الجمعة، 6 نوفمبر 2009

الصراع غير المتوازن في العلاقات الدولية

عندما تختل الموازين وتتغير العلاقات الدولية فإن موازين قوى تنتصب وأوضاع جديدة تتشكل ومصالح تتوزع، ولفهم هذه السيرورة لابد من العودة إلى مفهوم الحرب لمعرفة مدى مساهمة القوة في حسم الصراعات بين مختلف الجماعات البشرية عبر العصور المتطاولة، ثم لابد من إدراك مفهوم الحرب والفكر الاستراتيجي وكيف تستخدمه الدولة لتحقيق أهدافها ومصالحها.[ 1]

وبهذا فإن الحرب أصبحت تأيد اتجاها استراتيجيا لتحقيق أهدافها ومطامع اقتصادية وسياسية، والواقع الدولي يشهد على ذلك بحيث نجد أن هناك مجموعة من الحروب والصراعات وخصوصا في الشرق الأوسط وكل ذلك نتيجة لترتيبات أمنية دولية بدعوى مكافحة الإرهاب والشر في المنطقة والتي شهدت مجموعة من الصراعات التي تنعدم فيها التوازنات الإستراتيجية، فهناك احتلال أمريكي للمنطقة ومؤامرة على لبنان. وبهذا سوف نتطرق إلى النموذج الدولي للصراع غير المتوازن تم النموذج الإقليمي للصراع غير المتوازن.



اولا: النموذج الدولي للصراع غير المتوازن
سوف نناقش في هذه الفقرة نموذجين من الصراع الدولي غير المتوازن في العلاقات الدولية النموذج الأفغاني والنموذج العراقي.

1- النموذج الأفغاني :

جاءت الحرب على أفغانستان نتيجة لتدابير الإستراتيجية والأمنية التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية سواء على المستوى الداخلي والخارجي، واتجاه مختلف حلفائها التقليديين والجدد نحو تهميش صلاحيات منظمة الأمم المتحدة والتي أحكمت السيطرة عليه وبدأت في تطبيق السيناريوهات المتعددة لمواجهة تبعات 11 من شتنبر ومحاربة الإرهاب الدولي.[ 2]

ذلك أن الولايات المتحدة رأت لنفسها الحق في أن تدافع عن نفسها في مواجهة الأنظمة المراقة التي تهدد أمنها القومي.

ويعتبر البعض أن غزو أفغانستان هو أول جولة عسكرية في الحرب على الإرهاب والقوات المشاركة في الغزو هي قوات التحالف الدولية وقوات التحالف الشمالي الأفغاني ضد حركة الطالبان، وأعطت هذه الحرب نسبة كبيرة من التأييد لسياسات بوش الخارجية إذ حصل وبالإجماع من الكنغرس ومجلس الشيوخ على 40 مليار دولار لحملة على الإرهاب و20 مليار دولار لتعويض الخسارة التي طال قطاع الطيران عقب أحداث 11 سبتمبر 2001.

لكن تبعث هذه الحرب على الساحة الأفغانية أضحت واضحة للعيان، بحيث تضاعف الإنفاق العسكري الأمريكي بمعدل خمسين مليار دولار وأكدت الدراسات أن مصاريف بلغت 437 مليار دولار أضف إلى ذلك واقع حال الجنود والتحالف في هذا البلد المستضعف إذ يوميا يتم الإعلان عن سقوط المروحيات وموت العشرات القتلى من هذه القوة الغازية الشيء الذي أصبحت معه مقولة الفوز محطة خيال. وبالتالي يمكن القول بأن غزو أفغانستان كان خطأ كبيرا وكان ذلك سوء تقدير من الإدارة الأمريكية التي قضت على نفسها في العراق.[ 3]

1- الموقف من الحرب على أفغانستان :

لم تكن المواقف من الحرب الأمريكية على أفغانستان شديدة التباين فالموقف العالمي بدأ مساندا للولايات المتحدة في حربها على ما أسمته بالإرهاب، أما الدول العربية فالأغلب أيد هذه الحرب بل إن بعض منها عرض المساعدة والعون على القوات الأمريكية الغازية ولكن القليل رفض هذه الحرب على استحياء.

ولقد تضاربت مواقف الدول العربية حول الحرب بين مؤيد ومستحي من هذه الحرب.





- الموقف العربي من الحرب على أفغانستان :

1- الجامعة العربية :

دعت جامعة الدول العربية إلى ضبط النفس وعدم توسيع المواجهة وذلك غداة عمليات القصف الأمريكي والبريطاني على أفغانستان، وقال أمينها العام عمرو موسى في تصريحات للصحفيين في اليوم الثاني من بدء الضربات العسكرية نرجو ونطالب حالا بتطور الاستخدام العسكري إلى المساس بأي دولة عربية.

- الموقف الدولي من الحرب على أفغانستان :

1- مجلس الأمن :

تم إبلاغ مجلس الأمن الدولي بالهجمات بعد وقوعها واستجابت الولايات المتحدة وبريطانيا لطلب الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان بتقديم بيان تفصيلي مكتوب حول العمليات العسكرية إلى مجلس الأمن وتم تقديم البيان في اليوم التالي لوقوع الهجمات.

2- الناتو :

بدأ حلف شمال الأطلس بالاستعداد للمشاركة في العمليات العسكرية ضد أفغانستان في اليوم التالي لوقوع الهجمات، وقالت مصادر مسؤولة بالحلف إن طائرات الاستطلاع من طراز أواكس التابعة للناتو والموجودة في قاعدة جايلنكيرش الألمانية بدأت الاستعداد بالانتشار في قواعد أميريكية وأضافت المصادر أن نشر الطائرات سيتم في إطار العمليات العسكرية التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية ضد ما يسمى بالإرهاب وأعلن الأمين العام لحلف الأطلس جورج روبرتسون تأييد الحلف المطلق للولايات المتحدة في ضرباتها على أفغانستان.[ 4]

2- النموذج العراقي :

لقد بدأت بوادر الصراع الجديد مع حلول الذكرى السنوية الأولى لتفجيرات المركز التجارة العالمي بنيويورك والبنتاغون سنة 2001، وبذلك بدأت الولايات المتحدة الأمريكية إحياء الملف العراقي، بدعوى توقيف أنشطة المفتشين الدوليين بدعوى أن العراق قد استأنف أنشطة التسليح بما فيها مساعيه لإنتاج وامتلاك أسلحة الدمار الشامل مما يمثل حسب الإدارة الأمريكية انتهاكا فعليا من جانب العراق للقرارات الأممية الصادرة ضده والتي تلزمه بضرورة التوقف على الأنشطة التسلحية والتخلص منها.[ 5]

وبالرغم من هذا التبرير فإن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد قررت منذ عقد من الزمن احتلال العراق، ولكن حين وصول المحافظين الجدد إلى السلطة كان عليها أن تختلف أسباب لشن الحرب فوجدت ضالتها في بث الرعب في نفوس سكانها من امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل لتحصل على تأييد ممثلي شعبها في شن الحرب على العراق واستغلت أحداث شتنبر المأسواوية لتقول لمواطنيها إن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل وأن لصدام حسين تعاونا مع تنظيم القاعدة فتمة احتمال أن تتسرب هذه الأسلحة إلى أيدي عناصر القاعدة ليستخدموها ضد أهداف أمريكية أو غربية، وبالتالي وجدت الولايات المتحدة في قرار مجلس الأمن خير مرتكز لفبركة حملة الافتراءات حول أسلحة الدمار الشامل العراقية ولاسيما بالسلاح النووي.[ 6]

ومن الأسباب الحقيقية للعدوان الأمريكي على العراق تعود إلى أهداف إيديولوجية اقتصادية رأسمالية وصهيونية وحضارية بالدرجة الأولى، فالغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية يدركون جيدا على أن قوة العراق الحضارية كمهد للثقافات وكأرض للدائرة العربية والإسلامية هو شيء يهدد سيادة ثقافته وقيمه الديمقراطية.[7]

إن الحرب على العراق ليست لها علاقة بجلب الديمقراطية إليه ولا باحتلاله أسلحة الدمار الشامل ولا بمكافحة الإرهاب، والحقيقة أن أمريكا استذلت المناخ الذي هيأت هجوم 11 شتنبر لتعزيز إستراتيجيتها في الهيمنة، فهذه الحرب كما الحرب على أفغانستان مرتبطة بحاجة الولايات المتحدة لضمان السيطرة على إمدادات النفط في المنقطة الممتدة من وسط آسيا وحتى البحر الأبيض المتوسط، ولضمان أمن إسرائيل على مدى السنوات القادمة.

إن الحرب على العراق لا يمكنها أن تندرج في الحملة المزعومة ضد الإرهاب، إلا من خلال باب الافتعال السياسي فهي جزء لا يتجزأ من النظام الرأسمالي المؤسس على الطموح الغير المحدود للأرباح، والحقيقة هي أن الطبقة الحاكمة داخل الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى إحلال أنظمة تابعة ومطلقة الولاء محل أي نظم لديها أدنى هامش من الاختلاف وذلك ضمانا لمصالحها الإستراتجية وعلى رأسها تأمين النفط.

وفي السياق ذاته فإن السعي لإقامة نظام من هذا القبيل في بلد منتج للطاقة بحجم العراق، ويعتبر التجسيد الأول لهذا التوجه، فهذا البلد توجد فيه أكبر محطات الغاز في العالم وتحوي أراضيه على محيطات من النفط وذلك سيكون في خدمة الاستهلاك الكبير للولايات المتحدة للنفط حيث تبلغ احتياطات النفط في العراق المؤكدة في 115 مليار برميل أي نحو 1.11 من الاحتياطات العالمية.

وبالإضافة إلى تلك المميزات المطلقة للنفط العراقي، هناك الربحية الهائلة في الاستثمار في هذا القطاع. خاصة وأن حقول النفط العراقية تعتبر من أغزر الحقول في العالم وأكثرها قربا من سطح الأرض مما يوفر نفقات ضخمة في عمليات التنقيب والاستخراج، وتفيد الدراسات الدولية أن معدل إنتاج البئر في العراق يتراوح ما بين 10 إلى 11 ألف برميل سنويا بينما متوسط إنتاج أبار النفط في دول أوبك الأخرى لا يزيد عن 84 ألف برميل يوميا.

لذلك قررت الامبريالية الأمريكية الانتقال من سياسة الاحتواء إلى طور الإجهاز على النظام القائم في بغداد واحتلال العراق عسكريا لسنوات طويلة.

ومن الأسباب الأخرى للتدخل الأمريكي في العراق يمكن اعتبار الحرب كمخرج للأزمة الاقتصادية حيث يمكن الحديث عن بوادر الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية وهي كدافع إضافي وحالي لنزوع الطبقة الحاكمة الأمريكية نحو الحرب.

وما يساهم في زعزعة مكانة الولايات المتحدة ليس أسلحة الدمار الشامل بل التدهور الاقتصادي الناتج عن طبيعة النظام الرأسمالي من فساده واستبداده ومن الهبوط في أرباح الشركات نتيجة ظاهرة الإنتاج الفائض الذي لا تنجح السوق الرأسمالية في استيعابه. والمخرج من هذه الأزمة هو إقرار سياسة بربرية تبيح قلب أنظمة واحتلال الولايات المتحدة للدول.

وليس هناك شك في أن الأزمة الاقتصادية الأخيرة تنضاف إلى الأوجاع الطويلة المدى، فعلى الرغم من استمرار احتفاظها بمكانة الدولة ذات الاقتصاد الأكبر في العالم إلا أن الولايات المتحدة تعاني من تراجع متواصل وتاريخي في حصتها من إجمالي الناتج العالمي، وبالتالي انعكست الأزمة الاقتصادية الأمريكية على توجهات الرأي العام داخليا، خاصة بين أوساط الطبقة العاملة.[ 8]

كما أن هذه الحرب أصبح لها تأثير وتداعيات على القانون الذي اصطبغ دائما بالطبع الخاص ومزدوج الرؤية والتطبيق بالقدر الذي تجد فيه الولايات المتحدة الأمريكية أو تمنع من تدوينه وتطوره المضطر عبر إحجامها أو امتناعها عن التصديق على كثير من الاتفاقيات الدولية والجماعية التي تهم تدوين القانون الدولي في بعض المجالات الدولية التي تعرف فراغا تشريعيا دوليا، بالقدر الذي تنظر فيه إلى القانون الدولي كجزء من القانون الأمريكي الذي يسمح لها بالعمل على تنفيذ أحكامه وجبر مطالب فيه على الخضوع له.

ولعل هذه الرؤية المزدوجة والسلوك الدولي المتناقض للولايات المتحدة الأمريكية وعبر كثير من ممارستها الدولية هو ما يفسر لناشر فرقها لقواعد القانون الدولي كما هو متعارف عليه عالميا وفي نفس الوقت تبرير خروقاتها المتعددة لهذا القانون كونه تصويب لهذا القانون ودفاعا عن حرمته وعدم انتهاكه من طرف المجتمع الدولي.

ولعل هذه الصورة تتوضح أكثر وبجلاء من خلال توسيع قرار بحرب العراق كونه قرار ينسجم مع القانون الدولي في حدود اعتباره جزء من القانون الأمريكي الذي يسمح لها بالدفاع الشرعي الوقائي والاستباقي ضد خطر كامن ومرتقب تمثله العراق من خلال حيازته لأسلحة الدمار الشامل.[ 9]

وفي السياق ذاته عبر كل من جورش بوش وتوني بلير عن احتقارهما شديد للقانون الدولي والمؤسسات الدولية في قمة جزر الأزور عشية الغزو الأمريكي للعراق وأصدر إنذار للعراق ولمجلس الأمن "عليك أن تدعن وإلا فإننا سنقوم بعملية الغزو دون أن تبصم موافقتك التافهة وإننا سنفعل ذلك سواء غادر صدام وعائلته البلاد أم لا"، إن عصب المسألة هو أن الولايات المتحدة مصرة على أن تحكم العراق لقد أعلن جورج بوش بأن الولايات المتحدة لها تخويل مطلق باستخدام القوة العسكرية للدفاع عن أمنها القومي المهدد بالعراق مع صدام أو بدونه.

وبذلك فإن بوش يرسخ وجود القوة الأمريكية في المنطقة ولا بأس بالديمقراطية شكلية واستلامية المقبولة في الكواليس الأمريكية هذا على الأقل ما يقول التاريخ والممارسات الدولية.[ 10]

عن تداعيات العدوان الأمريكي على العراق مازالت تفرز الكثير من الأحداث والمستجدات والوقائع الدولية التي لها تأثير واضح في صيرورة ومالية القانون الدولي، وبالتالي سوف نعيش في عالم الفوضى والصراعات والحروب لا تعترف بالقانون الدولي مع فشل المجتمع الدولي في توحيد المنتظم العالمي على مرتكز القاعدة القانونية تحكم الفعل السياسي الدولي.

تانيا : النموذج الإقليمي للصراع غير المتوازن
1- الحرب الإسرائيلية لبنانية :

يبدو أن الحرب السادسة بين كل من إسرائيل وحزب الله ستكون أطول الحروب الكلاسيكية، أو غير النظامية التي قادتها إسرائيل منذ قيامها سنة 1948، وأعقدها وأصعبها ولربما قد تكون الأكثر تكلفة من الناحية الاقتصادية، ويمكن اعتبارها كذلك الضربة الكبرى التي تلقاها المشروع الأمريكي في المنطقة هذه الحرب كشفت عدة أوراق كانت موضع سر من لدن الدول الكبرى وأيضا بعض الدول العربية.

وأما على الصعيد الدولي كانت مختلف الردود تحمل حزب الله مسؤوليته عن تردي الأوضاع في لبنان وأن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها صحيح أن حزب الله له أسرى لدى إسرائيل ومن حقه طبقا للمواثيق الدولية أن يعمل كل ما في وسعه لاسترداد هؤلاء، لكن الغريب في الأمر هو أن العملية التي قام بها حزب الله كانت مفاجأة للغاية وحتى الأمين العام لحزب الله قال بأن الحزب لم يكن يتوقع أن يكون رد الفعل الإسرائيلي على قتل وأسر الجنديين إسرائيليين بتلك القسوة والشدة والتدمير للبنية التحتية من مرافق عمومية حيوية كالموانئ والمطارات وقطع الجسور لتضع مختلف المدن اللبنانية تحت الحصار، ولكن الأهم من هذا وذلك المواقف الدولية خاصة الدول العربية لم تكن مفاجأة بل هي أصلا تعتبر حزب الله من المنظمات الإرهابية يجب القضاء عليها وتعتبر أمريكا وإسرائيل المعرقل الأساس لعملية السلام بين إسرائيل ودول المنطقة.

وأما على الصعيد العربي جاءت هذه الحرب والنظام العربي مازال يعاني من غزو العراق وهذا ما يكشف عن عمق الأزمة التي يعيشها العالم العربي، ومن أزمة لبنان ازداد النظام العربي في عجزه وتأخره أكثر، مما كان عليه خلال حرب العراق من مارس 2003، إلى أن النظام العربي لم يستطيع التعامل مع هذه الأزمة بشكل متناسق ولكنها مراحل امتازت بتضارب الآراء وعدم توحدها بين تأييد لها قام به حزب الله وبين الرافض لما جرى.[ 11]

ونتيجة المنطقية لهذا الفعل أن وجدت إسرائيل الغطاء لشن الحرب على لبنان، في حين ألمح رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت إلى تأييد بعض الدول العربية للحرب على حزب الله.[ 12]

بعد ذلك ردت إسرائيل على عملية حزب الله بهجوم واسع ومدمر على لبنان وسميت العملية بأمطار الصيف وهي مقدمة دليل على أنها كانت تخطط لها منذ وقت بعيد كما أن أسر الجنديين لم تكن سوى ذريعة مدعومة أمريكيا لشن هجوم ممنهج على لبنان لتفكيك حزب الله ونزع سلاحه أو بمعنى آخر لتنفيذ القرار 1599 الذي كانت إسرائيل وراء صدوره تمهيدا لسلام بين الدولة العبرية ولبنان وفي خارج لبنان اعتبرت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا أن خطب الجنديين، إنما هو خرق للخط الأزرق فشرعت بذلك إعلان إسرائيل الحرب على لبنان واعتباره عملا مشروعا ودفاعا عن النفس باختصار جاءت العملية في إطار صراع حول الشرق الأوسط فقد أعلنت إسرائيل أنها تريد تغير قواعد اللعبة في لبنان وبذلك أعلن حزب الله عن حرب مفتوح مع إسرائيل.[ 13]

ويكمن هدف المركزي من وراء شن هذه الحرب على لبنان والتي وضعها النائب في الكنيست الإسرائيلي زهافا فاغالنون بأنها حرب أمريكية بدماء يهودية تتلخص في تغير خارطة الشرق الأوسط وتقسيمه إلى كانتونات طائفية ومذهبية وعرقية متنابذة ولا يقر لها قرار إلا بأمر السيد الإسرائيلي والأمريكي ومنهم من يذهب إلى أن هذه الحرب ليست كباقي الحروب الأخرى ولا يريد أحد في إسرائيل المقارنة بين الآلية العسكرية الإسرائيلية وأسلحة المقاومة والتي هزت القوة الإسرائيلية.

وهناك من يذهب بدرجة اليقين إلى أن هذه الحرب فإنها قد تمت بالوساطة الإسرائيلية وإن جرى التقاطع بين الخاص الإسرائيلي والعام الأمريكي في المنطقة، فالحرب جرى الإعداد لها من قبل ومنذ سنين وتم وضع الخطة الحربية سنة 2004، وكل ذلك تم بعد أن تم وضع خطط تدريبية لمعارك افتراضية في مواقع متشابهة لحزب الله.[ 14]

كما أن الولايات المتحدة الأمريكية ترى أن تحقيق السلام لا يمكن أن يتم إلا بعد إسقاط حزب الله وإحكام القبضة على المنطقة بكاملها وخلق نظام أمني ناجح يكون ركيزته الكيان الصهيوني. تدفعه إلى ذلك مثالية تحقيق سلام الفئة عام الذي ساد في أوربا من 1815 إلى 1214 ومع ذلك فإن المنطقة سوف تشهد تغيرات في غاية الأهمية وذلك أن الترتيبات الأمريكية تريد خلق وقائع سياسية جديدة مع متطلبات المرحلة الراهنة التي يشهدها العالم في محاولة عشر قيم الليبرالية الأمريكية المتوحشة في الشرق الأوسط كمطلب إمبريالي غربي وذلك من أجل التكييف مع التحولات التي يشهدها العالم والتي تمتلك قدرة أكبر لتلبية ما يحتاجه النظام الأمريكي من بحث في أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط بما يجعل النظام الإقليمي العربي الأكثر الأقاليم اندماجا في النظام الدولي الجديد على قاعدة ضمان الاحترام الأمريكي الصهيوني ومتحولا بشكل كامل نحو الغرب الرأسمالي بحيث ترسم الولايات المتحدة الأمريكية حروبها واقعا جديدا للعالم العربي باعتباره إقليميا مملوء بالثروات والمشاكل لا يحتمل أن يبقى متروكا كما وصفه أحد أبرز المعلقين الأمريكيين بأنه مجموعة من قبائل ترفع أعمال متفاوتة الألوان.[ 15]

وفي هذه الحرب استطاعت إسرائيل أن توجد صورتها في عيون اللبنانيين على اختلاف توجهاتهم السياسية أو بالأحرى على تعدد انتمائهم الدينية والطائفية.

ذلك أن اللبنانيين كانوا يرون إسرائيل في صور متباينة إلى حد التعارض بينهم من كان يرى فيها العدو المطلق بالمعنى الديني كما بالمعنى الوطني ولم يكن يقبل نقاشا، لهذا العداء كائنة ما كانت الذرائع السياسية وبينهم من كان يرى فيها العدو الوطني والقومي ولكن العجز عن مواجهته بالشعار الأصلي للمعركة القومية الفاصلة والحرص على السلامة الوطنية يجعل هؤلاء يسلمون مكرهين بوجود إسرائيل كدولة ويرفضون الصلح معها أو التطبيع لأسباب وطنية يعززها استمرارها في احتلال بعض التراب الوطني ومواصلتها تهديد لبنان ومحاولة ابتزاز سياسيا في هويته ودوره العربي وبالذات في علاقته بالقضية الفلسطينية لاسيما أن لبنان طرف في القضية لأسباب تتجاوز ما هو عقائدي وعاطفي وعملي.

2- الخلفيات والأهداف من الحرب الإسرائيلية على لبنان :

1- خلفيات الحرب على لبنان :

بدأت إسرائيل عدوانها على إثر عملية أسر الجنديين من جيشها 12 يوليوز/تموز 2006 وهذا العدوان كانت ترى أنها في حاجة إليه منذ عام 2000 وكانت حضرت له منذ أن ثبت عجز المحور الأميركي التشعب الاعتداء الداخلي وعربيا ودوليا عن تنفيذ قرار نقل لبنان من محور الممانعة والرفض لمشروع أمريكا إلى محور التبعية، لقد حاولت أميركا أن تستمر في احتلالها للعراق وتفرض على كل دول المنطقة الخضوع فاصطدمت بثلاث عقبات.

العقبة الأولى : إيران التي رفضت التخلي عن برنامجها النووي كما رفضت مد أمريكا بالتسهيلات اللازمة لاستقرار إحتلال العراق.

العقبة الثانية : سوريا رفضت نزع سلاح حزب الله في لبنان كما أنها لم تقدم لأمريكا الخدمات الأمنية والعسكرية في الداخل العراقي لتجعل الاحتلال فيه أمرا يسيرا كما رفضت طرد ممثلي المقاومة الفلسطينية من أراضيها.

العقبة الثالثة : في حزب الله الذي هزم إسرائيل عام 2000 واستمر في بناء قدرة عسكرية فريدة من نوعها تقع بين القوة التقليدية النظامية للجيش وغير النظامية، وصاغ هيكلة عسكرية ذات قدرات مناسبة لتشكيل تهديد جدي لإسرائيل.[ 16]

2- الأهداف والنتائج من الحرب على لبنان :

تتشابه أهداف إسرائيل في حربها على لبنان العام 2006 تلك التي أعلنت عنها في العام 1982 القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية وإدراج سورية من لبنان وعقد معاهدة سلام مع لبنان، ففي العام 1982 كانت منظمة التحرير تشكل تهديدا لإسرائيل في مناطقها الشمالية المحادية للبنان وبين ذلك التاريخ وتحرير لبنان عام 2000 والحرب الإسرائيلية عليه في عام 2006 كان حزب الله هو القوة العسكرية التي تهدد إسرائيل وتمكن من حصر جهودها إلى ما وراء الحدود اللبنانية واتخذ موقفا استراتيجيا في الصراع وإسرائيل تسعى لخلق ظروف السلام مع لبنان، وهذا لن يتحقق ؛إلا بالقضاء على حزب الله وقوته وبذلك وقفت إسرائيل وراء خروج القوة السورية من لبنان بقرار 559.[ 17]

وبعد فإن علينا أن نتساءل عن أبعاد وأهداف هذه الحرب الإسرائيلية الدائرة على لبنان ومن سر مساندة الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل لنتساءل بعد ذلك عن مدى وآفاق النجاح الممكنة لهذين الحلفين في الحرب ولكي لا نسرف في هذا التحليل فإن الهدف المباشر المعلن لإسرائيل في حربها هذه يتمثل في تدمير حركة المقاومة اللبنانية التي يرمز إليها حزب الله وقتل حسن نصر الله زعيم الحزب ثم تجريده من السلاح على أقل تقدير إلى جانب إرغامه على الخروج ومغادرة معاقله التالية في الجنوب اللبناني مع إحلال قوات دولية محله بالتعاون مع قوات وطنية لبنانية بغية إنشاء منطقة أمنية جديدة في الشريط الحدودي في شمال إسرائيل، وتوجد أجندة أخرى ترمي إلى إعادة ترسيم الخريطة السياسية اللبنانية بحيث تتسلم مقاليد سلطة حكومة في لبنان ضعيفة وهزيلة وطبيعة لا تتراجع في عقد صفقة سلام مع إسرائيل بمباركة أمريكية، كما أن هناك هدف آخر وراء العمليات العسكرية الجارية في قطاع غزة ومرماه إضعاف كل من سوريا وإيران بصفتهما القوتين المحليتين التي تتبين في دعمهما المنتظم لحركة حماس وحزب الله علاوة على استمرارهما في مناهضة الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية على المنطقة.[ 18]

وفي نهاية لا يمكن عزل الحرب الإسرائيلية اللبنانية عن سياسة المحاور والصراعات في المنطقة كما أن الوضع اللبناني الهش والتجاذبات الداخلية والتباين بين منطق الدولة والمقاومة، أسهم كثيرا في جعل لبنان ساحة للصراع بين الداخل والخارج لذلك كان من المتوقع أن ينفجر صراع عاجلا أو آجلا بين طرفين، وبذلك لم تتمكن الحكومة اللبنانية من الإمساك بالوضع الداخلي وعدم إنجرار البلاد إلى حرب دفاعا عن المفاعل النووي الإيراني أم دفاعا عن نشر الديمقراطية التي أراد الأميركيون أن يجعلوا لبنان نموذجا لها أو منطلق لشرق أوسط جديد إلى درجة تدميره، لقد ترك العرب لبنان لأسابيع ثلاثة من دون تغطية تدمر إسرائيل بناه التحتية وتقتل شعبه وتعصف به مشاريع القرارات المنحازة أو غير المتوازنة وإن عجزهم هذا هو جزء من مشكلات لبنان مع العرب منذ الوجود الفلسطيني المسلح على أرضه وبغض النظر عن عدم قدرتهم على مواجهة إسرائيل أو عدم رغبتهم في ذلك فإن ذلك يعود إلى أنهم رأوا في صراع حزب الله وإسرائيل صراعا إيرانيا أمريكيا وخوفهم من إيران النووية وجعلهم يرون إيران عدوا مركزيا كما أن اللبنانيين لم يتضايقوا من التبعية الشعبية ولكن بعض الدول كان لها تحفظات على الحرب فالرئيس المصري حسن مبارك قال بأنه لن يقود حرب من أجل حزب الله أو لبنان فكلاهما واحد بالنسبة، وأما فيما يخص الجانب الإسرائيلي فإن المواجهة والحرب بالنسبة إليها مازالت مفتوحة وتملك أسباب تجعلها على اقتناع تام بإكمال الحرب من أجل فرض الهيمنة على المنطقة والتخلص من أعدائها وخصوصا حزب الله وإيران اللذان يعتبران كمحور الشرفي الإدارة الأمريكية، فالقيادة الشعبية مازالت في المواجهة مع أمريكا وإسرائيل وقد تدخل المنطقة في حرب إستراتيجية من الصعب التكهن بنتائجها على المستوى الإقليمي والدولي.

وفي الوقت الحاضر لكل نزاع من النزاعات في الشرق الأوسط أسبابه بحيث يبقى العامل الرئيسي للصراع هو بروز إيران قوة إقليمية ذات قدرة نووية مما يؤدي هذا الأمر إلى انقلابات في التحالفات وانزلاق الوضع وإيران هي القوة الوحيدة التي تملك الإستراتيجية المتماسكة، وفيما عيون العالم متجهة نحو لبنان تتجه إيران بهدوء نحو الحصول على السلاح النووي وستحصل عليه، كما أن هذه الحرب بانعكاساتها المالية استطاعت أن تخدم غيران فهي كأي حرب في الشرق الأوسط تؤدي إلى ضغوط حول سعر البرميل البترول الذي يتعرض لارتفاع منذ سنوات عدة وفي 2005 تخطى سعر البرميل سقف 60 دولار.



[1] أحمد باباتا العلوي : مجلة "العصر منتدى العصر الحرب والسياسة ومنطق الصراع"، http//www.alasr.ws.

[2] أحمد عبد الحليم : "الإستراتيجية العالمية للولايات المتحدة الأمريكية السياسة الدولية"، عدد 147 يناير 2002.

[3] عبد الوهاب الأفندي : "كوميديا وتراجيديا الحرب على الإرهاب أفغانستان نموذجا 12، بيروت، شتنبر 2006"، ص : 12.

[4] أفغانستان : الموقف من الحرب على أفغانستان تاريخ الإضافة 03108/12، http://www.islamstory.com.

[5] محمد الهزاط : "الحرب الأمريكية البريطانية على العراق والشرعية الدولية"، المستقبل العربي، العدد 292، ص : 78.

[6] جعفر وفياء وجعفر نعمان : "أسلحة الدمار الشامل في العراق الاتهامات والحقائق"، المستقبل العربي، العدد 306، ص : 45.

[7] فرانك رايتش فيط : "جديد حول أسباب حرب العراق"، العدد 11068، بتاريخ 10/24/2005.

www.wajhat.com

[8] سيد أبو ضيف أحمد : "الهمينة الأمريكية : نموذج القطب الواحد"، عالم الفكر، العدد 3، المجلد 31 يناير مارس 2003، ص : 38-40.

[9] جعفر بنموسى : "مدخل لدراسة المشاكل السياسية"، الطبعة الثانية 2005، ص : 140-141.

[10] نعوم تشومسكي : "الحرب الوقائية ضد العراق الذي سيلازمه العار"، مجلة المستقبل العربي، العدد 11297/2003، ص : 37.

[11] اجتمع وزراء الخارجية العرب في 15 يوليوز 2006 لكي يعكس هذا الموقف خلافات حادة بين تيارين الأول تدعمه كل من السعودية ومصر ويحمل حزب الله المسؤولية عن ما حدث والتيار الثاني تمثله سوريا حيث أعلنت على ضرورة دعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية بلا حدود وأن الوقت ليس وقت لوم.

[12] خليل العناني : "النظام العربي من البنيوية إلى التفكيك"، قراءة في انعكاسات الحرب الإسرائيلية على لبنان، مجلة شؤون عربية، العدد 127 خريف 2006، ص : 59-67.

[13] عبد الرؤوف ستو باحث وأستاذ التاريخ في الجامعة الخاصة اللبنانية، الحرب الإسرائيلية اللبنانية 2006، الخلفيات والمواقف والأبعاد مجلة حوار العرب، سبتمبر 2006، ص : 36.

[14] محمد حيدر باحث في الفكر السياسي رئيس تحرير مدارات عربية نفس المرجع المقاومة اللبنانية أنهت زمن الحروب الإسرائيلية الخاطفة، نفس المرجع، ص : 49-50-51.

[15] توفيق المديني: "كاتب ومحلل سياسي من تونس"، نفس المرجع الحرب المتعددة الأبعاد، ص:66-67.

[16] العميد الركن الدكتور أمين محمد حفيظ : "الخلفيات والأهداف الإستراتيجية للحرب على لبنان"، http://www.aljazeera.net.

[17] عبد الرؤوف ستو : "الحرب على لبنان الأبعاد والخلفيات 2006"، المرجع السابق، ص : 36.

[18] باتريك سيل : "أهداف الحرب الإسرائيلية على لبنان 12/10/2008"، مركز الدراسات الدولي العرب وأمريكا، http://www.icaws.org/site.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق