الجمعة، 2 أبريل 2010

القانون الدولي العـــام

شنكاو هشام باحت في العلاقات الدولية

اولا_التعريف بالقانون الدولي العام .
لقد حاول الإنسان منذ بداية الخليقة أن يقترب من أخيه الإنسان ومن ثم يوسع من دائرة الاقتراب تلك ،حتى تشابكت العلاقات ، وتنوعت لتشمل كافة مجالات الحياة ، وقد اتسمت في بعض الأوقات بالسلمية ، وفي بعضها الآخر بالتوتر الذي أدى في الكثير من الأحيان إلى نشوب الحروب التي من جرائها خسرت البشرية الملايين من أبنائها. لكن الإنسان سعى كفرد وكجماعات ـ ومنها الدول- لإقامة أفضل العلاقات مع الغير.

إن التقدم الذي حصل تدريجياً منذ البدايات ، وتسارعه في القرنين الماضيين خاصةً ، جعل علاقة الإنسان بالإنسان ، وعلاقات المجتمعات ، والدول فيما بينها من أقصى مشارق الأرض إلى مغاربه تزداد تعقيداً ، ويأخذ طابعاً يومياً مع أنهم جميعاً يعيشون في بقعة صغيرة من الأرض - بتلاشي الأبعاد والمسافات بين البلدان- أدت الى تشابك المصالح والاشتراك العالمي في الحضارة والثقافة وامتزاجها. كما أن التقدم الصناعي والتقني ، والاكتشافات العلمية ، والتقنية الحديثة في الاتصالات، والقدرة السريعة على البيع والشراء ـ أسهماً كانت أم أرصدة أم مواداً- جعل التوجه نحوالإستقرارفي العلاقات ، والتعاون ، والهدوء في الأنظمة السياسية أكثرإهتماماً ، ولم يعد الهدوء الداخلي وحده في دولة بعينه كافياً لتحسين العلاقات فيما بين الدول ، فما يحدث في دولة ما من منازعات داخلية قد يهدد السلم ، والأمن في دول أخرى . لذلك كان لا بد للقانون الذي ينظم العلاقات فيما بين الدول من أن يتطور، وينظم تلك العلاقات طرداً مع ما يتناسب من التطوروالتقدم الحاصل في المجتمع البشري.

إن التطورالذي حصل في المجتمع البشري الذي كان من نتيجته نشوء الدول كارقى شكل من أشكال التنظيم في المجتمعات . والدولة - بين جماعة الدول- كالفرد بين باقي أبناء جنسه ، حيث لم تقتصر
الحاجة إلى التعاون بين الأفراد ضمن الدولة ، بل الدول أيضاً فيما بينها هي أحوج إلى التعاون المتبادل ، حيث يصعب عليها البقاء في عزلة عن بقية الدول ، فقد يتوفرلديها من الحاجيات أكثرمما يلزمها ، في حين قد تنقصها بعض الحاجيات الأخرى مما هو متوفر لدى غيرها من الدول ، وهذا الإحتياج يدفعها أن تدخل مع غيرها من الدول في علاقات التبادل والتعاون ، ولابد أن يكون لعلاقة التبادل والتعاون هذه من منظومة ينظمها ، وتتمثل تلك المنظومة في القانون الدولي العام ، شأنه في ذلك شأن القانون الداخلي في تنظيم العلاقات بين هيئات الدولة الواحدة وبين أفرادها. وعلى ذلك يمكن تعريف القانون الدولي العام بأنه : "مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الدول، وتحدد حقوق كل منها وواجباتها" (1) .
ويمكننا ذكر بعض التعاريف التي أوردها كل من :

- الأستاذ روسوحيث يعرفه بأنه :" ذلك الفرع من القانون الذي يحكم الدولة في علاقاتها المتبادلة"(2) .

ويورد الدكتور علي صادق ابوهيف في مرجعه السابق التعريف الذي يتبناه كل من أوبنهايم وشتروب كالتالي:
- أوبنهايم ويعرفه بأنه :" مجموعة القواعد العرفية ، والإتفاقية التي تعتبرها الدول المتمدنة ملزمة لها في تصرفاتها المتبادلة" .

- شتروب ويعرفه بأنه : " مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن حقوق الدول ، وواجباتها، وحقوق ، وواجبات غيرها من أشخاص القانون الدولي".
من خلال التعاريف المذكورة وما سنورده لاحقاً يتبين لنا بان القانون الدولي ينظم العلاقات فيما بين الدول ، أي ان الدول هي موضوع القانون الدولي العام ، وهذا ما يستدعينا بالضرورة أن نفرق بين العام منه والخاص . فالقاعدة القانونية التي تمس الدولة ، أو تلك التي تكون الدولة طرفاً فيها بصفة الدولة ، تكون من قواعد القانون العام . أما اذا اقتصرت القاعدة القانونية على تنظيم الروابط بين الأفراد فتكون من قواعد القانون الخاص ، لذلك يكون ضابط التمييزبين القانون العام والقانون الخاص هو وجود الدولة في الرابطة القانونيةالتي تنظمها القاعدة القانونية ، ولا يجب أن ننسى بأن الدولة موضوع القانون العام يقصد بها باعتبارها تلك الوحدة السياسية المستقلة ذات السيادة ،لا باعتبارها فقط شخصاً قانونياً عادياً ، وعندها تكون موضوعاً للقانون العام الداخلي وليس الدولي . فالقانون العام هو :" مجموعة القواعد المنظمة لسلطات الدولة ، والعلاقات بالأفراد وبغيرها من الدول بعكس القانون الخاص الذي ينظم روابط الأفراد ببعضهم مثل قواعد القانون المدني ، و التجاري".

وما يهمنا من فروع القانون هو:
القانون الدولي العام : هو مجموعة القواعد التي تحكم فعلاً تصرفات جماعة الدول المتمدنة فيما يقوم بينها من علاقات(3) . كما لا يمكننا العزل ، أوالفصل بين القانون الدولي العام وبين المجتمع الدولي ، فالأخير يعتبرموضوعاً للأول لذلك يرى الفقه بوجود رابطة بينهماعندما يعرف المجتمع الدولي بأنه :
"مجموعة من الوحدات السياسية المستقلة ، أو صاحبة السيادة التي تدخل في علاقات متبادلة استناداً الى قواعد سلوك تعترف بها كقواعد ملزمة تطبق في وقت السلم والحرب".
وقد قرر القضاء الدولي أيضاً هذا الربط بينهما عندما قررت المحكمة الدائمة للعدل الدولية في قضية(Lotus) في 7 سبتمبر 1927 من أنها : "تعتقد أن معنى اصطلاح قواعد القانون الدولي لا يمكن أن يعنى وفقاً لإستعماله الجاري إلا القانون الدولي المطبق بين مختلف الأمم التي يتكون منها المجتمع الدولي(4)
2- غاية القانون الدولي العام
لقد كان قصدنا من إيراد التعريف بالقانون الدولي العام هو الوصول إلى معرفة الغاية منه. فالإرتباط بينهما وثيق جداً لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، ولم يكن باستطاعة الجماعات البشرية منذ القديم أن تعيش في حالة الإنعزال عن بعضها ، فقد تداخلت فيما بينها ولوبالحد الأدنى في البدايات ، وقد تطور ذلك التعامل مع تطور وتقدم الفكرالبشري حتى أصبح المجتمع منتظماً في دول ، أخذت العلاقات أيضاً فيما بينها طابعاً تنظيمياً تتعلق بمسألة السيادة الوطنية ، أوالاقليمية. كذلك مسائل الحدود فيما بين الدول أصبحت تشكل حاجزاً لابد من عبوره للدخول أوالخروج بموجب قوانين ، ومعاهدات تنظم ذلك العبور. كما أن الجرائم التي أصبحت تحدث في إقليم دولة ما بتوافرعنصرخارجي استلزمت بالضرورة إيجاد قوانين تنظم تلك الحالات من حيث القانون الواجب التطبيق على سبيل المثال ، حيث أن :

1- التطور الهائل في مجال الصناعة ، ووسائل النقل ، والإتصال في عصرنا هذا جعل من المجتمع الدولي مرتبطاً ومتصلاً ببعضه بصلات وثيقة. فارتباط الثقافة ، والإقتصاد ، والسياسة ، والحاجيات ببعضها بحيث من الصعوبة على إحدى الدول إمكانية العيش في عزلة عن البقية ، وبتوسع العلاقات المرتبطة هذه ازدادت الحاجة إلى تنظيم تلك العلاقات بشكل دقيق وإيجاد ، وتطويرمنظومة قانونية تنظمها بغية التفاهم واستتباب الأمن ، واستمرارالإستقرار.
فالإختراعات الحديثة التي تمت لا يمكن استغلالها على وجهها الأكمل إلا إذا تم ذلك في المحيط الدولي بشكل واسع كالطيران ، واللاسلكي ، والنقل البحري وغيرهما. إن ضرورة التعاون هذه لابد أن يتم ضمن أنظمة دولية ، وفي ظل علاقات مستقرة فيما بين الدول، ومهمة القانون الدولي هو تنظيم هذه العلاقات ، وغايته في ذلك تيسير سبل الحياة للأفراد ، وضمان رفاهيتهم بالتعاون للحصول على جميع حاجاتهم على اعتبارهم أعضاء في المجتمع الإنساني دون النظرإلى جنسياتهم ، أو لغاتهم ،أو معتقداتهم .

ومن جهة أخرى ، إن نمو الوعي ، والتفكير، والتقدم الحاصل في المجالات الطبية ، ولد الشعور
بضرورة التعاون الدولي في القضاء على ما يصيب الإنسان من أمراض يكون من الصعوبة بمكان لدولة بعينها القضاء على أسبابها ، كما هو حاصل اليوم مع مرض انفلونزا الطيور، الذي لايكون بوسع دولة ما اغلاق حدودها أوأجوائها ، أوعزل هوائهاعن البقية ،هذه الحالة استوجبت التعاون الدولي في مكافحته لئلا يفتك الوباء بالبشرية جمعاء.

كما إن تحسين عوامل الإنتاج، وتأثيره الطردي على نمو وازدياد السكان، وبالمقابل احتياجات السكان في دول أخرى للغذاء ، والكساء ، والمأوى نتيجة النقص الحاصل لديها سواء أكان بسبب سياساتها الاقتصادية ، أوإهدارها للثروات ، وما تسببها من حالات الفقر، والشغب ، والحروب الداخلية المتزايدة التأثير في الكثير من الأحيان إلى زيادة معدلات الهجرة ،هرباً من القمع الحاصل ،أو بحثاً عن ملاذ آمن، من الجوع وانعدام الرعاية الصحية.
كل ذلك دفع الكثيرين إلى الإعتقاد بضرورة التعاون، وتبادل الثروات المادية والفكرية مما ولد حركة اتصال دائمة بين الدول ، وأنشأ علاقات كان لابد من تنظيمها لكي لا تؤدي الى الفساد ، وسوء التفاهم ، ونشوء الحروب التي تؤثر سلباً على العلاقات القائمة. إن القانون الدولي العام تبنى في بعض تجلياته مهمة تنظيم تلك الجهود لتحقيق التوازن في العلاقات بين الدول سواء تلك القوية ، أوالكبيرة في مساحتها أوسكانها أوالغنية بمواردها ، أو تلك الضعيفة ، أوالصغيرة ، أو الفقيرة من حيث مواردها.

2- خلال فترة طويلة امتدت الى بدايات القرن العشرين، كان القانون الدولي التقليدي يعتبر الحرب عملاً مشروعاً ينطلق دائماً من حق الدولة ان تأتيه كلما اقتضت مصلحتها ذلك (5). ومن جهة أخرى اعتمد القانون الدولي مبدأ المساواة بين الدول (الأوربية في حينها). ولكن الحروب وما سببتها من مآسي عالمية بالإضافة إلى دخول الدول الجديدة في آسيا ، وأفريقيا ، وأمريكا اللاتينية الى الساحة الدوليةكل ذلك دفع الدول إلى الإهتمام بموضوعة السلام والأمن الدوليين ( كميثاق الأمم المتحدة مثلاً) وأنتج كذلك تطوراً مهماً ، وهو القبول بمبدأ عدم التفريق بين الدول بمواصفاتها المختلفة وانتماءاتها الإثنية ،أوالدينية وهوما أكد صفة السموالانساني التي يتسم بها القانون الدولي العام ، لا سيماإذا تذكرناإهتمامه، بالتأكيد على نبذ العنف ، والتشجيع على العلاقات الطيبة بين الدول بدفعها إلى اللجوء في حل مشاكلها إلى أساليب التفاوض السلمية ، والمساعي الحميدة.

كما أن المهمة الإنسانية التي يقوم بها القانون الدولي العام بتنظيمه لقواعد الحرب في حالات الإنزلاق إلى الإقتتال على الأقل، لتخفيف ويلات الحروب وتنظيم وتقديم المساعدات وإجراء الإتصالات بالأطراف المتقاتلة لحل أزماتها ، إضافة إلى المحاولة الجادة لإعادة السلم والأمن إلى ربوع تلك الدول ونشرالسلام كغايته السامية.

3- وهكذا لم يبق القانون الدولي العام على حاله ، فقد تطور كثيرا،ً واكتسب مفاهيم ، ومبادئ جديدة ، تعبرعن ميزان القوى العالمي خاصة بعد الحرب العالمية الثانية ، وانقسام العالم إلى معسكرين ، وقيام نظام جديد للعلاقات الدولية أساسه القطبية الثنائية ، وإستقلال الكثير من البلدان في العالم الثالث كما ذكرنا ، وتأسيسها دولاً وطنية انضم الكثير منها إلى مجموعة دول عدم الإنحياز في ظل الحرب الباردة . كل ذلك وسع دائرة إهتمام القانون الدولي وأعطى للبلدان النامية مكانة فيه ، وقد عبرت فترة الإستقلال السياسي للكثير من الدول بعد الحرب العالمية الثانية – في ظل القطبية الثنائية ، وتوازنات الحرب الباردة - عن التقاء مصالح الدول , وعكس إرادة شعوبها للتعايش في المجتمع الدولي . حيث مثل، ويمثل مرحلة الإنتقال من القواعد القديمة للقانون الدولي ، إلى القواعد الجديدة التي تشكلت إحدى أهم أعمدتها قاعدة (صيانة السلم العالمي) .

4- وبتلاشي أحد القطبين أصبحت البشرية تعيش في ظل نظام عالمي جديد أساسه أحادية القطب منذ بداية التسعينات من القرن الماضي ، وظهرت معه مفاهيم ، وظواهرجديدة كالعولمة ، والتأكيد على حقوق الإنسان مع التوجه نحو التدخل باسم التدخل الإنساني في شؤون الدول الأخرى تحت ذريعة حماية حقوق الإنسان من الإعتداءات الصارخة ، وكان لذلك أثره في ظهور بعض المنازعات.

من جهة أخرى لم يقتصرالتعاون بين الدول على ناحية واحدة بل امتد ليشمل كافة النواحي الإقتصادية منها ، والعلمية ، والفكرية ، والفنية وحتى الروحانية فالبعض ينتفع من اكتشافات ، واختراعات البعض الآخر.
كما إن للتقدم الأدبي والفكري في بلد ما تأثيره على الحياة الفكرية في البلاد الأخرى .

5- إن استمرارالعلاقات الودية ، وحسن التفاهم بين الدول، يسهل غاية القانون الدولي لكن كثيراً ما تعجزالوسائل الودية من فض النزاعات ، ويصبح اللجوء إلى إستعمال القوة أمراً محتوماً ، وعندها أيضاً يتدخل القانون الدولي ليخفف من الويلات الناجمة عن إستعمال القوة.

إن القانون الدولي لم يكن بمقدوره حتى الآن إبعاد شبح الحروب التي مازالت هي الوسيلة الوحيدة في كثير من الأحيان لتسوية المنازعات الدولية والداخلية ، كما حدث في بداية التسعينيات إلى أواخره ، في العراق أثناء غزوه للكويت ، وفي يوغسلافيا السابقة لوقف إنتهاكات السلطة في صربيا بقيادة سلوبودان ميلوسوفيتش ضد مسلمي البوسنة والبان كوسوفو ، ومرة أخرى في العراق للإطاحة بنظام صدام حسين رغم عدم اتفاق الدول الكبرى فيما بينها على هذه الخطوة ، فهي تدخل في إطارهذا النهج ، أي التدخل بذريعة الحفظ على السلم ، أومنع الإنتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان.

إن تمسك الدول بسيادتها المطلقة ، وإغلاق أبوابها في وجه مبادئ القانون الدولي يزيد من آلام الشعوب تحت قمع السلطات الدكتاتورية ، وكأنها تعيش في جزيرة معزولة عن العالم ، تطبق فيها القانون المعبرعن إرادة الحكام في القتل ، والنهب والتسلط،وكم الأفواه. لكن الجهود المبذولة من قبل المنظمات الدولية ، والجهات الفنية بتوفير حرية ، وضمان حقوق الإنسان ، وعقد الإتفاقات الدولية في هذا الشأن يؤدي إلى تقليل حالات تعنت الدول باسم السيادة ، وإلى زيادة التزامها بقواعد القانون الدولي ، وتطبيقها للمعاهدات المبرمة، إذ تشعرالدول يوماً بعد يوم بأن الدول القوية سواء بتكليف من المنظمة الدولية (الأمم المتحدة) أم بالحصول على غطا ء شرعي لاحقاً ، تجعل من حماية حقوق الإنسان، والديمقراطية ، ومكافحة الإرهاب ذريعة للتدخل والإطاحة بالنظم الدكتاتورية (أفغانستان، والعراق بعد أيلول(2001). ويأمل العديد من أساتذة القانون الدولي أنه سوف يأتي اليوم الذي تقتنع فيه الدول بأن التعسف في إستخدام السلطة ، والحروب مهما كانت مغانمها ستجرالوبال عليها ، وعلى الجميع، وإن التفاهم ، والتعاون ، واحترام الحقوق أجدى وأنفع من الإلتجاء إلى العنف ، والقوة.

تانيا_مصادر القانون الدولي:
ان نشوء العلاقات الدولية فيما بين الدول لم تقم إلا بالتقاء إرادات الدول الثنائية أو أكثر فيما بينها تحت أوصاف مختلفة كالمعاهدات والاتفاقيات الدولية. ان التقاء ارادات الدول مهما كانت تسمياتها هي التي تنظم تلك العلاقات فيما بينها ، والتي اعتبرت مصدراً من مصادر القانون الدولي ، يجعل من القضاء الدولي الرجوع إليها للبت في المنازعات المعروضة عليه ، كون القاضي الدولي يعتمد في الحكم على القضية المعروضة عليه على ضوء القوانين الوضعية التي أقرتها إرادات الدول من الأطراف المتنازعة ، بخلاف القاضي الوطني الذي يحكم سواء وجدت قاعدة قانونية ، أو لم توجد.

إن اختلاف النظام القانوني الدولي ، عن النظام القانوني الوطني أي الداخلي ، على الأقل في مصدره الأساسي الذي يمثله التشريع في النظام القانوني الوطني والذي تم وصفه بوجود سلطة عليا في الدولة بخلاف النظام القانوني الدولي الذي يعتمد في مصدره الأساسي على إرادات الدول التي تلاقت في معاهدة ، أو اتفاقية توضح بان مصادر القانون الدولي العام تتجسد أول ما تتجسد في الإتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تأخذ :


1- المظهر الصريح للقاعدة القانونية .
2_ المظهر الضمني للإقرارالذي يكون بسير الدول في تصرفاتها على مقتضى القاعدة الدولية المنشأة نتيجة الحاجة ذاتها ، وشعورالدول بضرورتها.
ويقسم الفقهاء مصادر القانون الدولي إلى :
1- المصادر المادية:وهي تلك التي تتمثل في الأسس، والعناصرالإجتماعية الدولية. أي كافة القيم ، والمثل، والمفاهيم السائدة في المجتمع الدولي ، والتي تزود القاعدة المعنية بمادتها سواء أكانت سياسية ، أم إقتصادية أم أخلاقية.

2- المصادر الشكلية : وهي تلك التي يقصد بها القوالب التي تفرغ فيها القاعدة الدولية لتتخذ من خلالها شكلها الخارجي ، وتلك هي المصادرالتي يعتد بها عند القول بوجود ، أوعدم وجود القاعدة القانونية الوضعية .

كما أن القضاء الدولي في قيامه بتطبيق القانون الدولي على المنازعات المعروضة أمامه ، لم يقتصر على الإعتداد بالقواعد التي صاغتها المصادر الشكلية للقانون الدولي ، وإنما استبق التكوين النهائي لبعض القواعد وصياغتها في معاهدة ، أوعرف ، وعبرعن ذلك بما جاء في الإتفاق بين ليبيا وتونس على اللجوء إلى محكمة العدل الدولية ، في مصدر الجرف القاري بينهما الصادر عام 1982 والذي دعت فيه الدولتان المتنازعتان المحكمة أن تعتد في حكمها ، بالإتجاهات الجديدة في القانون الدولي الجديد للبحار(6) ، كل ذلك قبل أن يتم التوقيع على معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار في إكتوبر 1982 وقبل أن تدخل حيز التنفيذ.

تالتا_أشخاص القانون الدولي:

أولاً _ الدول :

من خلال التعريف بالقانون الدولي العام الذي ينظم العلاقة فيما بين الدول يكون واضحاً بأن الأشخاص المخاطبين به هم الدول ، وهم الذين يتمتعون بالحقوق ويلتزمون بالواجبات التي نظمتها لهم قواعد القانون الدولي ، لذلك تعتبر الدول من أشخاص القانون الدولي العام ، وخاصة أن قواعد القانون الدولي أقر لهم بتلك الصفة لأنهم قادرون على إنشاء قواعد دولية بالتراضي مع غيرهم من الدول.
وقد نشأ القانون الدولي من أجل الدول حيث لولاها لما كان هناك حاجة لوجود ذلك القانون. وكون
الدول من أكثر أشخاص القانون الدولي اختصاصاً ، يزيدها أهمية على بقية أشخاص القانون الدولي . ولكن التطورات والتغيرات التي تطرأ على الدولة ، واختلاف أشكالها يجعل من الوضع القانوني لتلك الأشكال المختلفة مثار خلاف بين فقهاء القانون الدولي العام .

إن أشخاص القانون الدولي باعتبارها لا تشكل الموضوع الرئيسي لمجال البحث هذا ، لكن لابد من التطرق إلى الدولة ، وأشكالها ، وأوضاعها القانونية ولو بشيء من الإختصار نظراً لأهميتها في موضوع البحث الرئيسي ألاوهوالتدخل الدولي .
1_ والدولة في نظر الفقيه الدستوري هوريو هي : "مجموعة بشرية على أرض معينة ، و تتبع نظاما إجتماعيا وسياسيا ، وقانونيا يهدف إلى الصالح العام ، و تستند الى سلطة مزودة بصلاحيات الاكراه" (7) .
أما الدكتورإبراهيم عبد العزيز شيحا فيرى أن إختلاف زاوية البحث ، وتباين المعاييرالتي اعتمد الفقهاء عليها في تعريف القانون الدولي أدى الى تعدد التعاريف ـ ومن خلال تلك التعاريف ـ يرى الدكتور شيحا بأن هناك أركان أساسية ثلاثة لقيام الدولة تتمثل في (8) :
أـ مجموعة من الناس والتي تعرف باسم الشعب.
ب ـ رقعة من الأرض، و تسمى بالإقليم.
ج ـ سلطة سياسية تبسط سلطتهاعلى ذلك الإقليم ، وعلى ذلك الشعب الذي يعيش عليه.

لكن الأركان الثلاثة السابقة الذكرلا يرتب نشأة الشخصية القانونية للدولة ،إلاإذا توافرعنصرالإعتراف بها من جانب الدول الأخرى ، وبالإعتراف يتم القبول بالتعامل معها كعضو في الجماعة الدولية ، وهكذا يكون توافرعناصرالدولة شرطآ لازماً ، وإن كان غيركاف لاكتسابها الشخصية القانونية ،وتنقضي تلك الشخصية إذامازال أحد عناصرالدولة زوالاً تامآ ، كما إذا اقتسمت بعض الدول إقليم دولة معينة ، أو إذا دخلت دولة في وحدة حقيقية مع دولة أخرى . أما مجرد التغيير في تعداد شعب الدولة ، أو في مساحة الإقليم زيادة أو نقصاناً ، كما إن التغيير في شكل نظام الحكم لا يؤثرعلى الشخصية القانونية الدولية.
وقد حدد مجمع القانون الدولي معنى الإعتراف بأنه :"التصرف الحر الذي تقر دولة ، أومجموعة من الدول بمقتضاه وجود جماعة لها تنظيم سياسي في إقليم معين ، وتتمتع بالاستقلال عن باقي الدول، وتقدرعلى الوفاء بالإلتزامات القانونية الدولية" .
كما عرف ميثاق بوجوتاالإعتراف بأنه : "قبول الدول التي تمنحه شخصية الدولة الجديدة ، والتسليم بحقوقها وواجباتها" (9) .
وتملك الدول حرية اختياركبيرة ، وسلطة تقديرية واسعة في الإعتراف من عدمه لدرجة إنه يمكن القول بأن الإعتراف هوعملية سياسية أكثرمنها قانونية ، أي أنه مرتبط بالقرارالسياسي في الدولة الراغبة بالإعتراف ، ومع أن الإعتراف ليس بالزام أو واجب ، لكن الواجب يقتضي في عدم الإعتراف بالأوضاع غير المشروعة والباطلة ، وإذاتم الإعتراف بها فيكون ذلك باطلاً ، وبهذاالمعنى صدرمن
مجلس الأمن الدولي القرار رقم / 662 / في -02-08 -1990 (10) .

ثانياً- المنظمات الدولية:
إن القدرة على إنشاء قواعد قانونية دولية لم تعد تقتصرعلى الدول ، فمنذ أوائل القرن العشرين تكونت وحدات دولية استطاعت أن تنشئ مع الوحدات المماثلة لها قواعد قانونية دولية ، وأصبحت مخاطبة بأحكام القانون الدولي وأصبحت كذلك متمتعة بالحقوق التالية :
أـ حق إبرام المعاهدات.
ب ـ حق إرسال ، واستقبال المبعوثين الدبلوماسيين.
ج ـ حق المطالبة بأعمال قواعد المسؤولية الدولية ، أوالإلتزام بالخضوع لها.
د ـ حق إعلان الحرب.

وتلك الوحدات هي المنظمات الدولية. لكن الشخصية القانونية للدول لا تتطابق مع الشخصية القانونية للمنظمات الدولية ، فهي مختلفة عنها وذلك أن المنظمات الدولية لا تكون إلا بالقدر، والحدود التي ذكرها الإتفاق المنشئ للمنظمة الدولية ، في حين أن الشخصية القانونية للدول تكون مطلقة من كل قيد (11). والمنظمات الدولية هي :

أ_منظمات دولية حكومية حسبما جاء في إتفاقية فيينا لقانون المعاهدات ، ويقصد بالمنظمات الدولية الحكومية تلك التي تنشئها الحكومات بموجب إتفاق دولي حكومي .
وتقابلها المنظمات الدولية الغير حكومية التي لم تؤسسها الحكومات ، ولم تنشئ بموجب اتفاق دولي حكومي ، ومن هذه المنظمات غير الحكومية ما تكون عملها محصوراً في بلد معين، وعندها تعتبر منظمة وطنية غيرحكومية ، ومنها ما يتجاوزعملها حدود دولة معينة فتصبح منظمة دولية غيرحكومية ، وقد عرف المجلس الإقتصادي ، والإجتماعي لهيئة الأمم المتحدة في قراره رقم 288 الصادرعام 1992 المنظمات غير الحكومية بأنها ، كل منظمة لا يتم تأليفها نتيجة إتفاق بين الحكومات بما فيها المنظمات التي تقبل أعضاء يتم إختيارهم من قبل سلطات حكومية ، شرط أن لا يؤدي ذلك للإساءة إلى حرية التعبيرعن رأي هذه المنظمات(12) .


ثالثاً _ الأفراد :
في ظل ازدياد الاهتمام بالفرد يرى الدكتورمحمد طلعت الغنيمي بأن هناك فريقين مختلفين من الفقهاء حيال مركزه في القانون الدولي :
أ ـ فريق وضعي : يرفض الإعتراف للفرد بالشخصية الدولية على أساس أن القانون الدولي ينظم العلاقات بين الدول .
ب ـ وفريق واقعي : يرى في الفرد شخصاً من أشخاص القانون الدولي ، ويعتمد هذا الفريق على أن الأفراد يمكن أن يرتكبوا أفعالاً غيرمشروعة في حكم القانون الدولي ، وعندئذ لاتثورمسؤولية الدولة فحسب ، بل تثورمسؤوليتهم الشخصية كذلك (13). وقد خاطب القانون الدولي الفرد في الكثيرمن المعاهدات ، والإتفاقيات الدولية مما جعل أهلاً لإكتساب الحقوق ، وتحمل الإلتزامات دون أن يرتقي الفرد إلى مستوى الدولة ، فهو أدنى منها ، ولذلك لا يمكن مساواته بها ، وإطلاق نفس الصفة عليه ، فلا يمكن إعتباره من أشخاص القانون الدولي إلا على وجه الإستثناء بعكس الدولة التي تعتبرالشخص الأساسي المخاطب بها من قبل القانون الدولي .
كما لا يمكن إنكارالصفة الدولية على تلك الحقوق التي يكتسبها الفرد على الصعيد الدولي ، وقد ازداد الإهتمام بالفرد على المستوى الدولي من خلال العمل الدولي المشترك بصفته المستقلة عن الدولة ، وجاء ذلك على سبيل المثال في :
آـ العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية ، والإجتماعية ، والثقافية (14) .
ب ـ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية ، والسياسية (15) .
ج ـ نظام الوصاية التي تمنح سكان الأقاليم الخاضعة حق التقدم بعرائض لكل من الجمعية العامة للامم المتحدة ، ومجلس الوصاية (16) .
د ـ الإتفاق الخاص بتجريم ، ومعاقبة جريمة إبادة الجنس البشري .
ه ـ الإتفاق الخاص بإزالة كافة صورالتمييز العنصري .

و ـ الإتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين ، وأفراد أسرهم (17) .
وقد بدأ نفاذ الإتفاقية الدولية هذه في تموز 2003 وتنص على مجموعة من المعايير الدولية الملزمة ، لتناول معاملة المهاجرين الحائزين للوثائق اللازمة والمهاجرين غيرالحائزين لهاعلى السواء ، ورعايتهم ، وضمان حقوق الإنسان الخاصة بهم فضلاً عن التزامات ، ومسؤوليات الدول المرسلة ، والدول المستقبله . وقد تطرقت الإتفاقية الى المهاجرين بأنه : " يوجد أكثر من 175 مليون شخص من بينهم عمال مهاجرون ، ولاجئون ، وملتمسواللجوء ، ومهاجرون دائمون وغيرهم ، يعيشون ، ويعملون في بلد غير بلد مولدهم ، أوجنسيتهم". وقدعرفت الاتفاقية العامل المهاجرفي الفقرة -1- من المادة -2- من الإتفاقية المذكورة على أنه : "الشخص الذي سيزاول ، أويزاول ، أومابرح يزاول نشاطاً مقابل أجر في دولة ليس من رعاياها". فالشخص القانوني : هو الشخص الذي يخاطبه القانون، ويتمتع في ظله بمجموعة من الحقوق ، ويتحمل الالتزامات . لذلك يعتبرالفرد في النظام القانوني الداخلي شخصاً قانونياً .
والأنظمة القانونية هي الكفيلة بتحديد أشخاصه المخاطبين به. فلا توجد في الانظمة القانونية هذه الصفة ، فالفرد يعتبر في النظام القانوني الداخلي شخصاً قانونياً بخلاف العبيد الذين لم يكونوا يتمتعون في بعض الأنظمة القانونية القديمة بهذه الصفة . فالفرد لا يعد حتى في أيامنا هذه شخصاً من اشخاص القانون الدولي لأنه غير مخاطب بأحكام هذا القانون إلا من خلال الدولة التي يتبعها(18).

ويرى الدكتور مفيد محمود شهاب ، بأنه إذا كان التمتع بوصف القدرة على إنشاء القواعد القانونية الدولية يؤدي بالضرورة إلى توافر أهلية اكتساب الحقوق والإلتزام بالواجبات ، إلا ان العكس غير صحيح . فقد تتفق الدول على ترتيب حقوق الأفراد دون أن يصبحوا نتيجة ذلك أشخاصاً دوليين، ذلك أنهم لا يستطيعون أن ينشؤوا مع غيرهم من الأفراد قواعد قانونية دولية .

وبالرغم من اهتمام القانون الدولي العام بالأفراد لحمايتهم من المؤسسات السياسية التي ينتمون إليها ، أو لحماية هذه المؤسسات من بعض تصرفاتهم الضارة (19)، لذلك تضمن القانون الدولي بعض النصوص التي تلزم الدول باحترام بعض الحقوق الفردية ، أوإلزام الأفراد بمراعاة بعض الواجبات تجاه الدول .

ويخرج حقوق الأفراد السياسية والمدنية من نطاق اهتمام القانون الدولي ، وإنما ينحصر في الحقوق الطبيعية والأساسية باعتباره كائناً إنسانياً ، ومع ذلك ينكر القانون الدولي الوضعي على الفرد الشخصية الدولية ، ويحرمه من حق الإسهام في العلاقات الدولية ، ومن حق الانضمام إلى المنظمات الدولية ، لكن التطور الحاصل في القانون الدولي بإحاطته بالفرد ، وتوسيع دائرة الاهتمام به أخذ يتضاعف ، ويضعه في دائرة الارتباط بالقانون الدولي ، ويلاحظ ذلك ما جاء في ميثاق الأمم المتحدة الذي منح سكان الأقاليم الخاضعة للوصاية حق تقديم العرائض الشفوية ، والمكتوبة إلى مجلس الوصاية ، وكذلك أجازاخضاع الفرد لاختصاص قضاء جنائي دولي وأجاز معاقبته بواسطة محاكم دولية .

هناك تعليق واحد:

  1. تبارك الله فيك ومشكور عالمجهودات الي تقوم بيها والله انا طالبة وبحاجة لمثلك لكي يساعدوني في دراساتي حفظك الله ورعاك وساعدك ع نشر العلم والمعرفة

    ردحذف