث في البوسنة والهرسك وكوسوفا( )، وقد ذهب جانب من الفقه الدولي المعاصر إلى تأييدهم فيما ذهبوا إليه وقد قالوا بتعريف، للتدخل الإنساني بأنه (ذلك العمل المسلح الذي تلجأ إليه الدولة ضد دولة أخرى من أجل العمل على إيقاف انتهاكات القوانين الإنسانية ضد رعايا الدولة الأولى للاعتبارات الإنسانية). وقد أستند أنصار التدخل الإنساني على الأسانيد الآتية:
أ - نص المادة (2/4) من ميثاق الأمم المتحدة.
ب- المحافظة على السلام العالمي.
ج- القواعد العامة للمسئولية الدولية.
د - الاعتبارات الإنسانية للتدخل المسلح.
فيرى هؤلاء الفقهاء أن مقاصد الأمم المتحدة تتضمن الاعتبارات الإنسانية، علاوة على ذلك فإن هناك علاقة وثيقة بين احترام حقوق الإنسان والمحافظة على السلام العالمي، لأنه يضع حد النهاية مرحلة تاريخية كانت تمارس فيها الدول سياسة القهر والظلم ضد الشعوب. بالإضافة إلى ما تقدم فإن التدخل للاعتبارات الإنسانية يشكل أحد أسباب انتقاء المسئولية الدولية على أساس أن هناك حالة ضرورة تسمح للدولة بمخالفة التزاماتها الدولية، وأخيرًا فإن هناك سلوك متواتر منذ الحرب العالمية الثانية يشير إلى توافر القاعدة العرفية في شأن التدخل المسلح للاعتبارات الإنسانية، ونحن لا يسعنا إلا تأييد هذا الاتجاه إذا اجتنب المثالب والأغراض الغير المشروعة التي ترتدي ثوب التدخل الإنساني والإنسانية منه براء.
ولكن اشترط الفقه الدولي عدة شروط في التدخل الإنساني أهمها:
1- أن يكون التدخل لمصلحة الإنسانية، بمعنى ألا يكون له أية أهداف أخرى سوى العمل على إيقاف المعاملة المخالفة للقوانين الإنسانية.
2- أن يكون التدخل ضروريًا، ومن علامات ذلك أن يرحب ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان بالغزو الأجنبي أو التدخل العسكري ضد الحكومة الديكتاتورية.
3- أن يكون هناك تناسبًا بين العمليات العسكرية والهدف الإنساني الذي تم التدخل من أجله.
2 ـ الحق في استخدام القوة المسلحة لفرض احترام القانون:
كان هذا الحق مشروعًا في القانون الدولي التقليدي أي قبل عصر التنظيم الدولي، حيث كانت الدول تلجأ إلى استخدام القوة لفرض احترام القانون، حيث لم تكن هناك أجهزة متخصصة في النظام الدولي تمارس مثل هذه المهمة، لذلك كانت الدول تمارس هذه الوظيفة عن طريق الحرب، أي باستخدام القوة التي كان وسيلة مشروعة من وسائل فض المنازعات، فقد كانت قوات الحلفاء تعتبر قيامها بالحرب ضد ألمانيا في الحرب العالمية الأولى لفرض احترام القانون الدولي.
ولكن في عصر القانون الدولي المعاصر "عصر التنظيم الدولي" أخذت فكرة هذا الحق في الاختفاء تدريجيًا، حتى أصبحت تتعارض – من حيث المبدأ – مع مفهوم القانون ذاته وتأكد ذلك في نص المادة (2/4) من ميثاق الأمم المتحدة الذي نص – لأول مرة – على قاعدة حظر استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية من جانب الدول بصورة مجتمعة أو منفردة بما لا يتفق والأحكام العامة في الميثاق.
ولكن ومع ذلك فقد ظل جانب من الفقه يتمسك بهذا المبدأ، خاصة فى الحالات التى تفشل فيها الأجهزة الدولية، عن القيام بوظيفتها، بحفظ السلم والأمن الدوليين ورد الحقوق إلى أصحابها( ).
ولكننا نرى أنه في حالة فشل الأجهزة الدولية عن القيام بوظيفتها، تكون الدولة المعتدى عليها أمام حالة دفاع شرعي يبح لها استخدام القوة للحفاظ على حقوقها ولكن يجب بداية سلوك الطرق السلمية لفض المنازعات الدولية.
3 ـ الحق في الحماية المسلحة للحقوق التي تتعرض للإنكار عنوة:
يتلخص مضمون حق الدولة في حماية وتأكيد حقوقها التي يتم إنكارها بصورة مخالفة للقانون في ثلاث حالات رئيسية هي( ):
أ - حق الدولة في اتخاذ تدابير الحماية المسلحة لتأمين إقليمها ضد الأعمال المشروعة المخالفة لحقوق الدولة في سلامة إقليمها والرد على حالات التدخل غير المباشر غير المشروع سواء أكان ذلك في شكل مادي أو أي مساعدات أخرى للقيام بعمليات إرهابية على إقليم الدولة لا ترقى إلى درجة الهجوم المسلح.
ب- حق الدولة الساحلية، دولة العلم في حماية وتأكيد حقوقها في المناطق البحرية التي تعد جزاءً من إقليم دولة أو أكثر من دولة (والتي يطبق فيها نظام خاص للملاحة البحرية كما في حالة البحر الإقليمي والمضايق الدولية).
ج- تأمين وتأكيد حقوق جميع الدول وحرياتها في المناطق التي لا تخضع للسيادة الإقليمية لأية دولة (وعلى وجه الخصوص في سطح أعالي البحر وأسفلها، والمنطقة الاقتصادية الخالصة).
هذا وقد وصفه الفقيه "والدوك" بأنه نوع خاص من الحقوق، وأنه يتم ممارسته في حالات محددة وتستند مشروعيته إلى النصوص الاتفاقية الدولية وقواعد العرف الدولي، وأن من أهم خصائص هذا الحق ما يلي:
1- إن استخدام القوة المسلحة، في هذا الحق، هو استخدام محدود لا يرقى إلى درجة استخدام القوة المسلحة في حالة الدفاع عن النفس.
2- يخضع استخدام القوة المسلحة، في هذا الحق، لشرطي الضرورة، والتناسب.
3- يستند استخدام هذا الحق إلى نص اتفاقي أو عرف دولي.
لا يعد هذا الحق نوعًا من المساعدة الذاتية Sell-help أو الانتقام Reprisal لأنه لا يستهدف توقيع العقاب، كما أنه يتم طبقًا للقانون الدولي المعاصر.
هذا الحق محل خلاف كبير بين الفقهاء في القانون الدولي، ويبدو أن هذا الخلاف الفقهي قد انتقل إلى لجنة القانون الدولي بالأمم المتحدة، وهى بصدد مناقشة حالة الضرورة كأحد الأسباب النافية للمشروعية الدولية، وقد ثار خلاف حول مشروعية لجوء الدولة إلى استخدام القوة المسلحة في غير حالات الدفاع الشرعي، أو الحالات التي لا ترقى إلى درجة الهجـوم المسلح ومن أمثلة:
1- قيام الدولة ببعض الغارات الجوية على إقليم دولة أخرى لمنع قيام جماعة مسلحة تقوم بالإعداد لهجوم مسلح من أعلى إقليم تلك الدولة ضد الدولة الأولى.
2- مطاردة الجماعات المسلحة أو الخارجة على القانون بالتسلل عبر حدود دولة أخرى وقاموا باستخدام إقليمها كقاعدة لانطلاقهم.
3- حماية مواطني الدولة من الاعتداءات الصادرة من القوات أو جماعات لا تعمل تحت إشراف أية دولة.
4- استخدم القوة المسلحة للحد من مصادر الخطر التي تصل إلى مناطق الحدود الطبيعية القانونية لحق الدولة في حماية وتأكيد حقوقها التي يتم إنكارها مخالفة للقانون:
يرى أنصار هذا الحق، أنه يختلف عن الدفاع الشرعي، لأنه يستخدم في الحالات التي لا ترقى إلى درجة الهجوم المسلح المستوجب للدفاع الشرعي. كما أنه يختلف عن الحماية الذاتية المسلحة أو التدابير الثأرية المسلحة بأنه لا يخالف نص المادة (2/4) من الميثاق، ويتميز هذا الحق عن الانتقام المسلح بأن الأخير يتضمن معنى العقاب علاوة على أنه مخالف لنص المادة (2/4) من الميثاق ويختلف أيضًا عن التدابير المضادة التي تعتبر رد فعل مشروع عن فعل غير مشروع، أما هذا الحق والذي يتضمن قدرًا من استخدام القوة المسلحة من أجل تأكيد حقوقها وحمايتها فهو تصرف مشروع من حيث المبدأ( ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق