السبت، 3 أبريل 2010

لجذور التاريخية لظاهرة الارهاب

شنكاو هشام باحت في العلاقات الدولية والقانون الدولي


ربما بإمكاننا ان نحدد بداية الارهاب الذي مارسه الأفراد بعهد الجمهوريات اليونانية والرومانية القديمة . وفي ضوء المفهوم التقليدي للارهاب يرى البعض اغتيال الامبراطور يوليوس قيصر عام (44) ق.م مثلا من امثلة الارهاب ينطبق على اغتيال رئيس دولة في العصر الحديث .
وفي القرن الحادي عشر نشأت في الشرق الأوسط جماعة (الحشاشين) الدينية التي تمتد في أصولها الى الإسماعيلية وحين أراد (الحشاشون) ان يحتفظوا بمعتقدهم الديني وتقاليدهم الاجتماعية قاومهم السلاجقة الذين كانوا يومها حكام المنطقة . وكان ردهم على هذه المقاومة ان لجأوا الى أساليب الإرهاب والعنف ، وكان الاغتيال ابرز هذه الأساليب وهكذا اغتالوا الوزير السلجوقي في (نظام الملك) عام 1092 وملك القدس الصليبي (كونرادي موتغيرا) وحاولوا ان يغتالوا القائد العربي الاسلامي (صلاح الدين الأيوبي) مرتين كما نشأت في الشرق الأقصى جماعات دينية وسياسية اعتمدت الارهاب لتحقيق أهدافها وكان من أبرزها جماعة (الخناقين) التي اعتاد افرادها خنق معارضيهم بأشرطة حريرية .




وبحلول القرن السادس عشر ، شهد العالم الارهاب ، وهو ينتقل الى أعالي البحار حيث أخذت عصابات خارجة عن القانون ترتكب هناك أعمال القرصنة التي كانت عبارة عن ممارسات نهب واعتقال حيال السفن التجارية ورغم ان القرصنة كانت تمارس لابتزاز الأموال أولا ، فقد كانت تمارس كذلك لارغام بعض السلطات على تحقيق مطالب سياسية معينة .
وفي بداية القرن التاسع عشر ، كانت الولايات المتحدة الامريكية مرتعا جديدا للارهاب ، فقد نشأت هناك عدة حركات عنصرية هدفها ارهاب الزنوج والملونين بصورة عامة وتتجسد هذه الحركات في الأنشطة التي كانت تمارسها منظمة (كوكلاكس كلان) الارهابية التي أنشأها المزارعون الجنوبيون عام 1856 ضد الحقوق المدنية للزنوج وكان الشنق على الأشجار قانون المنظمة هذه .
ولا ريب ان الاشخاص الذين آمنوا بالارهاب كأداة لتحقيق تغير سياسي واجتماعي ما كانوا اكثر ممارسي الارهاب فاعلية ونشاطا وقد تجسدت هذه الحقيقة في الحركة الفوضوية في اوربا في العقدين الاخيرين من القرن التاسع عشر .
وهناك من يحاول ان ينفي عن الفوضوية صفة الارهاب، قائلا ان الفوضويين كانوا متفقين الى حد كبير على أهدافهم العامة النهائية، إلا انهم اختلفوا على اساليب تحقيقها اختلافا شديدا. فالفوضويين من اتباع (تولستوي) لم يقروا الارهاب في أي ظرف من الظروف، وجماعة (نمودوين) سعت للتغيير من خلال النقاش والاقناع وحدهما، و(برودون) وأنصاره رأوا انتشار المنظمات التعاونية بصورة سلمية سبيلهم الوحيد الى تحقيق أهدافهم اما (كروبوتكن) فلم يأخذ بفكرة العنف او الارهاب إلا على مضض إذ كان يعتقد بان العنف لابد ان يقع خلال الثورات، وبأن الأخيرة مراحل لامفر منها في التقدم الانساني .
وأيا كانت مواقف الحركات الفوضوية بهذا الصدد فقد بلغت عبادة الارهاب ذروتها في بداية العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ففي فرنسا مثلا جرى تأسيس حركة العصابة السوداء الفوضوية التي ضمن حوالي ثمانمئة عضو حيث أخذت تهاجم الكنائس والشركات بين عام 1882 وعام 1884 وبرز فيها إرهابيون شنوا سلسلة أعمال إرهابية بين عام 1892 وعام 1894 . ومع تصاعد البطش الذي جوبهت به هذه الحركات في عدد من الأقطار الأوربية وفي مقدمتها روسيا وفرنسا وايطاليا واسبانيا، وإخفاقها في تحقيق أي هدف من اهدافها، استنتج عدد من قادتها بان الطريق الوحيد لتحقيق التحول الاجتماعي العادل هو العنف الموجه الى رئيس الدولة. وهكذا اغتيل رؤساء الدول والحكومات في هذه الفترة فهم: الرئيس الامريكي (جيمس أ. غارفيلر) 1881 وقيصر روسيا (الكسندر الثاني) في العام نفسه، ورئيس وزراء ايرلندا (اللورد فردريك كافندش) 1882 والرئيس الفرنسي (سادي كارنو) 1894 ورئيس وزراء اسبانيا (انتونيو كانوفاس ديك كاستيلو) 1897 وامبراطورة النمسا وهنغاريا (اليزابث) 1898 وملك ايطاليا (امبيرتو الاول) 1900 والرئيس الامريكي (ويليم ماكنلي) 1901 ورئيس وزراء روسيا (بيتر ستولين) 1911 ورئيس وزراء اسبانيا (جوس كاتاليس) 1912 .
وبالرغم من ان اعمال الارهاب هذه لم تؤد الى تغييرات جذرية في الحياة السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية في اوربا، فقد ساعدت على بلورة سير بعض الأحداث الكبرى في تلك المرحلة، ومنها الحرب العالمية الأولى وهكذا، مثلا استغلت المانيا وحليفتها الامبراطورية النمساوية

الهنغارية الفرصة التي وفرها اغتيال ولي عهد النمسا (الدوق فرانز فيرديناند) وزوجته في (سيراجيفو) على يد قاتل سياسي من (صربيا) في 28 حزيران 1914 لتثيرا بعد شهرين حربا عالمية استمرت أربع سنوات.
ومن الحربين العالميتين الاولى والثانية نشأت وتصاعدت في عدد من المستعمرات والدول الخاضعة للنفوذ الاجنبي حركات استقلالية انتهج بعضها طريق العنف ـ الارهاب الموجه الى ممثلي هذا النفوذ وأعوانه وهذا ما حصل مثلا في شرق آسيا وبخاصة في الهند. وكما قال أحد الزعماء الوطنيين في الهند بعد استقلالها عام 1950 ان استقلال الهند لم يتم كله بالعنف ولكنه في الأقل لم يتم بدون العنف وفي الشرق الأوسط ظهرت منظمات سرية وكان معظمها يعتمد العنف أحيانا لتحقيق أهداف قومية او دينية، كجمعية مصر الفتاة التي حاربت السياسيين المصريين الموالين للسياسة البريطانية. وقد أدت اعمال هذه الجمعية الى مقتل اثنين من رؤساء الوزارات وعدد آخر من المسؤولين المصريين .
إلا أن الشرق الأوسط شهد أيضا في الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين وبعد الحرب الثانية، نمطا من الارهاب يختلف اسلوبا وهدفا عن كل الأنماط التي شهدها من قبل. وتركز هذا الارهاب في فلسطين، حيث قامت الجماعات الارهابية الصهيونية هناك باعتماد اسلوب التشريد والقتل الجماعي لتحقيق اهدافها الاستيطانية . وفي مواجهة الصمود الذي ابداه الشعب الفلسطيني على ارضه طوال فترة الانتداب البريطاني بل ما قبله عمدت المنظمات الصهيونية الارهابية الى تصعيد الارهاب والرعب الدمويين الى اقصى درجاتها، بغية اقتلاع هذا الشعب من ارضه وتشريده. وكان ابرز اعمال الارهاب الصهيوني في تلك الفترة مجزرة (دير ياسين)

التي ارتكبت في نيسان 1948 ومنذ عام 1905 خططت ونفذت هذه الاعمال الارهابية منظمات مزودة بكل مستلزمات الارهاب من مال وسلاح ومعلومات وقصد اجرامي، فكان ابرزها (هاشومير) و(غوديم) و(هاغانا) و(ارغن زفاي لومي) و(شتيرن). وكانت هذه المنظمات كلها هدفا وأسلوبا وأفرادا الأساس الذي قامت عليه المؤسسة العسكرية الاسرائيلية الحالية. وهذا ما يفسر اعتماد هذه المؤسسة أسلوب الارهاب في مقاومة خصمها اضافة الى اساليب العمل العسكري التقليدية . كما شهد العقدان الاخران عمليات ارهابية صهيونية ضد المواطنين العرب ,حيث يتسم الارهاب ضدهم في المناطق المحتلة بالاعدام الجماعي وذبح اللاجئين العزل العائدين الى بيوتهم، والقتل والمعاملة الوحشية دون تمييز في اثناء منع التجوال والتفتيش والتظاهرات وهدم القرى والمناطق المدنية وترحيل السكان وطردهم جماعيا وتدمير المحاصيل بمواد كيمياوية .
اما خارج الأرض المحتلة فقد قام الكيان الصهيوني بعمليات ارهابية حيث طور وسيلة الاغتيال من الرصاص الى الرسائل والطرود الملغومة الى استخدام التفجير بواسطة اللاسلكي عن بعد .


ويستوقفني امر مهم وهو ان أهم الخطوات الفعالة التي خطتها اسرائيل عن طريق انتاج الأسلحة النووية وهي انشاء مفاعل ديمونة وهو مفاعل بُنيَ بمعاونة فرنسا بمقتضى اتفاقية سرية عام 1957 ووضع تحت الاشراف المباشر لوزارة الدفاع الاسرائيلية .


وخلاصة القول ان اسرائيل قد لجأت بالفعل الى الخيار النووي من حيث امتلاك الأسلحة النووية لتقاتل بها إذا ما شعرت انها تقف في الخندق الاخير .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق