الثلاثاء، 3 نوفمبر 2009

نتائج الصراع غير المتوازن في العلاقات الدولية

شنكاو هشام باحت في العلاقات الدولية

إن الصراع يجري دائما مدفوعا بمجموعة من الرغبات والحاجات الخاصة فعندما تشعر الأطراف المتفاعلة أن هناك ثمة مصالح يمكن أن تجنيها من جراء الانخراط في الصراع، فإن الدول تقدم على كسر قواعد أو انتهاك أعراف عامة لإدارة الصراع على مستويات مختلفة وتختلف أشكال الصراع وفق المصلحة وتصورات اعتقادات ورغبات القوى المتشاركة في الأدوار والصراع موجود في الواقع بحكم التوازنات، ويأتي ممتزجا بالكثير من التبريرات الاقتصادية والسياسية، فهناك دائما سبب أصيل للصراع، وبما أن هذا الصراع قائم بحد ذاته فإن غياب توازن يحكم الصراعات فإن له مجموعة من العواقب يكون لها محصلة ونتائج لها تأثير على العلاقات وبصفة عامة بين الدول.[1]
وبذلك سوف يجرنا الحديث عن تحديد بعض النتائج لصراع غير المتوازن والتي يمكن تحديدها في الإرهاب كعنف مضاد ، انعدام التوازن بين الدول.

اولا : الإرهاب الدولي
1- العنف المضاد الإرهاب الدولي :
كانت إستراتجية الولايات المتحدة الأمريكية العسكرية تتبنى سياسة الردع والاحتواء مع الاتحاد السوفياتي والدول المعادية الأخرى وتقوم هذه السياسة على نوع من تجنب الحرب والعمل على تسوية المنازعات بالطرق السلمية.
لكن بعد أحداث 11 سبتمبر تحولت هذه الإستراتيجية نحو إعطاء أولوية للحرب على الإرهاب وتبنى سياسة الحرب الوقائية لظهور تهديدات من جانب مجموعة مسلحة والعمل على توسيع دائرة الحرب لتشمل دول أخرى غير أفغانستان مع السعي لتشكيل تحالفات عسكرية متعددة الأطراف والتخلي عن سياسة العزلة.
وفي الوقت نفسه احتفظت السياسة الأمريكية لنفسها بحق استخدام الأسلحة النووية بشكل غير محدود ضد الدول التي تعتبرها الولايات المتحدة دولا مارقة ترعى الإرهاب وتهدد السلم العالمي لامتلاكها أسلحة الدمار الشامل مثل العراق وكوريا وإيران، ولقد أدت هذه التغيرات في مفهوم سياسة الأمن الأمريكية إلى إعادة تحديد مهمة جهاز المخابرات وإمكانية استخدام مصادر المعلومات جديد وفتحت لإسهام القطاع الخاص للمشاركة في هذا المجال عن طريق تطوير التكنولوجية الأمنية مثل أجهزة كشف الأسلحة والمتغيرات، كشف عن الممارسات الفعلية عقب أحداث 11 شتنبر عن استخدام مفرط للقوة العسكرية وتهديد الأمن القومي لعدة دول بحجة مقاومة الإرهاب لأن أمريكا اكتشفت أنها أمام عدو من نوع جديد يتمثل في شركة واسعة من التنظيمات الفرعية التي لا تحكمها هياكل تنظيمية محددة ولا تعمل في إطار خطة عسكرية لا يمكن توقعها. لذلك عمدت أمريكا إلى سياسة الانتشار العسكري لمواجهة الإرهاب.[2]
2- الحرب على الإرهاب :
الأهداف المتوخاة من الحرب على الإرهاب حسب التبريرات المعللة هو القضاء النهائي على الإرهاب العالمي، ولكن هذه الأهداف اختلفت بحسب مرحلتين، ففي المرحلة الأولى كانت الأهداف المتوخاة من هذه الحرب مرتبطة بتشخيص العدو في أسامة ابن لادن وأتباعه في تنظيم القاعدة بالإضافة إلى حركة طالبان التي اتهمت بتقديم الملاذ إلى الإرهابيين في أفغانستان، أما في المرحلة الثانية فقد تم توسيع الأهداف المتوخاة من الحرب على الإرهاب لتشمل أطراف جديدة من بينها العديد من الحركات والتنظيمات وحكومات الحول التي أصبحت توصف بأنها دول محور البشر بسبب سعيها لامتلاك أسلحة الدمار الشامل وعلاقتها المحتملة مع الإرهاب، لذلك يتعين التمييز بين مرحلة التشخيص الأولى للأهداف المتوخاة من الحرب على الإرهاب وبين مرحلة توسيع الأهداف المتوخاة من هذه الحرب.
لقد تميز الخطاب الرسمي الأمريكي عقب هجمات 11 سبتمبر بتشخيص العدو في الإرهاب متمثلا بشخص أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة الذي تم وصفه بأنه تنظيم عالمي. ولكن تشخيص العدو سرعان ما شمل حركة الطالبان التي كانت حكومتها تسيطر عليها عمليا على أكثر من تسعين في المائة من أفغانستان ليتم وصفها بأنها حكومة مستبدة تقوم على التطرف ورعاية الإرهاب بتقديم الملاذ الأمني لإرهابي القاعدة الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر 2009 وقد ينفذون هجمات أخرى مماثلة ضد الولايات المتحدة أو حلفائها الأوروبيين.
وفي هذا الاتجاه حرص الخطاب الرسمي الأمريكي على التميز بين الإسلام وبين الإرهاب وذلك باعتبار أن الإرهابيين لا يمتدون الإسلام ويحاولون مصادرة الإسلام على حد تعبير الرئيس الأمريكي جورج بوش، وقد برز هذا التمييز إثر الضجة التي أثارها استخدام الرئيس الأمريكي لمصطلح الحملة الصليبية في وصفه للمعركة القادمة مع الإرهاب من جهة ولتنامي الاعتداءات على العرب والمسلمين القائمين في الولايات المتحدة الأمريكية.
ولطمأنة الرأي العام الإسلامي تم التنويه بعلاقات الصداقة التي تجمع بين الولايات المتحدة والكثير من الدول الإسلامية، وتم التأكيد من كبار المسؤولين الأمريكيين والغربيين على أن الحرب على الإرهاب ليست حربا دينية ضد الإسلام وإنما هي حرب على الإرهاب مع الإبقاء الغموض الواضح بشأن التمييز بين الأصولية الإسلامية وبين الإرهاب.
لكن توسيع صفة العدو لتشمل أفغانستان على عهد حكومة الطالبان تم ربطه بحق الولايات المتحدة في الدفاع عن نفسها وعن حرية العالم بأسره، فبعد مقتل ثمانية جنود أمريكان في معركة شاهي كوت 2 مارس 2002 في شرق أفغانستان صرح الرئيس الأمريكي بأن الولايات المتحدة ستدافع عن نفسها بأي ثمن في الحرب الدائرة في أفغانستان وأن الدفاع عن الحرية قضية عادلة في مواجهة من يردون حرب الولايات المتحدة وحرمانها من الحرية.[3]
فالحرب على الإرهاب حسب التصريحات الأولى للرئيس الأمريكي ووزير دفاعه رامسفيلد ستستمر سنوات أو عقود ولن تنتهي باحتلال منطقة أو بانهزام قوة عسكرية معادية وإنما ستشمل عملية ضبط سياسي وأمني واستخباري على المدى الطويل وتحقيق الشفافية في الأنشطة السياسية والاقتصادية والمالية في جميع الدول من أجل القضاء على الإرهاب مثل هذه الحرب المفتوحة لا يمكن تبريرها فقط بتهديد مصدر دولة نائية من محاور التدخل الأمريكي المباشر والمراكز الحيوية للمصالح الأمريكية في منطقتي الشرق الأوسط والشرق الأقصى، فأفغانستان التي اتهمت برعاية الإرهاب دولة بعيدة كل البعد عن امتلاك أي قوة عسكرية حقيقية فإنها معزولة دوليا ومدمرة بفعل حروب استمرت أكثر من عشرين عاما وضعيفة التأثير في محيط بيئتها الدولية والإقليمية.
وكل ذلك يعني بأن العدو الجديد لا يتمثل في دول معينة أو في جيش محدد أو في جماعة محددة ولا يقتصر على قوة ظاهرة وواضحة المعالم يمكن تحديدها جغرافيا وإنما هو عدو شرس قادر على ضرب الولايات المتحدة من جديد لا ينحصر في تنظيم القاعدة ولا في حركة الطالبان وإنما يشمل مجموعة كبيرة من الحركات والتنظيمات والعديد من الدول التي تعتبر شريرة في نظر الولايات المتحدة وتهمتها الإرهاب أو رعايته ودعمه أو إقامة علاقة محتملة معه.
وهذا يعني أن الخطاب الرسمي الأمريكي لم يتغير من حيث جوهر فالولايات المتحدة وحلفاؤها ومن ضمنهم إسرائيل يمتدون الخير في الصراع مع الشر مع اختلاف في طبيعة العدو فقد حلت الأصولية الإسلامية محل الشيوعية وحلت بعض الدول الإسلامية بصفة خاصة محل الفاشستية والدول الشيوعية وكما الشأن بالنسبة للحرب العالمية الثانية أو فترة الحرب الباردة أو فترة ما بعد حرب الخليج، فإن الولايات المتحدة تواجه كعادتها دولا سماها الرئيس الأمريكي بدول محور الشر.
وهكذا فالحرب على الإرهاب وهي حرب حظيت بإجماع عالمي بما في ذلك إجماع الدول العظمى والقوى الإقليمية الكبرى وهي حرب بين الخير والشر وصراع بين العالم الحر والتطرف الإرهابي وبين الحضارة والهمجية وهي بالإضافة إلى ذلك حرب أصبح من الواضح أنها تستهدف أساسا استئصال الأصولية الإسلامية عبر القضاء على المنظمات والجمعيات والحركات الأصولية والإسلاميين المتشددين على امتداد العالم الإسلامي في مصر اليمن باكستان كشمير إندونيسيا والفلبين وغيرهما، كما أنها تستهدف من ناحية ثانية الدول المارقة أو المتمردة على إرادة الولايات المتحدة وهي دول توصف بأنها راعية للإرهاب أو المستقبل ويجوز العمل على قلب نظام الحكم فيها أو إضعافه بجميع الوسائل بما في ذلك الوسائل العسكرية كما حدت مع حكومة طالبان في أفغانستان.
هذا التوجه الجديد نحو توسيع الأهداف المتوخاة من الحرب على الإرهاب تأكد بخطاب الرئيس الأمريكي حول حالة الاتحاد يوم 29 يناير 2002 وبلغ دورته في إعلان الرئيس الأمريكي في ذكرى مرور ستة أشهر على هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2002 بأن الحرب على الإرهاب ستمتد بعيدا عن أفغانستان.
ففي خطاب ألقاه بالبيت الأبيض بمناسبة إحياء ذكرى مرور ستة أشهر على الهجمات المذكورة تعهد الرئيس الأمريكي بأن تستمر الولايات المتحدة في قيادة الحرب ضد الإرهاب العالمي حتى يتم القضاء عليه وتحقيق النصر ودعا كل دول العالم إلى أن تدرك أن الحرب ضد الإرهاب لها هدف مزدوج هو حماية حرية وأمن الولايات المتحدة والعالم المتحضر، مضيفا بأن الدول المتمدنة تدافع اليوم على أمنها المشترك وحث الرئيس بوش دول العالم على المساهمة والمشاركة في هذه الحرب قائلا إن الولايات المتحدة تتوقع من كل حكومة أن تساعد في القضاء على الإرهاب الذي يهدد جميع الدول والسلام في العالم.[4]
وهكذا فخطاب 11 مارس 2002 كان الغرض الأساس فيه هو تصعيد التعبئة وسط الشعب الأمريكي من أجل مواصلة الحرب على الإرهاب في أفغانستان وخارجها فقد أوضح بأن إدارته مستعدة لمواصلة الحرب على الإرهاب لأطول فترة ممكنة طالما ظل هذا الأمر ضروريا هذا يعني أن التدخل العسكري والعمل السياسي والدبلوماسي سوف يستغرق وقتا طويلا وسيشمل أعداء آخرين للولايات المتحدة الأمريكية.
وبعد أيام قليلة من هذا الخطاب صرخ الرئيس الأمريكي بأن بلاده دخلت مرحلة ثانية من الحرب على الإرهاب ستكون طويلة ولن تتعب منها وحدد إستراتيجية المرحلة الثانية من هذه الحرب بقوله إن إستراتيجية هذه المرحلة الجيدة تكمن في جعل كل إرهابي يعيش مطاردا عالميا وهارب ولا مكان يمكن أن ترتاح ويستقر فيه ولا مكان لإعادة تنظيم قواه ولا مكان يختبئ فيه ولا حكومة يختبئ وراءها، ثم دعا دول العالم والمجتمع الدولي إلى النظر بجدية بالغة إلى نظر الإرهاب ولذلك علينا منع انتشار أسلحة الدمار الشامل لأنه لا مجال للخطأ الهامش، ويجب ألا ندع فرصة متعلم من الخطأ أي عدم الانتظار حتى يضع هجوم إرهابي بسلاح كيماوي أو بيولوجي أو نووي.[5]
3- الإستراتيجية الأمريكية لمحاربة الإرهاب الدولي :
إن أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001 شكلت لقطة تحول فاصلة في النظام الدولي بعد اجتماع قمة مالطا، حيث أصبح الإرهاب الدولي وفي حلته الجديدة الشكل الرئيسي للصراع المسلح على الساحة الدولية والبديل الراهن للحروب التقليدية، والمحفز الحقيقي في إدارة السياسة الخارجية الأمريكية، التي لم تكتف فقط في شن حملة دولية واسعة ضده، بل ستتبنى موقفا تصاعديا في وقفه ومحاسبة الدول التي ترعاه.[6]
ولعل الإستراتيجية التي تبنتها الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب الدولي بعد 11 عشر من شتنبر انبثت على الاستخدام المكتف للقوات العسكرية حيث سارعت وبمجرد وقوع تفجيرات نيويورك وواشنطن بالتلويح بالقيام برد عسكري على هذه الأعمال الإرهابية ضد الأطراف التي تقف وراءها ومر المجتمع الدولي للاصطفاف وراءها في تحالف غير مسبوق في التحالفات الدولية يغلب عليه الجانب السياسي بالدرجة الأولى، كما يرتكز على التعاون والتنسيق في المجالات الأمنية والاستخبارية والمالية من أجل تعقب وضرب الجماعات والأطراف الدولية التي ترعاه وتأويه وتجفيف موارده المالية من أجل شل حركته.
ومن أجل تطبيق هذه الإستراتيجية سعت الولايات المتحدة الأمريكية وكما هو دأبها في إدارة الأزمات الدولية التي تدخل ضمن مصالحها وإستراتيجيتها على استثمار الشرعية الدولية من خلال الارتكاز على قرارات الأمم المتحدة لتتدخل بموجبها زجريا وبشكل عسكري أو غير عسكري في هذه الأزمات، أما الأمر يتعلق بإدارة أزمة كانت مستهدفة فقد نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في قيادة التحالف الأوروبي والدولي لمكافحة الإرهاب ودشنته في أفغانستان بناء على قرار مجلس الأمن رقم 1368 الذي صدر بالإجماع يوما واحدا بعد وقوع عمليات الحادي عشر من شتنبر واستتبعته بإصدار قرار ثاني من مجلس الأمن القرار رقم 1373 بتاريخ 28 شتنبر 2001 بضرورة مواجهة مخاطر الإرهاب الدولي بكل الوسائل السياسية والعقابية. في تناعم تام مع السياسة الإسرائيلية الصهيونية في الأراضي المحتلة التي تعاملت مع القرار بالتفسير والفهم الأمريكي في ضرب البنيات التحتية للإرهاب دون تمييز بين الإرهاب الدولي وحق النضال والكفاح المشروعين ضد الاحتلال الغاضب من طرف الشعب الفلسطيني المناضل.
وباسم تطبيق الشرعية الدولية والتي تجسدها قرارات مجلس في موضوع العقوبات المفروضة على العراق وذات العلاقة بنزع أسلحة الدمار الشامل المزعومة توافرها لديه، سعت الولايات المتحدة الأمريكية للإضافة بنظام صدام حسين وخرق سافر للشرعية الدولية التي تحثها على إتباع الوسائل السلمية لحل الأزمات الدولية وعدم استعمال القوة في العلاقات الدولية أو التهديد باستعمالها وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها، وكان تدخلها في العراق ساخرا من حيث خرقها قواعد الشرعية الدولية لعدم احترامها انتظار صدور قرار من مجلس الأمن يجيز استخدام التدابير العسكرية ضد العراق.
وعلى المستوى الداخلي ركزت الولايات المتحدة الأمريكية ومها حليفتها التقليدية بريطانيا على تطوير تشريعات صارمة لمكافحة الإرهاب وتشديد الإجراءات الأمنية على التدخل إلى الولايات المتحدة والإقامة بها كما تبنت الإستراتيجية الأمريكية في مكافحة الإرهاب على إصدار قانون جديد يجهز على الكثير من الحقوق الحريات الفردية. ويشدد من الإجراءات الداخلية اللازمة لمحاربة الإرهاب مثل الاعتقالات بدون إذن قضائي والمحاكمات العسكرية واعتراض البريد الإلكتروني ومواقع الانترنيت وغيرها، وكلها إجراءات تتعارض مع قيم الديمقراطية الكونية والعربية، هذا بالإضافة إلى التحرش ببعض الأنظمة السياسية لبعض الدول العربية والإسلامية للقيام بإصلاحات جدرية على نظمها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحتى نظم القيم والثقافة السائدة بها.
وبذلك انطلقت الخطوات العملية الموالية في محاربة الإرهاب الدولي على أكثر من واجهة استثمرتها الولايات المتحدة الأمريكية لغرب أفغانستان في المرحلة الأولى، ثم ضرب العراق ونظر لسياسة الإستراتيجية وتدابيرها الأمنية التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي واتجاه مختلف حلفائها التقليديين والجدد وكذا اغتصابهما للولايات المتحدة الأمريكية.
كما أن عزم الولايات المتحدة الأمريكية على شن حرب على العراق لم يحملها التريث طويل لاستصدار قرار مجلس الأمن يسمح لها أو يسبغ شرعية على تدخلها وهو مطلب على الأقل كانت تطلب به الدول الممثلة في الأمم المتحدة باستثناء بريطانيا ولما فشلت في الحصول على هذا القرار سارعت إلى خوض الحرب دون قرار ودون شرعية دولية تمنعها من شن مثل تلك الحرب.[7]
لقد بدأت الولايات المتحدة الحرب على كل من أفغانستان والعراق وصنعت نهايتها في المستنقع العراقي والأفغاني في تحد سافر منها لكل المبادئ العامة التعارف عليها دوليا، وأعطت لنفسها الحرية لشرعنة تدخلاتها من أجل إسقاط النظم السياسية والحرب الاستباقية هي من بين المبادئ التي أصبحت تستعمل في العلاقات الدولية بدعوى مكافحة الإرهاب والإعداد للخطر، وبذلك استطاعت الولايات المتحدة ممارسة القوة وخرق القانون تحت مبرر واحد وهو الحفاظ على الأمن الأمريكي والدولي لصلاحيات الأمم المتحدة خصوصا ما يخص شرعية اتخاذ التدابير القمعية من طرف مجلس الأمن الذي أحكمت السيطرة عليه وبدأت في تطبيق السيناريوهات المتعددة لمواجهة تبعات الحادي عشر من شتنبر ومحاربة الإرهاب الدولي.
وكانت الخطورة الأولى في هذا الاتجاه عملية الانتشار الاستراتيجي والتي تقضي برفع درجات الاستعداد العسكري[8] للقوات الجوية والإستراتيجية داخل الولايات المتحدة الأمريكية وتحريك الأسطول الأمريكي من قاعدته في نورفولك نهاية الشواطئ الأمريكية وبالخصوص مدنية نيويورك ونشر القوات العسكرية وشبه العسكرية على المواقع والأهداف الإستراتيجية داخل الولايات المتحدة الأمريكية مع تطبيق الإجراءات الأمنية المشددة على المطارات.
كما أن الولايات المتحدة عملت إلى جانب هذه الإستراتيجية في مكافحة الإرهاب إلى القيام بخطوة أخرى كان لها تداعيات وتأثير بحيث أعدت الخطة لإسقاط النظام العراقي، وتدرعت بمجموعة من الأسباب حسب رؤية المحافظين الجدد على اعتبار العراق أحد دول محور الشر، ثم التزام العراق بالقرارات الدولية للتخلص من أسلحة الدمار الشامل ثم هناك قول بأن هناك روابط بين العراق ومنظمة القاعدة أخطر المنظمات الإرهابية والمسؤولة عن أحداث 11 من سبتمبر فضلا عن اعتبار النظام العراقي نظام استبدادي يحكم شعبه بالحديد والنار الأمر الذي استوجب إسقاطه واستبداله بنظام ديمقراطي عميل.
تانيا: انعدام التوازن بين الدول
تختلف الدول عن بعضها البعض من حيث عناصر القوة التي تملكها وإذا كان من الصعب إجراء تقييم دقيق للعناصر المادية التي تساهم في تكوين قوة الدولة بالمقارنة مع دولة أو دولة أخرى، فإنه يمكن التأكيد على أن قوة الدولة لا ترتكز على عامل واحد فقط، فالاتساع الجغرافي مثلا لا يمكن الادعاء بأنه يشكل العنصر الحاسم في قوة الدولة وإن كان عدد السكان أو التطور الاقتصادي والتكنولوجي أو غير ذلك من عوامل القوة لا يمكن اعتبار أي منها الأساسي الوحيد لقوة الدولة.
فالواقع أن قوة الدولة لا تنبني على عامل واحد فقط وإنما ترتكز على عوامل متنوعة منها ما هو طبيعي ومنها ما هو مكتسب.[9]
وهناك أيضا ما يسمى بالعناصر المكتسبة والتي تشكل عناصر القوة للدولة والتي تزيد وتنقص تبعا لمستوى التقدم الاقتصادي والتكنولوجي ودرجة الاستعداد العسكري وكفاءة القيادة السياسية والروح المعنوية، فهذه العناصر تساهم في تكوين قوة الدولة بشكل مباشر ومؤثر.
1- مستوى التقدم الاقتصادي والتكنولوجي :
ويمكن التمييز بين ثلاث عناصر أساسية تبرز دول العالم الاقتصادي كعامل من عوامل القوة في المجال الدولي، وهذه العناصر هي التقدم الصناعي ومدى التطور التكنولوجي والمصالح الاقتصادية، وامتلاك الدولة للموارد الطبيعية لا يعتبر في حد ذاته مصدرا من مصادر القوة إذا لم تكن تملك إلى جانب ذلك الوسائل الكافية لاستعمال هذه الموارد في الأهداف العسكرية والصناعية ولذلك فإن التقدم الصناعي الذي تعكسه الطاقة الإنتاجية والآلات الحديثة وخبرة العمال ومهارة المهندسين والعبقرية الابتكارية، وحسن الإدارة هو من العوامل الهامة التي تؤدى بدون شك إلى التأثير في الشؤون الدولية، ومن الملاحظ أي التغيير في درجة التقدم الصناعي كان مصحوبا في العادة يتبدل ميزان القوة، فقد ظلت بريطانيا أقوى دولة في العالم طيلة المدة التي لم يوجد فيها من ينافسها كدولة صناعية كما أن تدهور مركز فرنسا كدولة عظمى بالنسبة إلى ألمانيا تزامن مع تأخر فرنسا وتفوق ألمانيا صناعيا بحيث أصبحت هذه الأخيرة الدولة الصناعية الأولى في القارة الأوروبية في فترة ما بين الحربين العالميتين، وعندما يقال اليوم بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي أقوى دولة في العالم فإن المقصود بذلك هي الدولة الصناعية الأمريكية، وليس هناك أدنى شك أن تفوق الولايات المتحدة واحتكارها للأسلحة النووية في السنوات الأولى بعد الحرب العالمية الثانية كان ثمرة لتفوقها الصناعي، وإن كان الاتحاد السوفياتي استطاع أن يبرزها في بعض الميادين كميدان الفضاء، ويحقق توازنا إستراتيجيا منذ نهاية الخمسينات فإن كفة التقدم الصناعي مازالت إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية مقارنة مع روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي ويمكن القول بأن التقدم الصناعي تختلف درجته من دولة إلى أخرى، ولكن التقدم الصناعي والتحسن الكبير لوسائل الإنتاج الذي حصل في أوروبا والولايات المتحدة وكندا واليابان، أدى إلى قيام تفاوت بين الدول وانقسام العالم إلى دول صناعية متقدمة تحظى بالرفاهية دول تعاني من التخلف الاقتصادي، ولذلك فإن الأمل معقود على تصنيع دول العالم الثالث المتخلفة للقضاء على هذا التخلف الناتج عن تخصص المركز المتقدم في الإنتاج الصناعي والإنتاج الصناعي الأكثر تطورا، وتخصص الأطراف أو المحيط في الإنتاج الأولي والإنتاج الصناعي الهامشي.[10]
ومؤدى ذلك أن جوهر التقدم الصناعي يتمثل في إقامة الصناعات التحويلية لا الصناعات الاستفراضية وحدها والمقصود بالصناعات التحويلية الصناعة التي تنصب على تحويل المواد الخام والمواد الأولية إلى سلع مصنعة ونصف مصنعة بينما تنصب الصناعات الاستخراجية على استخراج المواد الخام ومعنى ذلك أن التقدم الصناعي يعني قيام قطاع تحويلي هام متقدم تقنيا بحيث يصبح هو القطاع القائد في الهيكل الاقتصادي المحلي، ويصير الاقتصاد الوطني كله بالنتيجة اقتصادا صناعيا وهذا ما ينطبق على أوربا والولايات المتحدة واليابان والاتحاد الروسي، والواقع أن هناك علاقة بين التقدم الصناعي والتكنولوجي، فالدول المتقدمة صناعيا هي في ذات الوقت دول متقدمة تكنولوجيا وعلى العكس من ذلك فالدول المتخلفة صناعيا هي دول متخلفة تكنولوجيا.
التقدم الصناعي والتكنولوجي يتجلى في مستوى النمو الذي وصلت إليه الدولة من حيث الصناعة والكفاية الاقتصادية والتنظيم، فمهما توافرت الموارد الطبيعية والمادية فإن هذه الموارد تظل من قبل الإمكانيات المعطلة أو المهدورة إذ لم يتم استغلالها بكفاءة من الناحيتين الاقتصادية والتكنولوجية ويمكن من واقع المقارنات بين الدول الصناعية والدول التي لازالت تحارب التخلف الاقتصادي والاجتماعي، تلمس الفارق في مستوى القوة الاقتصادية التي تتمتع بها كل من هاتين الفئتين من الدول، فحينما يرتفع حجم الدخل القومي ومتوسط الدخل الفردي، وتتسع قاعدة الإنتاج وتزداد معدلات الاستهلاك عند الفئة الأولى، فإنه يلاحظ بالنسبة للفئة الثانية هبوط الدخل القومي وانخفاض مستوى المعيشة وتزايد الاعتماد الاقتصادي على الخارج وليس من قبيل الصدفة أن نجد أقوى دول العالم اليوم هي أقواها اقتصاديا وأرقاها في مستويات التطور الإنتاجي والتكنولوجي.[11]
وفي تاريخ العلاقات الدولية أمثلة عديدة للمنازعات والصراعات التي حدثت بسبب المصالح الاقتصادية، ويدخل في هذا الإطار الصراع الذي أعقب الثورة الصناعية في أوروبا خلال القرن التاسع عشر من أجل التحكم في المواد الأولية والسيطرة على منافذ التجارة الدولية، أو الحصول على الأسواق اللازمة لتصدير المنتوجات المختلفة لقد أدت الحاجة إلى الأسواق الجديدة بسبب الإنتاج المتعاظم للمصانع الكبيرة إلى تزايد التنافس الاستعماري ونتيجة لذلك اشتد الصراع من أجل السيطرة على إفريقيا وآسيا وأوربا فإنها إلى جانب ذلك تتميز بوجود مخزونات ضخمة من البترول.[12]
كما أنها من الأسواق الكبرى لاستهلاك سلع ومنتجات الدول الصناعية وخاصة الأسلحة، فقد تضاعفت قيمة الأسلحة المستوردة من قبل الدول العربية في الشرق الأوسط من سنة 1973 إلى سنة 1976، كما أن ثلاث دول بترولية هي السعودية والعراق وإيران استوردت سنة 1979 ما يعادل 64% من واردات السلاح. وكل ذلك يعني أن المصالح الاقتصادية جعلت الدول الكبرى تتنافس من أجل الحصول على امتيازات ومكاسب في هذه المنطقة، وقد كان ذلك هو السبب الذي دفع ببريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا إلى أتباع ما سمي بدبلوماسية البترول في الشرق العربي، أي إقامة مناطق النفوذ التي تمكنها من الوصول وحدها إلى مخزونات البترول في هذه المنطقة والملاحظ أن هناك ارتباطا تاريخيا بين المصالح الاقتصادية للدولة ومصالح الرعايا التابعين لها.[13]
هذا الارتباط كان نتيجة منطقية للأخذ بمفهوم الدولة الليبرالية التي لم يكن لها مصالح مباشرة في الخارج غير مصالح رعاياها، وبواسطتهم وكانت وظائفها تقتصر على الدفاع الوطني والأمن الداخلي والقضاء والتمثيل الدبلوماسي مع ترك النشاطات الأخرى للمبادرة الفردية وعدم التدخل في العلاقات بين الأفراد والاكتفاء بدور الحكم.
لذلك كان من الطبيعي أن يقوم الاتفاق والتلاقي بين مصالح الخواص والمصالح الحيوية للدول، فالقوة الاقتصادية للدول في الخارج تدعم نفوذها السياسي وعلى أساس هذه الوحدة بين مصالح الدولة ومصالح الخواص التابعين لها، سيطرت الدول الأوروبية والولايات المتحدة على النشاط الاقتصادي في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية خلال القرن الماضي واتبعت حكومات هذه الدول أسلوبين لتدعيم قوتها الاقتصادية في الخارج وهما أسلوب التغلغل الاقتصادي وأسلوب الضغط العسكري، في الوقت الحاضر يمكن القول بأن المصالح الاقتصادية للدول الغربية لها ثلاث مجالات رئيسية في الاستثمارات والتجارة والمواد الأولية، فما من شك في أن ضخامة الاستثمارات العربية في دول العالم الثالث تجعل مصلحة الدول الغربية في المحافظة على هذه الاستثمارات وضمان مردوديتها.
ومن حيث التجارة فمن مصلحة هذه الدول المحافظة على الأسواق وعلى طرق الوصول إليها وربما أنها تزود بنسب متزايدة من المواد الدولية، فمن المهم اقتصاديا إستراتيجيا لها أن تستمر هذه المواد في تغذية الأسواق الغربية مع حد أدنى من التقلبات سواء في الأسعار أو الكميات.
لكنه لا يمكن إغفال عامل مهم يؤثر على المصالح الاقتصادية للدول العربية في العالم الثالث وهو أثر الصراعات الداخلية المسلحة، على هذه المصالح فعند تصعيد العنف المسلح تصبح التكاليف الاقتصادية أكثر ارتفاعا وتصبح الاستثمارات والأموال الغربية مهددة مباشرة، فالاقتصاد الذي تضر به الحرب يصبح غير مربح كما في الماضي وعبء الحرب يثقل اقتصاد الدولة ويكون له أثر سيء وضار على الصادرات الغربية لاسيما إذا لم تستطع الدول الغربية بين الأسلحة للدولة التي يوجد فيها ذلك الصراع العنيف لكن الآثار تكون أخطر وأسوأ فيما يتعلق بإمدادات المواد الأولوية إذا كانت هذه الإمدادات غير منتظمة وغير متحكم فيها فإن ذلك سيحدث أثار اقتصادية وسياسية ضارة بالنسبة للغرب ومنها ارتفاع الأسعار وهذا ما يفسر قيام معظم الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة بإرسال أساطيلها الحربية إلى منطقة الخليج سنة 1987 نتيجة لتصعيد حرب الناقلات من جهة وزرع الأنغام في مياه الخليج من جهة أخرى ومشاركتها في حرب الخليج ضد العراق في يناير 1991.
أما بالنسبة للمصالح الاقتصادية لدول العالم الثالث فيمكن القول بأن هذه الدول رغبة منها في الحصول على منافع أكبر تلجأ إلى إتباع سياسات مشتركة في مجال إنتاج وتسويق المواد الأولية وذلك عن طريق التكتلات الاقتصادية مثل منظمة الدول المصدرة للبترول أوبك التي تسمح لها بالدفاع عن مصالحها المشتركة وتنسيق مواقفها ويمكن اعتبار الأوبك من أهم التكتلات الاقتصادية للدول النامية وأكثرها دفاعا عن مصالح هذه الدول منذ منتصب السبعينات كما أنها من أكثر القنوات تأثيرا ونفوذا لدى الدول الصناعية.
والواقع أن المصالح الاقتصادية للدول كثيرا ما تنعكس على مواقفها السياسية وتعاملها الدولي وتدفعها بالتالي إلى تمتين روابط التعاون الاقتصادي المشترك فيما بينها ويتجلى ذلك بصورة أوضح في التعاون الاقتصادي المشترك بين الدول الأوروبية، فالرغبة هي عقوبة التعاون بين الدول الأوروبية التي تربطها مصالح متبادلة هي التي شجعتها على إقامة تكتلات اقتصادية بين دول أوروبا الشرقية سابقا والسوق المشتركة بين دول أوروبا الغربية، وإلى جانب عامل الاقتصادي توجد عوامل أخرى مكتسبة من أهمها درجة الاستعداد العسكري والتي تفرق بين قوة الدول إلى جانب الروح المعنوية.
2- جاهزية الاستعداد العسكري :
يمثل الاستعداد العسكري المظهر الرئيسي للقوة في المجال الدولي فمن البديهي أن تكون أقوى الدول هي أقواها من الناحية العسكرية وهذا ما يجعل الولايات المتحدة وروسيا القوتين الرئيسيتين في العالم بحيث أن التوازن الإستراتيجي يقتصر عليهما ولا يمكن للدول الأخرى ولو كانت مجتمعة أو تعادل من حيث القوة العسكرية ما تمتلكه إحداهما من هذه القوة وهذا ما يؤكد أن الاستعداد العسكري يضفي الأهمية الفعلية على عوامل القوة الأخرى وبالتالي يكون أساسيا وضروريا لدعم وتنفيذ الدولة لسياستها الخارجية، وتتجلى درجة الاستعداد العسكري في تقنية الحرب والقيادة ونوعية وضم القوات المسلحة فالتفاوت في تقنية الحرب جعل الدول الاستعمارية في أوروبا تفوق على البلاد الأخرى في إفريقيا وأسيا وتسيطر على العالم الجديد في النصف الغربي من الكرة الأرضية ذلك أن إدخال سلاح الإشارة والمدفعية على أسلحة الحرب التقليدية في القرنين الرابع عشر والخامس عشر أدى إلى تحول ضخم في توزيع القوة لفائدة الدول الأوروبية التي تمتلك هذه الأسلحة الجديدة قبل غيرها.
وقد شهد القرن العشرون ابتكارات جديدة في تقنية الحرب، وأعطت ميزة مؤقتة للجانب الذي استخدمها قبل خصمه أو قبل أن يتمكن هذا الخصم من وقاية نفسها منها. وكانت الغواصة هي الابتكار الأول في الحرب العالمية الأولى إذ استخدمتها ألمانيا ضد السفن البريطانية، وظهرت في وقت ما كافية لتقرير نتيجة الحرب لصالح ألمانيا إلى أن وجدت بريطانيا في نظام القوافل، الرد على هذا التهديد الشديد الخطورة وكانت الدبابة السلاح المبتكر الثاني إذ استخدمتها بريطانيا بأعداد كبيرة ومركزة ضد ألمانيا التي لم تعرفها إلا في المرحلة النهائية في الحرب العالمية الأولى، ولاشك أن الدبابة كانت عامل من عوامل انتصار الحلفاء في هذه الحرب وكان الابتكار الثالث هو التنسيق والتعاون بين القوات الجوية والبرية والبحرية مما أسهم إلى حد كبير فيما حققته ألمانيا واليابان من تفوق في المرحلة الأولى من الحرب العالمية الثانية، وقد أخذت الهزائم الذريعة التي ألحقها اليابانيون بالأمريكان والبريطانيين والهولنديين برا وبحرا في 1941 و1942 أهمية تفوق اليابان في تقنية الحرب وأساليبها.[14]
وإلى جانب ذلك ظهر في الحرب العالمية الثانية، إبتكار جديد في تقنية الحرب أثر في مجرى الحرب وهو استخدام المطارات العائمة المنتقلة المتمثلة في حاملات الطائرات من قبل الولايات المتحدة واليابان.
ولكن أهم ابتكارات تقنية الحرب تتمثل في إنتاج واستخدام السلاح النووي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ضد اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية. بل إن احتكارات الولايات المتحدة للسلاح النووي ببضعة أعوام بعد الحرب العالمية الثانية منحها ميزة تقنية ضخمة في مجال القوة العسكرية ولم يتبدل هذا الوضع إلا في نهاية الخمسينات حينما بدا واضحا أن الاتحاد السوفياتي حقق توازنا إستراتيجيا في الأسلحة النووية مع الولايات المتحدة وأصبح في إمكانه إصابة الأهداف الأمريكية بواسطة الصواريخ العابرة للقارات.
والواقع أن ظهور تقنية الحرب النووية كان بداية لجيل جديد من الابتكارات العسكرية التي لم تعد تقتصر على الحرب في الأرض وفي أعماق البحار والمحيطات وإنما أصبحت تتعدى ذلك إلى الفضاء الخارجي بسبب اختراع الأسلحة الفضائية والإشعاعية التي قد لا يستدعي استخدامها سوى بعض ثوان ومؤدى ذلك كله أن الدول المتقدمة تكنولوجيا من الناحية العسكرية تستطيع أن تحرز ميزات حاسمة على أعدائها الذين لم يحرزوا مثل هذا التقدم التكنولوجي رغم قدرتهم على حشد قوات ضخمة غير مدعمة بأساليب الحرب الحديثة، وهذا ما تجلى واضحا في حرب المالوين بين بريطانيا والأرجنتين عام 1982 وحرب الخليج عام 1991 وحرب كوسوفو عام 1999.
وإلى جانب التقنيات الجديدة في مجال الحرب تلعب القيادة العسكرية دائما دورا حاسما في مجال القوة العسكرية فقوة بروسيا في القرن الثامن عشر كانت إلى حد كبير تشكل انعكاسا للعبقرية العسكرية التي امتاز بها فريدريك الأكبر ولكن فن الحرب تبدل تبدلا كبيرا بعد موت فريدريك الأكبر عام 1786 عندما استطاع نابليون في معركة فيينا عام 1806 تحطيم الجيش البروسي الذي كان من ناحية مستواه العسكري وقوته معادلا تماما لما كان عليه قبل عشرين عاما ذلك أن قادة الجيش البروس أصبحوا يفتقرون إلى العبقرية العسكرية التي امتازوا بها في معارك فريدريك الأكبر في أوربا بأسرها، إذ انتقلت هذه العبقرية إلى الجانب الآخر ممثلة في نابليون الذي طبق أفكاره الجديدة في فن القيادة التي قررت دون شك مصير المعركة لفائدة فرنسا.[15]
وقد أصبحت نفسية خط ماجينوا التي سيطرت على القيادة العليا الفرنسية في فترة ما بين الحربين العالميتين مثالا للتفكير العسكري الخاطئ، ففي الوقت الذي مالت فيه اتجاهات التقنية الحديثة نحو حرب الحركة السريعة واستعمال الآليات في النقل والمواصلات ظلت القيادة العامة الفرنسية تفكر في إطار حرب الخنادق التي سادت الحرب العالمية الأولى، أما القيادة العامة الألمانية فقد أدركت من ناحية أخرى المزايا العسكرية للحرب الآلية لذلك وضعت خططها على أساس حركية لم يسبق لها مثال وقد أدى التصادم بين هذين المفهومين وليس في معركة فرنسا وحدها ولكن في معارك بولونيا والاتحاد السوفياتي أيضا إلى أن حققت حرب الصاعقة الألمانية تفوقها، كاد يصل بها إلى حد النصر النهائي لولا أن الدول المغلوبة على أمرها وجدت سندها في التقنية المتفوقة للولايات المتحدة وفي القوة البشرية الهائلة للاتحاد السوفياتي من أجل إحباط إبتكارات هتلر وإلحاق الهزيمة بجيوشه.[16]
ولكن عناصر القوة في المجال العسكري لا تقتصر على الأخذ بتقنيات الحرب الحديثة وكفاءة وعبقرية القيادة العسكرية وإنما تشمل أيضا نوعية وكم القوات المسلحة، فقد يتيسر للدول الحصول على تقنيات الحرب الحديثة وقد يتفوق قادتها العسكريين في مجال فنون الحرب ولكنها مع ذلك تظل ضعيفة من الناحية العسكرية. وبالتالي من الناحية السياسية إذ لم يتوافر لها الجهاز العسكري اللازم لأداء المهام الموكولة إليه سواء من حيث الكم أو حيث الكف.
ولاشك في أن متطلبات القوة العسكرية الكافية كما وكيفا تختلف من دولة إلى أخرى لعدم وجود تجانس بين الدول من الناحية المادية فهل يتحتم على الدولة أن تحتفظ بقوات عسكرية كثيرة العدد أو من الناحية المادية، فهل يتحتم على الدولة أن تحتفظ بقوات عسكرية كثيرة العدد أو من الأفضل لها أن يكون لها جيشها مكونا من وحدات صغيرة عالمية التدريب والتجهيز ؟ وهل من المفيد للدولة عسكريا أن تتسلح بالأسلحة الدفاعية أو بالأسلحة الهجومية ؟ وهل يمكن الوصول بالحرب إلى نتيجة حاسمة عن طريق سلاح جديد كالمدفعية في بداية القرن الخامس عشر والغواصة والدبابة في الحرب العالمية الأولى والطائرة بالنسبة لفترة ما بين الحربين العالميتين والأسلحة النووية والفضائية بعد الحرب العالمية الثانية ؟
إن الإجابة الخاطئة على مثل هذه الأسئلة أوصلت كل من بريطانيا وفرنسا إلى حافة الهزيمة في الحرب العالمية الثانية التي تطلبت أساليبها التقنية العسكرية ردودا مغايرة لتلك الأسئلة وما من شك في أن الإجابة على هذه الأسئلة بصورة صحيحة أو خاطئة تؤثر تأثيرا مباشرا على قوة الدولة فحجم القوات المسلحة وحده لا يكفي وإنما يلزم أيضا التركيز على الجوانب الكافية في إعداد القوات وتجهيزها للقيام بمختلف المهام التي ستسند إليها ورفع مستوى قدرتها القتالية.
وإلى جانب ذلك فالاستعداد العسكري يتطلب من الدولة القدرة على حشد طاقاتها وإمكانياتها بأكبر ما يمكن من السرعة لأن الدول التي تفشل في التعبئة الشاملة والسريعة لقواتها في الوقت المناسب تفقد ميزات في مواجهة أعدائها كما أنه يستدعي إلى جانب ذلك إعداد الجبهة الداخلية لخدمة الجهود العسكرية، فحشد إمكانيات وطاقات الدولة للحرب لا يمكن أن ينحصر في الإطار العسكري وحده وإنما يجب أن يمتد إلى الجبهة العسكرية والمدنية في نفس الوقت
[1] موقع إسلام أولين : الصراع بين مهارات المساومة وبناء التحالفات، www.islamonline.net.
[2] نظام بركات : "تداعيات 11 سبتمبر على النظام الدولي"، http://www.aljazeera.net.
[3] عبد الواحد الناصر : "المتغيرات الدولية الكبرى"، مطبعة النجاح الدار البيضاء المغرب، ماي 2004، ص : 11.
[4] مقتطفات هذا الخطاب، جريدة الشرق الأوسط، العدد الصادر يوم 12 مارس 2002، ص : 3، وجريدة القدس العربي الصادر في نفس اليوم، ص : 7.
[5] محمد صادق : "المرحلة الأولى من الحرب على الإرهاب انتهت باقتلاع طالبان"، جريدة الشرق الأوسط، العدد الصادر يوم 6 مارس 2002، ص : 6.
[6] أحمد ابراهيم محمود : "الإرهاب الجديدة الشكل الرئيسي للصراع المسلح في الساحة الدولية"، مجلة السياسة الدولية، العدد 147، يناير 2002، ص : 45.
[7] حاولت الولايات المتحدة أن تستصدر قرار مجلس الأمن يضفي الشرعية على قيامها بالحرب على العراق لكن أغلبية الدول الأعضاء 11 دولة من مجموع الدول الخمس عشر من مجلس الأمن رفضت تأييد مشروع القرار الذي حذا بها للذهاب إلى الحرب مع حليفتها التقليدية إنجلترا وبضعة دول حليفة أخرى بقوات رمزية.
[8] أحمد عبد الحليم : "الإستراتيجية العالمية للولايات المتحدة الأمريكية، السياسة الدولية"، عدد 147 يناير سنة 2002.
[9] محمد طه بدوي : "مدخل إلى علم العلاقات الدولية"، بيروت 1972، ص : 103.
[10] عبد الواحد الناصر : "التفاوت بين الدول"، مطبعة النجاح الدار البيضاء المغرب، ص : 146-147.
[11] إسماعيل صبري مقلد : "العلاقات السياسية الدولية"، دراسة في الأصول والنظريات، الطبعة الرابعة الكويت، 1985، ص : 179-180.
[130] سامي منصور : "الدور العربي في استراتيجيات الكتل الدولية"، مجلة السياسة الدولية يناير 1984، ص : 100.
[12] عبد الواحد الناصر : "مدى مشروعية استخدام القوة لحماية الرعايا الموجودين بالخارج"، أطروحة لنيل الدكتوراه، جامعة محمد الخامس، الرباط، أكدال، كلية الحقوق الرباط، 1986.
[13] إسماعيل صبري مقلد : المرجع السابق، ص : 175.
[14] عبد الواحد الناصر : "التفاوت بين الدول"، مرجع سابق، ص : 152.
[15] المرجع السابق، ص : 153.
[16] محمد إبراهيم فضة : "أثر عامل الشخصية في صنع السياسة الخارجية"، دراسة منشورة في مجلة السياسة الدولية، العدد 74، ص : 54.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق